الطبيب المتهم في قضية «أطفال الإيدز»: نظام القذافي اخترع الواقعة لاستعادة المقرحي

الحجوج قال في حوار مع «الشرق الأوسط» إنه تعرض للتعذيب في السجن

TT

قال أشرف الحجوج الطبيب الفلسطيني الذي اتهمه نظام العقيد الراحل معمر القذافي، قبل سقوطه بسنوات، بالتورط مع أعضاء فريق طبي بلغاري بحقن مئات الأطفال الليبيين في مدينة بنغازي بشرق ليبيا بفيروس نقص المناعة «الإيدز»، إن نظام القذافي نفسه هو من اخترع وفبرك هذه القضية التي أثارت توترات إقليمية ومحلية واسعة النطاق.

وكشف الحجوج المقيم حاليا في هولندا في حوار مع «الشرق الأوسط» أن نظام القذافي افتعل هذه القضية عمدا لسببين، هما تأديب الشرق الليبي دائم التمرد، بالإضافة إلى استعادة المتهم الليبي عبد الباسط المقرحي من سجنه في أوروبا، بعد أن تمت إدانته بتفجير طائرة لوكيربي عام 1988.

وكانت محكمة ليبية قد أدانت عام 2006 الحجوج و5 ممرضات بلغاريات بحقن 426 طفلا ليبيا بالفيروس المسبب لمرض الإيدز، وأصدرت ضدهم أحكاما بالإعدام.

وقال الحجوج إنه تعرض خلال فترة حبسه والمحاكمة لكل أنواع التعذيب البدني والنفسي على أيدي عناصر الأمن الليبية التي كانت تتولى التحقيق معه ومع أعضاء الفريق الطبي البلغاري. وإلى أهم ما جاء في الحوار:

* كيف بدأت العمل أول مرة في ليبيا؟

- ولدت بالإسكندرية (بمصر) عام 1969، ثم انتقلت إلى ليبيا برفقة والدي عام 1972، حيث واصلت دراستي إلى التعليم الجامعي. كنت طالبا بجامعة العرب الطبية في بنغازي بمرحلة الامتياز، وعملت طبيبا متدربا، وتنقلت بين مستشفيات بنغازي بجميع التخصصات، وكنت في انتظار التخرج في بحر شهرين بفارغ الصبر لأحقق حلمي وحلم عائلتي بأن أُصبح طبيبا، عندما تم اختطافي.

* كيف تلقيت للمرة الأولى نبأ اتهامك ضمن الفريق البلغاري؟

- في ليلة 29 يناير (كانون الثاني) 1999، بعد عودتي من ترهونة (قرب طرابلس) إلي بنغازي (شرقا، حيث يعيش أهلي) حيث قضيت معهم النصف الثاني من شهر رمضان وعيد الفطر المبارك وخطبتي، تم اختطافي من بنغازي لمدة 10 أشهر كاملة انقطعت فيها عن العالم الخارجي، حيث تم نقلي إلى طرابلس مكتوف اليدين والقدمين ومعصوب العينين في صندوق السيارة الخلفي، وذلك لمسافة ألف كلم. وهناك بمقر البحث الجنائي بطرابلس انتهكت كل حقوقي القانونية والآدمية، وتمت ممارسة كل أساليب التعذيب لإجباري على الاعتراف بجريمة لا دخل لي بها من قريب أو بعيد، فبدأت قصة العذاب والألم والمعاناة، وذلك باتهامي مرة بأنني على علاقات خاصة بممرضات بلغاريات لا أعرف أسماءهن، ومرة بحقن الأطفال لإشاعة الفوضى في البلاد، ومرة بالتعامل مع الموساد الإسرائيلي والـ«سي آي إيه» لقلب نظام الحكم في ليبيا، ومرة بإجراء تجارب على الأطفال لصالح جهة ما، وهكذا، بين ليلة وضحاها، أصبحت متهما في قضية الإيدز.

