اشتباكات دامية بين أنصار الإخوان ومعارضين في جمعة «تطهير القضاء»

مواجهات بالخرطوش في القاهرة والإسكندرية وإحراق حافلة تابعة للجماعة

ناشطو 6 أبريل ومتظاهرون ضد الإخوان يحملون ثمار «الكوسة» تعبيرا عن تنديدهم بالفساد في الفلكور المصري وسط القاهرة أمس (أ.ف.ب)
TT

دفعت جماعة الإخوان المسلمين في مصر بأنصارها أمس للتظاهر أمام دار القضاء العالي بوسط القاهرة وفي الإسكندرية، رافعين شعار «تطهير القضاء». وشهدت الفعالية الإخوانية اشتباكات دامية مع قوى معارضة للجماعة استخدمت فيها زجاجات حارقة وطلقات الخرطوش، وسقط خلالها نحو 50 جريحا، فيما أحرق مجهولون حافلة تابعة للجماعة بالقرب من ميدان التحرير.

وتجاهلت جماعة الإخوان انتقادات المعارضة المدنية وقوى إسلامية للفعالية التي اعتبروها «تقويضا لأركان دولة المؤسسات». وبدا أن الجماعة عاقدة العزم على المضي قدما في معركتها ضد المؤسسة القضائية.

ويرى مراقبون أن المعركة الجديدة بين جماعة الإخوان والقضاة تنذر بتعقيد الأوضاع السياسية المعقدة أصلا، وتغذي حالة الاستقطاب التي تشهدها البلاد منذ شهور، في ظل أوضاع اقتصادية تزداد سوءا يوما بعد يوم.

وبينما تظاهر آلاف من أنصار جماعة الإخوان وذراعها السياسية حزب الحرية والعدالة، وأحزاب أخرى صغيرة متحالفة معها، في محيط دار القضاء العالي بوسط القاهرة القريب من ميدان التحرير، نظمت الجماعة فعاليات أخرى مماثلة في الإسكندرية، وشهدت الفعاليتان اشتباكات مع قوى معارضة سقط خلالها نحو 50 جريحا. كما أحرق مجهولون يعتقد انتماؤهم لقوى شبابية ثورية، حافلة تابعة لجماعة الإخوان في ميدان عبد المنعم رياض القريب من ميدان التحرير.

وحركت قوات الأمن المركزي مدرعاتها بعد احتدام الاشتباكات، وأطلقت وابلا من قنابل الغاز المسيل للدموع باتجاه المتظاهرين المناهضين الذين ردوا بإلقاء الحجارة، واستخدم مجهولون طلقات الخرطوش.

ودعت وزارة الداخلية المواطنين إلى الانسحاب من الشوارع المحيطة بالاشتباكات حقنا للدماء.

واعتادت جماعة الإخوان الاستعانة بكوادرها في المحافظات المختلفة في مثل هذه الفعاليات، وغالبا ما كانت الحافلات التي تقلهم إلى القاهرة تتعرض لاعتداءات وحرق من قبل معارضي الجماعة.

وطالب نادي قضاة مصر المتاخم لدار القضاء العالي، وزارة الداخلية أمس، بتأمين المحاكم، وأعلن مجلس إدارة النادي أنه في حالة انعقاد دائم.

وظل التوتر يسود العلاقة بين جماعة الإخوان ونادي القضاة الذي يترأسه المستشار أحمد الزند، لكن حكما بإخلاء سبيل الرئيس السابق حسني مبارك جاء على خلفية انقضاء مدة حبسه احتياطيا في قضية قتل متظاهرين، فجر العلاقة بين الطرفين.

ويعتقد مراقبون أنه رغم استمرار حبس مبارك احتياطيا على ذمة اتهامات في قضايا فساد مالي، وضع الحكم بإخلاء سبيل مبارك الرئيس محمد مرسي المنتمي لجماعة الإخوان في حرج بالغ. وكان الرئيس مرسي قد وعد بتقديم أدلة جديدة ضد مبارك ورموز نظامه حال فوزه في الانتخابات الرئاسية التي جرت منتصف العام الماضي، ورغم مرور نحو 10 شهور على توليه السلطة برأت عدة محاكم عددا كبيرا من رموز النظام السابق في قضايا قتل متظاهرين وفساد مالي.

وينأى الرئيس مرسي، الذي يزور روسيا حاليا، بنفسه عن الصراع المحتدم بين جماعته والمؤسسة القضائية، لكن وزير العدل المستشار أحمد مكي الذي يعتبره معارضون محسوبا على جماعة الإخوان، رفض بشدة التظاهر للمطالبة بـ«تطهير القضاء»، وانتقد قانونا جديدا للسلطة القضائية تعده جماعة الإخوان، قائلا إنه تعد على استقلال القضاء، مؤكدا عزمه على التصدي للقانون الجديد ما دام هو في منصبه كوزير للعدل.

