جامعات مصر في قبضة العنف والاحتراب السياسي

أصبحت مرتعا للبلطجية.. والطلاب يحذرون من عودة «الشرطة» ومخاوف على المستقبل

TT

بعد أكثر من عامين على ثورة 25 يناير، تحول عدد من الجامعات المصرية، إلى ساحة للعنف بين الطلاب، وكما أصبحت أرضا خصبة للاحتراب السياسي بين القوى المتنازعة في المجتمع، باختلاف ميولها السياسية والثقافية، وبات الأمر يهدد سير أعرق المؤسسات التعليمية في العالم العربي، خاصة بعد أن أعلنت أكثر من جامعة تعليق العملية الدراسية بها لحين السيطرة عن حالة الانفلات الأمني، آخرها جامعة «عين شمس»، ثالث أقدم الجامعات المصرية.

وبحسب تقرير لـ«مؤسسة حرية الفكر والتعبير»، وهي منظمة حقوقية مستقلة، صدر مؤخرا فإن «حوادث البلطجة والعنف في الجامعات أصبحت تنذر بكوارث تهدد حياة الطلاب بها، وتهدد انتظام العملية التعليمية».

وفي جولة لـ«الشرق الأوسط» بعدد من الجامعات المصرية حمل طلاب وأعضاء بالاتحادات الطلابية، الإدارة الجامعية المسؤولية عن أعمال العنف، وذلك بتقاعسها عن تأمين الجامعات بالشكل اللائق، متهمين إياها بأنها تدفع بالبلطجية التابعين لجهاز أمن الدولة لتأديب الطلاب بسبب نشاطهم السياسي المتزايد بعد الثورة، ورغبة النظام السياسي في عودة قوات الشرطة للعمل على تأمين الجامعات والسيطرة عليها من جديد.

وتتكفل بالأمن عناصر أمن خاصة بكل جامعة، وهم أفراد غير مسلحين تابعون لسلطة رئيس الجامعة، وذلك تنفيذا لحكم قضائي صادر في يوليو (تموز) 2010. قرر منع وجود الحرس التابع لوزارة الداخلية، والذي كان ينظر إليه بأنه أداة تابعة للنظام السابق لقمع المعارضة وأي نشاط سياسي في الجامعات.

ومن حينها والجامعات المصرية الحكومية والخاصة على حد سواء، دخلت في دائرة العنف وتكثفت وقائعه بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، حيث يشكو الحراس المتواجدون فقط على أبواب الجامعات، من ضعف إمكانياتهم وقدرتم على التأمين. يقول محمود عبد الباسط، حارس جامعة حلوان: «دوري فقط ينتهي بالكشف عن هويات الطلاب من خلال بطاقات الهوية التي يحملونها، وهي يمكن تزويرها بسهولة، ولا أستطيع تفتيش أي طالب يدخل الجامعة، ومن ثم لا يمكنني أن أعرف إن كان يحمل سلاحا أم لا، في ظل عدم وجود أي أبواب تأمين إلكترونية مصممة للكشف عن الطلبة».

وتتخوف الحركات الطلابية من أن يؤدي هذا الوضع الأمني المتدهور لعودة قوات الشرطة مرة أخرى، باعتباره سيشكل ردة حقيقية في مسار استقلال وحرية الجامعات. تقول الطالبة بجامعة القاهرة حنان عبد الماجد «من الواضح أن العنف في الجامعات هو موضوع ممنهج، لأن النظام الحالي شعر بأنه فقد السيطرة على النشاط السياسي في الجامعة، بالإضافة إلى خسارتهم الانتخابات الأخيرة لاتحادات الطلاب، فيريدون إعادة قوات الداخلية للسيطرة على الموقف».

ومنيت قوائم طلاب الإخوان المسلمين في الانتخابات الطلابية بخسارة كاسحة بمعظم الجامعات المصرية، وهي الانتخابات التي كانت تسيطر عليها الجماعة في السنوات الأخيرة، بل وصلت النسبة التي حصل عليها الإخوان في بعض الكليات إلى 0%، في مقابل اكتساح للقوى الثورية المعارضة. وتسبب ذلك في وجود صراعات سياسية داخل الجامعات بين ثالث جهات طلابية (التيار الإسلامي وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمين، تيار القوى الثورية ويضم في معظمه أحزاب المعارضة، ثم من يتهمون بأنهم أتباع النظام السابق).

