تسابق على المواقع داخل «العائلة الدستورية» في تونس

العلاقة بين الإسلاميين والدستوريين ستحدد المستقبل السياسي في الانتخابات المقبلة

الوزير الأول التونسي علي العريض يستقبل باولو سكاروني المدير التنفيذي لشركة « آني» الإيطالية في تونس أمس (رويترز)
TT

تتشكل الخارطة السياسية التونسية بشكل متواصل لتبرز تحالفات سياسية جديدة تضع نصب عينيها الانتخابات الرئاسية والبرلمانية القادمة. وتمكنت الساحة من تمييز 3 أقطاب سياسية كبرى تمثلها حركة النهضة والتيارات الدينية القريبة منها، وحركة نداء تونس التي تجمع أطيافا من منتسبي التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل بتيارات يسارية، إلى جانب الأطراف اليسارية التقليدية ممثلة في الجبهة الشعبية التي يوقدها حمه الهمامي (الجبهة مكونة من أحزاب يسارية وأخرى قومية). إلا أن نجاح حركة نداء تونس في خلق جبهة سياسية ديمقراطية تجمع معها الحزب الجمهوري وتحالف المسار الديمقراطي الاجتماعي واليسار الاشتراكي وحزب العمل الوطني الديمقراطي فيما بات يعرف بـ«الاتحاد من أجل تونس» أثار الكثير من التساؤلات حول تحالف اليسار وتحالف الدستوريين والديمقراطيين ومدى التوافق بين منتسبي النظام السابق وعودتهم إلى النشاط السياسي.

وفي محاولة لكبح جماح حركة نداء تونس وتوجهها نحو التصرف منفردة في الإرث البورقيبي (نسبة إلى الحبيب بورقيبة الرئيس التونسي الأسبق) وقطع الطريق أمام بعض التيارات التي تخلت عن حركة نداء تونس خلال ستة أشهر من الوجود القانوني (حصلت على الترخيص القانوني يوم 16 يونيو/ حزيران 2012)، تكونت «الجبهة الدستورية» وهي تضم ستة أحزاب سياسية تكونت كلها بعد الثورة وتشمل القائمة حزب المبادرة برئاسة كمال مرجان (وزير الخارجية في نظام بن علي) وحزب الوطن الحر الذي أسسه محمد جغام (وزير الداخلية في عهد بن علي) وحزب المستقبل بزعامة الصحبي البصلي (شغل خطة والي/ محافظ في نظام بن علي) إلى جانب حزب اللقاء الدستوري وحزب الوحدة والإصلاح وحزب الحرية من أجل العدالة والتنمية.

وتتقاسم هذه الجبهة الدستورية نفس المرجعية مع حركة نداء تونس التي يتزعمها الباجي قائد السبسي رئيس الحكومة التونسية الأسبق، وينفي الباجي تهمة فتح الأبواب أمام منتسبي التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل ويقول إنها حركة سياسية حداثية تنادي بالمحافظة على الإرث الحداثي للدولة التونسية منذ الاستقلال وهي حركة تعمل على «تجميع التونسيين لا تفريقهم». إلا أن الجبهة الجديدة تأسست على نفس الأفكار وهي حسب المتابعين للشأن السياسي التونسي «تلعب بنفس ملعب» حركة نداء تونس وقد تكون تأثيراتها السياسية مهمة خاصة على حركة نداء تونس.

في هذا الشأن يقول المحلل السياسي التونسي جمال العرفاوي لـ«الشرق الأوسط»، إن أسبقية حركة نداء تونس في العمل السياسي وخلق الرجة الإعلامية وتسويق الحركة على أساس أنها الند العنيد لحركة النهضة وهي التي ستقيم التوازن السياسي المفقود داخل المشهد السياسي التونسي، لم تمنع الجبهة الدستورية من تشكيل التحالف السياسي الجديد بعد أن أيقنت أن خلافات سياسية بدأت تدب بين التيار التجمعي داخل حركة نداء تونس والتيار اليساري الذي نعتته بعض التحاليل السياسية بـ«الانتهازية».

وأضاف أن حركة نداء تونس قد ضمت رموزا يسارية وليبرالية وتجمعية وهي حركة مبنية حول شخصيات سياسية بعينها غايتها الوصول إلى سدة الحكم من دون الاكتراث كثيرا بوسيلة تحقيق هذا الهدف. واعتبر العرفاوي أن قيادات الجبهة الدستورية حافظت على توجسها من التحالف مع حركة نداء تونس وهي لا تعتبرها صاحبة مشروع سياسي حقيقي، ولتلك الأسباب سعت إلى تأسيس جبهة سياسية مستقلة تعتمد نفس القاعدة الانتخابية ولكنها تسوق لمشروع مختلف وتتفادى خلال هذه الفترة الصدام مع حركة نداء تونس أو حركة النهضة.

وكان حزب المبادرة الذي يقوده كمال مرجان قد صوت لصالح حكومة علي العريض في المجلس التأسيسي وهو ما أثار استغراب بعض الأحزاب السياسية المعارضة، واعتبره البعض الآخر دعوة صريحة للتقرب من حركة النهضة وتفادي الصدام واستعدادا للحوار ودعم الوفاق الوطني.

وتلوح حركة النهضة في أكثر من مناسبة بتمرير قانون تحصين الثورة إلى المجلس التأسيسي (البرلمان) الذي سيمنع قيادات النظام السابق من النشاط السياسي مدة سبع سنوات، مما سيخلق ضررا سياسيا فادحا للجبهة الدستورية قبل حركة نداء تونس، إلا أن قيادات في حركة النهضة تدعو إلى تأجيل التصويت على هذا القانون في انتظار إقرار قانون العدالة الانتقالية.

ولا يزال موقف حركة النهضة من حركة نداء تونس والجبهة الدستورية يتسم بالضبابية، فالنهضة رفضت في البداية الجلوس مع حركة نداء تونس حول نفس طاولة الحوار التي قادها الاتحاد العام التونسي (المنظمة العمالية) يوم 16 أكتوبر (تشرين الأول) 2012، وعادت خلال هذه الفترة للجلوس مع نفس الخصم العنيد في حوار وطني تحت إشراف الرئيس التونسي المنصف المرزوقي وهو ما أثار تساؤلات حول تضارب مواقف النهضة تجاه «العائلة الدستورية» سواء في شقها البورقيبي أو التجمعي (نسبة إلى حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل).

وفي هذا الشأن، قال عامر العريض، رئيس الدائرة السياسية لحركة النهضة لـ«الشرق الأوسط»، إن «من حق حركة النهضة صاحبة الشرعية الانتخابية أن تشارك في حوار وطني يتعلق بالشأن العام التونسي، كما أنه من حق الأحزاب القانونية أن تحضر هذا الاجتماع بما في ذلك حركة نداء تونس». وإذا كان من الصعب الجمع بين الأحزاب ذات التوجهات الإسلامية والتيارات اليسارية، فإن معظم المحللين السياسيين يرون أن العلاقة بين الإسلاميين والدستوريين بشقيهم هي التي ستحدد طبيعة الوضع السياسي في تونس خلال الفترة القادمة.

وهذه العلاقة تعيد إلى الأذهان الصراع على السلطة بين التجمعيين والإسلاميين في بداية حكم الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي والتي انتهت برمي الآلاف من الإسلاميين خلف القضبان لعقود من الزمن، فكيف سيتصرف الإسلاميون الذين يقودون البلاد بعد الثورة مع خصومهم القدامى؟