الكويت: احتجاج المعارضة على حكم حبس البراك يتحول إلى أعمال عنف وإطلاق نار

الداخلية احتجزت عددا من المتظاهرين.. ومجلس الأمة أعلن دعمه لرجال الأمن

TT

شهدت منطقة الأندلس السكنية (شمال شرقي العاصمة الكويت) أعمال عنف وإطلاق نار خلال تجمع لأنصار النائب السابق مسلم البراك احتجاجا على حكم حبسه خمس سنوات لمساسه بالذات الأميرية، مما استدعى تدخل القوات الخاصة لفضه في الساعات الأول من فجر أمس.

وأعلنت وزارة الداخلية الكويتية في بيان لها احتجازها متظاهرين شاركوا بأعمال عنف وشغب بمنطقة الأندلس، حيث يقع ديوان النائب السابق مسلم البراك الذي تتخذه المعارضة مقرا لها.

وأوضحت الداخلية أن الأحداث التي شهدتها منطقة الأندلس ليلة الأربعاء الماضي واستمرت حتى فجر الخميس تخللها إطلاق بعض المتظاهرين أعيرة النارية في الهواء بهدف استفزاز قوات الأمن الموجودة هناك لتأدية واجبها في حفظ الأمن والنظام وتطبيق القانون، وأن بعض المتظاهرين أطلقوا ألعابا نارية خطرة تجاه قوات الأمن الموجودة بالمنطقة مما أدى إلى تعرض عدد من رجال الأمن للإصابة واستدعى نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج، وقامت مجموعة من المتظاهرين بحرق الممتلكات العامة وترهيب المواطنين والمقيمين وشل حركة المرور وتعطيل المصالح في المنطقة، إضافة إلى منع رجال الإدارة العامة للإطفاء من أداء واجبهم.

وكشفت الوزارة في بيانها عن إلقاء القبض على بعض المتظاهرين المتورطين في هذه الأعمال وإحالتهم إلى جهات الاختصاص.

وأكدت الوزارة إدانتها الشديدة لوقوع مثل هذه الأحداث المؤسفة التي تشكل خروجا على القانون، وشددت على أن أي مظاهر للشغب والعنف والتحريض عليه والخروج على القانون والنظام العام ستتم مجابهتها بكل حزم وحسم لمنع تكرار مثل هذه الممارسات للحيلولة دون المساس بأمن وسلامة الوطن والمواطنين والمقيمين وحفاظا على المرافق والممتلكات العامة والخاصة والمصالح العليا للبلاد، كما أهابت بالمواطنين والمقيمين التعاون مع رجال الأمن الذين ما وجدوا إلا لحمايتهم والحفاظ على الممتلكات الخاصة والعامة في ظل دولة الدستور والقانون.

إلى ذلك، أصدر مجلس الأمة (البرلمان) بيانا أكد فيه حرصه على احترام الدستور وتأكيد ضرورة الالتزام بالثوابت التي بني عليها، والتي عاش الشعب الكويتي في ظلها منذ بداية العهد الدستوري عام 1963.

وشدد البيان على أن دستور دولة الكويت نأى برئيس الدولة عن أي مساءلة سياسية وجعل ذاته مصونة لا تمس، وأبعده عن مسببات التبعة بالنص على أنه يتولى سلطاته بواسطة وزرائه، وجاءت نصوص قانون الجزاء لتجرم أي عيب في ذات الأمير أو تطاول على مسند الإمارة، وأن أعضاء مجلس الأمة وهم الممثلون الشرعيون للشعب الكويتي يؤكدون «توقيرهم ودعمهم لحضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى»، ويرفضون أي تعد أو تطاول عليه أو مساس، سواء بالقول أو بالكتابة أو بغيرهما.

وذكر البرلمان في بيانه أن دستور الكويت أكد استقلال السلطة القضائية وأنه لا سلطان لأي جهة على القاضي في قضائه، ولا يجوز بحال التدخل في سير العدالة، فالحكم القضائي له احترامه وقداسته ولو لم يكن حكما نهائيا، باعتباره عنوان الحقيقة التي لا يجوز نقضها أو إهدارها إلا باتباع الإجراءات القضائية المقررة، وأن أي اعتراض على الحكم القضائي، مدنيا كان أو جزائيا، متى كان نافذا، هو اعتراض على دولة القانون ومساس بإحدى المؤسسات الدستورية، وهو ما لا يليق بدولة الكويت التي لها أن تزهو بدستورها وبنظامها الديمقراطي، والقضاء الكويتي الشامخ اتسم دائما وباعتراف الجميع، وكما تدل عليه أحكامه، بالحيدة والغيرية والنزاهة الكاملة.

وأعلن البرلمان دعمه لقيادات وزارة الداخلية وجميع الإجراءات التي اتخذتها وزارة الداخلية لتنفيذ الأحكام القضائية الجزائية المشمولة بالنفاذ، أيا كان أشخاص المدانين فيها، وأيا كانت العقوبة المحكوم بها، فجميع المواطنين أمام القانون سواء، والقانون يسمو ولا يسمى عليه، ويعلو ولا يعلى عليه، والطريق متاح للمحكوم عليهم لمراجعة الحكم بالطرق القانونية المقررة استئنافا وتمييزا.