تقول منى ياسين (الطالبة بكلية التجارة بجامعة عين شمس): «الداخلية مش راجعة الجامعة غير على جثتنا.. مطلبنا واضح شركة أمن خاصة، هم يحاولون إجبارنا على ترك العمل السياسي داخل الجامعة، عبر الدفع بالبلطجية لوقف أي مظاهرات معارضة وهذا لن يحدث».

فيما يؤكد طارق صلاح، الطالب بكلية الصيدلة جامعة القاهرة قائلا: «قلنا مرارا وتكرارا إن حرس الجامعة الذي قمنا بطرده من قبل لن يخطو خطوة واحدة داخل الحرم الجامعي»، ويضيف: «أمن الداخلية لن يدخل الجامعة».

وقررت جامعة عين شمس أول من أمس تعليق الدراسة في جميع الكليات والمعاهد بها، لأجل غير مسمى لـ«حين عودة القيم والأعراف الجامعية وخوفا من إدارة الجامعة على سلامة الطلاب، بعد تلقي بعضهم تهديدات بالقتل»، وفقا لبيان أصدرته عقب اجتماع طارئ لمجلس إدارتها.

وأرجعت إدارة الجامعة قراراها بسبب «وجود مشاحنات بين مجموعات من الطلاب بسبب انتماءاتهم المختلفة، واندساس بعض العناصر الخارجية من مثيري الشغب بينهم، وحفاظا على أبنائنا الطلاب وجميع العاملين بالجامعة ومنشآتها.. ونظرا لما قرأناه وتابعناه من خلال وسائل التواصل الاجتماعي من التحريض على العنف داخل الجامعة».

وكانت اشتباكات عنيفة قد اشتعلت في الجامعة الأسبوع الماضي، أثناء مسيرة للطلاب اعتراضا على حوادث العنف المتكررة في الفترة السابقة، ما أدى لإصابة العشرات، حيث استخدم السلاح الأبيض وطلقات الخرطوش والعصي.

واقتحم العشرات من الطلاب بصحبة عدد من البلطجية من الخارج حرم الجامعة، أثناء زيارة وزير التعليم العالي الدكتور مصطفى مسعد، وأطلقوا أعيرة نارية، واعتدوا على الدكتور حسين عيسي رئيس الجامعة أثناء تفقده موقع الأحداث.

وبينما أعلن الدكتور حسين عيسى رئيس جامعة عين شمس، قبول استقالة المشرف على الأمن ومدير عام الأمن الجامعي، طالب وزارة الداخلية بالترخيص لأمن الجامعة بوسائل للدفاع عن النفس، كما طالب وزارة العدل بمنح حق «الضبطية القضائية» لقيادات الأمن.

وقال الدكتور عيسى معلقا على تزايد دور القوى السياسة في الجامعات: «أي عضو هيئة تدريس أو طالب من حقه أن تكون له انتماءات سياسية، لكن داخل الجامعة تتم مزاولة أنشطة جامعية أكاديمية، فهي ليست ناديا سياسيا تقام فيه نشاطات تحت اسم حزب معين.. هذا مرفوض تماما، فالجامعة لا يمكن استخدمها كأداة للدعاية لاتجاه سياسي معين».

لكن طلاب الجامعة رفضوا الاتهامات الموجهة إليهم بالمسؤولية عما يحدث من عنف، وقال اتحاد الطلاب في بيان لهم إن «جميع القوى والحركات الطلابية السياسية وغير السياسية والاتحادات الطلابية متحدة فيما بينها ولا صحة لما تشيعه إدارة الجامعة عن وجود مشاحنات بين الطلاب بسبب انتماءاتهم المختلفة».

وأعلن الطلاب أن جميع فعالياتهم سلمية تماما ولكن اعتداءات هذه العناصر الإجرامية الموجودة داخل الجامعة عليهم تجبر الطلاب وتضطرهم للدفاع عن أنفسهم في ظل تقاعس أمن الجامعة عن حمايتهم، وحذر بيان اتحاد الطلاب من ما اعتبره «التلميح بعودة الحرس الجامعي مرة أخرى»، مؤكدين رفضهم عودة الحرس الجامعي التابع للداخلية مجددا.

تقول رانا أحمد، الطالبة في كلية الحقوق: «من قبل الثورة والبلطجية منتشرون في الجامعة من الخارج ومن الداخل تحت أعين الحرس الجامعي، ويقومون بفض أي مظاهرات ضد النظام، وكانوا يعتدون على أي طالب يعترضهم، ويسلمونه لأمن الدولة.. وبعد طرد الداخلية استمر تواجد هؤلاء البلطجية أيضا»، متهمة الإدارة بالفشل لعدم قدرتها على حماية الطلاب.