وهتف أنصار الإخوان أمس ضد المستشار مكي وطالبوا بإقالته، كما هتفوا ضد المستشار الزند، وطالبوا الرئيس مرسي بتطهير مؤسسات الدولة وعلى رأسها مؤسستا القضاء والإعلام، بالإضافة لإقرار قانون السلطة القضائية وإجراء محاكمات ثورية.

وكان نادي قضاة مصر قد تصدى نهاية العام الماضي بقوة لإعلان دستوري أصدره الرئيس مرسي، منح فيه لنفسه سلطات واسعة. وعلقت المحاكم أعمالها لنحو شهر في أوسع إضراب للقضاة تشهده البلاد، كما امتنع كثيرون منهم عن الإشراف على الاستفتاء على الدستور مطلع العام الحالي.

وشاركت قيادات من قوى إسلامية في مظاهرات أمس. وقال ممدوح إسماعيل وهو برلماني سابق، إن المظاهرة موجهة للفاسدين من القضاة وليس جميعهم، وللقضاة الذين يستشعرون الحرج في إقامة العدل، مضيفا في كلمة له من على المنصة المقامة أمام دار القضاء: «نطالبهم أن يستشعروا الحرج من البقاء في مناصبهم وأن يرحلوا».

وخلال وقفتهم أمام دار القضاء العالي، أزال كوادر من جماعة الإخوان المسلمين شعارات لقوى معارضة تطالب بإقالة النائب العام الحالي طلعت عبد الله. وتنظر قوى المعارضة بريبة للنائب العام الذي صدر ضده حكم قضائي ببطلان وجوده في منصبه، بسبب بطلان عزل الرئيس مرسي للنائب العام السابق عبد المجيد محمود.

ويرى قضاة أن قانون السلطة القضائية الذي يجري الإعداد له حاليا في أروقة مجلس الشورى (التشريعي) يهدف للإطاحة بنحو ثلاثة آلاف قاض. ويخفض القانون الجديد سن التقاعد إلى 60 عاما بدلا من 70 عاما كما هو معمول به حاليا.

وتحدثت مصادر في صفوف المحامين أمس عن بدء جماعة الإخوان إعداد قائمة تضمن نحو 3200 محام ينتمون إلى جماعة الإخوان لرفعها إلى وزارة العدل في حال نفاذ القانون الجديد للسلطة القضائية. لكن نقيب المحامين سامح عاشور نفى أن تكون نقابته بصدد إعداد أية قوائم، قائلا لـ«الشرق الأوسط» أمس إن «مخاطبة وزارة العدل بشيء مثل هذا لا بد أن يمر من خلال مكتبه كنقيب للمحامين».

وأعرب عاشور وهو قطب بارز في جبهة الإنقاذ الوطني المعارضة التي يقودها الدكتور محمد البرادعي، عن رفضه وإدانته لما وصفه بـ«ترويع قضاة مصر»، قائلا: «إن النظام الحالي يسعى لبسط هيمنته على القضاة بسياسة العصا والجزرة، وها هو يستخدم العصا لترويع القضاة لكننا نثق أنهم لن يقبلوا ذلك». مؤكدا أن نقابته على اتصال بنادي القضاة وقضاة مصر جميعا.

من جانبه، وصف المستشار طارق البشري الفقيه القانوني في تصريح صحافي له، مشروع القانون مطالبات قيادات جماعة الإخوان بخفض سن تقاعد القضاة بأنه «أكبر الخطايا التي يمكن أن يرتكبها النظام الحاكم والأحزاب المؤيدة له، في حق الثورة الديمقراطية التي أراد الشعب إرساءها في 25 يناير (قبل عامين)».

وفي تعليق له على موقع التواصل الاجتماعي «تويتر» قال الدكتور محمد البرادعي منسق جبهة الإنقاذ الوطني إن «الغوغائية في فهم ومعالجة مشاكلنا ما زالت السمة الغالبة لنظام الحكم.. الثورة قامت لتحرير العقول».

وسبق لجماعة الإخوان أن دفعت بأنصارها في محيط المحكمة الدستورية العليا نهاية العام الماضي. وقال قضاة المحكمة حينها إن المتظاهرين حاولوا الاعتداء عليهم ما حال دونهم والفصل في دعويي بطلان الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور، ومجلس الشورى الذي تم تحصينه لاحقا في دستور البلاد الجديد، وأنيط به سلطة التشريع مؤقتا.