عائلة «الشقيقين المفجرين» لجأت إلى أميركا فرارا من حرب الشيشان

الوالد عمل ميكانيكيا في ماساتشوستس ثم عاد بسبب المرض.. و«المشتبه الأكبر» زار داغستان العام الماضي

أنزور تسارناييف والد الشقيقين المشتبه بهما يتحدث للصحافة من منزله في محج قلعة عاصمة داغستان الجمعة (إ.ب.أ)
TT

يراهما الأصدقاء أو الجيران مثل كثيرين من الشبان الأميركيين العاديين، من ارتدائهما قبعات البيسبول ومشيتهما المتسكعة. لكن رغم ذلك، فإن الشخصين المشتبه بهما في تفجيري بوسطن كانا لاجئين من عالم آخر تخضب بالدم والرفات والحروب القذرة في منطقة القوقاز الروسية.

كان تاميرلان تسارناييف (26 عاما) ملاكما في الوزن الثقيل أعسر، ومثل ولاية نيوإنغلاند في مسابقة القفازات الذهبية الوطنية، وقد تحدث وقتها عن رغبته في المنافسة باسم الولايات المتحدة، بينما كان شقيقه جوهر (19 عاما) بشعره المتشابك متزلجا يهوى الاستماع إلى موسيقى الراب، ويبدو عليه الهدوء خلال تواصله مع الأطفال في مدينة كمبردج بولاية ماساتشوستس.

ولقد لقي تاميرلان مصرعه خلال عملية تبادل إطلاق للنار مع الشرطة. وذكرت الشرطة مساء الجمعة أنها ألقت القبض على جوهر بعد اختبائه في قارب في فناء خلفي لأحد المنازل في مدينة ووترتاون بولاية ماساتشوستس بعد مطاردة كبيرة.

قد تخفي مظاهر حياتهما في ولاية ماساتشوستس ذكريات تحتوي على مشاعر استياء قديمة تحولت في النهاية إلى أعمال عنف إسلامية متطرفة.

انتقل الشقيقان، اللذان يعتقد أنهما وضعا عبوات ناسفة بالقرب من خط النهاية بماراثون بوسطن يوم الاثنين الماضي، إلى الولايات المتحدة عام 2002، بعد أن فرت أسرتهما الشيشانية من القوقاز. وكانت تعيش الأسرة في جمهورية قرغيزستان، وقد منعت من إعادة توطينها في الشيشان التي تجتاحها الحرب.

وخلال حديثه عن مشواره الرياضي وممارسته الملاكمة عام 2009، أخبر تاميرلان مصورا بأنه في حال عدم استقلال الشيشان، فإنه سيلعب لصالح الولايات المتحدة وليس روسيا، ولعل هذا يشير إلى أنه لم ينس المعاناة الماضية. وبدا عليه ميله المتنامي إلى النهج الإسلامي المتشدد، لا سيما أنه نشر مؤخرا مقاطع مصورة لبعض محاضرات رجل دين متشدد على «يوتيوب»؛ يمكن في أحدها سماع أصوات غناء بالعربية بالتزامن مع انفجار القنابل.

وصرحت والدته زبيدة تسارناييفا لتلفزيون «روسيا اليوم» خلال مقابلة لها في داغستان، الجمهورية الروسية المجاورة للشيشان التي تعيش فيها هي وزوجها: «بدأ اهتمام ابني تاميرلان بالإسلام السياسي منذ خمسة أعوام. وبدأ يتجه إلى الدين، لكنه لم يخبرني أبدا بأنه سوف سينضم إلى الجهاد».

ربما يكون شقيقه الأصغر المعروف باسم «جوهر» قد حذا حذو شقيقه الأكبر. وقد قال بامالا رلون، الذي عمل مشرفا للسكن الذي كان يعيش فيه جوهر بجامعة ماساتشوستس في دارتماوث: «كان جوهر يتحدث عن شقيقه جيدا. ويمكنني أن أقول إنه كان ينظر إلى شقيقه كمثل أعلى له».