فيما يضيف الطالب محمد سرحان، منسق حزب الدستور بالجامعة، والمصاب في أحد الاشتباكات: «الجامعة انعدم فيها الأمن تماما وأصبحت مرتعا لتجارة المخدرات والبلطجة».

وقال عمرو إبراهيم، أمين عام اتحاد طلاب جامعة عين شمس: «الاتحاد سوف يستأنف فعالياته ضد البلطجة داخل الجامعة وضد تقاعس إدارة الجامعة عن حماية أرواح الطلاب وسلامتهم، وحقه في اتخاذ كافة الإجراءات التصعيدية وفقا لما سيتم الاتفاق عليه بين الطلاب».

ومنح اتحاد طلاب جامعة عين شمس الإدارة مهلة حتى الخميس القادم 25 أبريل (نيسان) لاستقدام شركة أمن خاصة لتأمين الجامعة من أجل استئناف الدراسة، وقال الاتحاد «في حالة استئناف الدراسة قبل وجود شركة أمن أو تجاوز الموعد المتفق عليه فمطلب إقالة رئيس الجامعة وإدارته سيكون مطلبا لن يتم التنازل عنه».

لكن ناصر محمد، الحارس بالجامعة استبعد تحقيق هذه المطالب قائلا: «مفيش حاجة اسمها الجامعة تتعاقد مع شركة أمن محترفة في أسبوع.. هذا الأمر يخضع لإجراءات وموافقات تأخذا وقتا.. ربما العام الدراسي الجديد».

ويعد ما يحدث في عين شمس الحلقة الأحدث في سلسلة الانفلات الأمني في الجامعات على مدى الشهور الماضية، فقد علقت «جامعة مصر الدولية» الدراسة بها ما يقرب من شهر، بسبب اشتباكات وقعت في مارس (آذار) الماضي بين الطلاب وأمن الجامعة، أدت لإصابة أكثر من 20 طالبا، بعد اعتصامهم للمطالبة بإنشاء كوبري مشاة أمام الجامعة وتحسين الخدمات بها.

كما شهدت جامعة المنصورة أوائل شهر أبريل الجاري أحداث عنف إثر المظاهرات نظمها الطلاب احتجاجا على مصرع طالبة دهستها سيارة أحد أعضاء هيئة التدريس، ونشبت الاشتباكات بين طلاب حركة «أحرار» الإسلامية، وطلاب آخرين، أسفرت عن إصابة 12 شخصا، بينهم أربعة بطلقات خرطوش، والباقي بكدمات وسجحات، وألقت قوات وزارة الداخلية القبض على 15 طالبا، حبسوا على 15 يوما على ذمة التحقيق.

وإثر ذلك قرر مجلس عمداء كليات جامعة المنصورة «تركيب بوابات إلكترونية على ثلاثة من مداخلها الخمسة الرئيسية لحماية الجامعة ومنشآتها من أي اعتداءات في ضوء ما شهدته الأسبوع الماضي».

أما أعنف الوقائع فكانت في جامعة حلوان العام الماضي، والتي لقي فيها طالب مصرعه إثر إصابته بسلاح أبيض أثناء مشاجرته مع طلاب آخرين. إضافة إلى ما حدث في جامعة بورسعيد في يناير (كانون الثاني) الماضي، حين نشبت اشتباكات بين طلاب ألتراس مصراوي وطلاب المدينة الجامعية ببورسعيد، والتي استمرت عدة أيام، وأدت إلى إصابة فيما يقرب من عشرين طالبا بإصابات متفاوتة، كما أدت إلى تعليق الدراسة وتأجيل الامتحانات بالجامعة لعدة أسابيع.

وعلق الدكتور سامي عبد العزيز، عميد كلية الإعلام السابق، على هذه الأحداث قائلا: «إن الجامعات شأنها شأن أي مكان في المجتمع، وحاليا أصبحت البلطجة صناعة في المجتمع المصري ومنتشرة بشكل واضح، فما يحدث في الجامعة هو امتداد لما يحدث في الشارع، الذي لا يفصله عن الجامعة سوى سور صغير».

وأكد عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط» أن ما حدث في مصر بعد الثورة هو «انبطاح فلم يفرق البعض بين إزالة النظام السابق وبين هدم الدولة، فتم الاعتداء على كثير من مؤسسات الدولة وكان من بينها الجامعات».