ومن جهته، رد المحامي عبد الرحمن البراك بصفته أحد أعضاء فريق الدفاع عن النائب السابق مسلم البراك على اقتحام القوات الخاصة لمنزل البراك ظهر الأول من أمس بحثا عن النائب السابق مسلم البراك لتنفيذ حكم الحبس الصادر بحقه، قائلا: «عودتنا وزارة الداخلية على الكذب والتزوير في بياناتها، وإن بيان الوزارة في قضية اقتحام منزل أشقاء البراك في الأندلس مليء بالكذب وإن شهود العيان تكشف عن كذبهم وادعائهم ويثبتون دخولهم البيت بطابقيه الأرضي والأول وعملية الاقتحام الشنيعة، وليس فقط الديوان والمكتب، وإن النائب السابق مسلم البراك أعلن تسليم نفسه أكثر من مرة حسب قانون الإجراءات الجزائية وفق آلية تنفيذ الأحكام وهنا يتساءل الناس لماذا لم يقدموا الأوراق الرسمية في ذلك؟».

واعتبر المحامي عبد الرحمن البراك أن «اقتحام القوات الخاصة لديوان البراك ومحاولة اعتقال البراك جاءا لتسجيل إنجاز لوزير الداخلية بعد الهجوم الذي تعرض له من مجلس الصوت الواحد (البرلمان) وأن الوزير وصل مرحلة الهذيان عندما وصفته (النائبة) صفاء الهاشم بأوصاف مشينه ولكن الله سبحانه لم يحقق لهم ما يريدون».

أما مقرر لجنة حقوق الإنسان البرلمانية النائب طاهر الفيلكاوي فبين في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» أن «قوات الداخلية تقوم بمداهمات مشروعة بعد استصدار أمر من النيابة، لإلقاء القبض على المطلوبين، وهذا ما تم في ديوان البراك، فمسلم البراك قانونيا مطلوب لتنفيذ حكم قضائي، وأن ما جرى في مسيرة أمس (الأول من أمس) تحول مخيف، حيث رأينا بالصور بعض المشاركين وهم يحملون السلاح والبعض أطلق النار على الهليكوبتر وقوات الداخلية، ولم يحاول أحد من منظمي المسيرة منعهم من قتل أبنائنا أبطال القوات الخاصة، وهذا يدل على أن هناك من يسعى إلى جعل هذه المسيرات دمويه ليجر الكويت إلى الصدام المسلح، ومن المؤكد أن هؤلاء لا يتمتعون بالولاء للكويت أو سمو الأمير، حفظه الله».

واعتبر الفيلكاوي عدم تسليم النائب السابق مسلم البراك لنفسه هروبا من شخص طالما تحلى بالشجاعة وعدم الخوف، ولكن الآن تراه يهرب ويخشى الزنزانة التي سعى إليها بنفسه، فإذا كانت غايته حفظ الكويت فليسلم نفسه ويحقن دماء أبنائنا من الطرفين، فكل قطرة دم تسيل سيكون هو سببها.

ومن جهته، قال النائب عبد الله معيوف في تصريح خاص لـ«الشرق الأوسط» إن «ما حدث تمرد على النظام والقانون برعاية من يدعون أنهم يمثلون الأمة من نواب سابقين، وأسوأ ما في الموقف أن يحرض مشرعون الشباب على مقاومة رجال الأمن وهم يعرفون تماما أن ما يقومون به لا يمت للحريات والديمقراطية بشيء».

وتابع معيوف: «إن ما جرى في المسيرة نتاج طبيعي من المحرضين من النواب السابقين الذين فقدوا الاتزان السياسي وضاعت منهم بوصلة العمل السياسي القانوني واستخدام الفوضى لإلغاء حكم قضائي وعدم تطبيق القانون بواسطة المظاهرات والاعتصامات واستخدام الغوغائية لمنع تنفيذ الحكم، وإن تبريرات مسلم (النائب السابق مسلم البراك) وتهربه من تنفيذ الحكم يبين مدى زيف البطولات التي يدعيها وصحبه من نواب الفوضى، وإن ما يمارسه مسلم من تصرفات غير مسؤولة قد يكون ضحيتها الشباب مثلما حدث في اقتحام مجلس الأمة.

أما النائب السابق محمد الكندري (سلفي معارض) فأوضح في تصريح خاص بـ«الشرق الأوسط» أن «الأحداث الحالية هي نتيجة حتمية للانتقائية في تطبيق القانون، ونتيجة تراكمية لانتهاك الدستور من قبل السلطة ومصادرتها لإرادة وحق الشعب الدستوري، كما أن الإجراءات الباطلة والمخالفة للقانون في إصدار الحكم وكذلك في إجراءات تنفيذه هو ما فجر الأمر، وجعل رد الفعل للفعل المخالف للقانون بهذا الحجم.

يذكر أن محكمة الجنايات أصدرت الاثنين الماضي حكما يقضي بحبس النائب السابق مسلم البراك خمس سنوات مع النفاذ بعد إدانته بتهمة الإساءة للذات الأميرية المصونة دستوريا.

وتعود خلفيات القضية إلى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) الماضي حينما تحدث النائب السابق مسلم البراك في ندوة نظمتها المعارضة وألقى خلالها كلمته المعروفة شعبيا بخطاب «لن نسمح لك»، والتي تطرق فيها إلى عدم جواز إصدار الأمير بموجب صلاحياته الدستورية مرسوما يقضي بتعديل نظام انتخاب أعضاء البرلمان وتقليص حق الناخب باختيار مرشح واحد بدلا من أربعة.

ولا يزال النائب السابق مسلم البراك متواريا عن أنظار رجال الأمن الذين اقتحموا ديوان البراك وحاولوا أكثر من مرة إلقاء القبض عليه إلا أنهم لم يتمكنوا من ذلك.

وتنظم المعارضة السياسية وأنصار النائب السابق مسلم البراك تجمعات يومية منذ بداية الأسبوع، إلا أن وتيرة العنف زادت ليلة الأول من أمس حينما تخلل التجمع إطلاق نار من قبل بعض المحتجين في الهواء لاستفزاز رجال الأمن، كما أوردت وزارة الداخلية الكويتية في بيانها.