ورغم توالي هجمات الإرهابيين المتحدرين من منطقة القوقاز في كل من موسكو ومناطق أخرى من روسيا، فإن هذا الصراع لم يمتد إلى بلدان أخرى. وهنا قد تكون إحدى التفسيرات المحتملة لتفجيرات بوسطن، حسبما يشير أصلان دوكييف، الخبير الروسي في شؤون القوقاز الذي يعمل في «راديو ليبرتي» في براغ، وهي أن دافع الأخوين لتنفيذ هذا الهجوم يكمن في النزعة الجهادية المتشددة، وليس الانفصالية الشيشانية.

وفي الوقت الذي خفت فيه حدة الحرب في الشيشان بعد انسحاب القوات الروسية رسميا في عام 2009، امتدت أعمال العنف إلى بعض الجمهوريات المجاورة، مثل داغستان، التي لجأت إليها أسرة تسارناييف، ويعيش بها والدا الأخوين حاليا. ويتسم الصراع الآن بالنهج الإسلامي المتشدد متمثلا في حلقة مفرغة من الهجمات والأعمال الانتقامية بين المتمردين وقوات الأمن الروسية. وزار تاميرلان داغستان خلال العام الماضي، وفقا لمسؤول مطلع على أسفاره.

وقال والد الشقيقين، أنزور تسارناييف الذي كان يتحدث إلى الصحافيين في داغستان يوم الجمعة، إن ولديه ليست لديهما دراية بالأسلحة والعبوات الناسفة، موضحا: «أعتقد أنهما تم توريطهما في هذه القضية».

وعلى صعيد آخر صرح الرئيس الشيشاني رمضان قادروف، في بيان له بأن محاولات «الربط بين ما فعله الشقيقان وما شهدته الشيشان من أحداث دامية، في حال ثبوت إدانتهما، غير مجد؛ فقد نشأ الشقيقان في الولايات المتحدة، وتشكلت آراؤهما ومعتقداتهما هناك. ولذا ينبغي البحث عن جذور ونوازع الشر لديهما في أميركا».

عاشت أسرة تسارناييف عندما كان الشقيقان صغيرين في قرغيزستان، التي كانت جمهورية تابعة للاتحاد السوفياتي بآسيا الوسطى في الماضي، وكانت موطنا لقلة من الأسر الشيشانية المشتتة، وقيل إن جوهر، الأخ الأصغر، ولد هناك، في حين ولد شقيقه الأكبر في روسيا، حسبما تؤكد بعض التقارير الإخبارية.

وقالت لجنة أمن الدولة القرغيزية القومية في بيان الجمعة، إن الأسرة عاشت في بلدة توكموك التي يبلغ تعداد سكانها نحو 55 ألف شخص، وتقع شمال قرغيزستان، بالقرب من الحدود مع كازاخستان. وقال مسؤولون في قرغيزستان إن الأسرة غادرت البلاد منذ نحو 12 عاما متوجهة إلى داغستان، ثم بعد عام من مكوثها هناك، هاجرت إلى الولايات المتحدة.

وصل أنزور تسارناييف وزوجته إلى الولايات المتحدة في أوائل عام 2002 بعد حصولهما على حق اللجوء السياسي. ولحق بهما ابناهما وابنتاهما مع عمتهم بعد فترة زمنية قصيرة. عمل الأب في تصليح السيارات؛ حيث يوضح جيري سيغل، صاحب ورشة لتصليح هياكل السيارات في بلدة سومرفيل بولاية ماساتشوستس، أن الأب عمل لديه نحو 18 شهرا، وكان ميكانيكيا ممتازا لا يتحدث سوى بعض الكلمات القليلة باللغة الإنجليزية. وأضاف سيغل قائلا: «كان أنزور رجلا قويا يعمل بجد، وقد ينزل تحت إحدى السيارات ليصلحها في منتصف فصل الشتاء، وكان ينفذ ما يطلب منه».

وقال سيغل إن أنزور تركه قبل نحو أربع سنوات ليعمل ميكانيكيا في مكان آخر، ولكن بعد ذلك عاد على روسيا بعد أن أصابه المرض، وفقا لمسؤولين آخرين.

تم تسجيل زوجة أنزور كخبيرة تجميل. وإذا عادت إلى الولايات المتحدة، فإنها قد تواجه محاكمة جنائية في مدينة ناتيك بولاية ماساتشوستس، بعد أن أكدت الشرطة أنها اعتقلت العام الماضي وهي تحاول سرقة تسعة فساتين من متجر «لورد آند تايلور» بمركز تجاري محلي.

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»