* كيف تعامل معك الليبيون بالنظر لكونك فلسطينيا؟

- لم يكن أبدا الهدف من التحقيق البحث عن الحقيقة، بل طمسها، بسبب الفساد المتفشي في كل المؤسسات الليبية.. بالنسبة لي فقد مورس ضدي كل أنواع التعذيب الجسدي والنفسي دون ضمير أو رقيب. كوني فلسطينيا وعربيا جعل معذبيّ يتمادون في ظلمهم وطغيانهم أيما تمادي. لقد سلطت عليّ أبشع وأشنع أنواع التعذيب الجسدي والنفسي من ضرب وسب وحرمان من النوم واستخدام الكلاب البوليسية والكهرباء من الرأس إلى أصبع القدم، فلم تترك موقعا من جسمي إلا نهشته الكلاب وصعقته الكهرباء، كما تم حقني بمواد مخدرة بهدف غسل مخي كي أرضخ لهم، ناهيك عن تهديدي المستمر إما باغتصابي بواسطة الكلاب أو باغتصاب أحد أخواتي أمام عيوني. وقاموا بانتهاك كرامتي ونفذوا تهديدهم القذر قذارة تمنيت وقتها الموت بدل أن أعذب بتلك الطريقة، ولا تزال آثار التعذيب ظاهرة على جسدي بعد مرور 13 عاما على اعتقالي.

* هل كانت الاتهامات مكيدة لك؟

- بالطبع، كانت كل التهم كيدية وليس لها أي أساس من الصحة أو المصداقية، اللهم إلا في مخيلات البوليس المريضة ومن علي شاكلتهم وهم للأسف كثر. لم يكن الهدف من التحقيق البحث عن الحقيقة، بل طمسها، ولكي تُستخدم القضية سياسيا فيما بعد. القضية افتعلت قصدا من قبل الطاغية (القذافي) لهدفين أولهما داخلي وهو عقاب وإيلام الشرق الليبي دائم التمرد، وثانيهما خارجي، وهو إرجاع عبد الباسط المقرحي الذي تمت إدانته بتفجير طائرة «البانام»، وهذا ما تم فعلا عندما وقع توني بلير اتفاقية تبادل السجناء مع القذافي في شهر مايو (أيار) 2007 قبل تحريرنا، وما تم لاحقا من الإفراج عن المقرحي بعد أن تم التعتيم إعلاميا على قضيتنا.

* ولماذا في تقديرك كانت المكيدة أساسا؟

- لأني مثل أي طبيب متدرب ليس لدي أي تفاصيل ولا معرفة كيف ومتى انتشر المرض، اللهم إلا يقيني ببراءتي الكاملة، وأنه لا علاقة لي بما حدث، وأن ما روج في وسائل الإعلام عن وجود الإيدز فقط بالمصابين ليس إلا جزءا من الحقيقة المرة، لأن ما تتحدث عنه التقارير العلمية والطبية الليبية والدولية بملف القضية هو أن هناك تفشي عدوى لثلاثة فيروسات نقص المناعة المكتسب والتهاب الكبد البائي والجيمي الوبائي. والقذافي قبلنا وبعدنا اختطف مواطنين أوروبيين، وكان الهدف بالدرجة الأولى ابتزاز الغرب لمصالحه الشخصية، ولذر الرماد في العيون عن جرائمه، ولكن لأن لهم دولا، تم إطلاق سراحهم، كاختطاف السياح الألمان والإيطاليين ثم السويسريين. لقد كان القذافي بمحاولاته هذه دائم البحث عن كبش فداء ليبتز العالم ويغطي على جرائمه، وكان قدرنا أن يقايض بنا للإفراج عن المقرحي.

* لكن هل يعقل أن يفبرك نظام القذافي قضية الإيدز لمئات الأطفال؟

- النظام الذي شنق معارضيه في الأشهر الحرم، وأعدم 1200 سجين سياسي في دقائق، وفجّر طائرة الركاب الليبية والفرنسية و«البانام» الأميركية، واغتال الإمام الشيعي موسي الصدر ومنصور الكيخيا. نعم، نظام القذافي هو المسؤول اول والأخير عما حصل.

* هل من أدلة قاطعة لديكم على هذه الفبركة؟

- أعتقد أنك لم تأخذ بعين الاعتبار أن ثلثي الأطفال مصابون أيضا بالتهاب الكبد الوبائي (B & C)، ثم هناك حالات مسجلة ولدت خلال فترة السجن، وأيضا بعد تحريرنا.

* لماذا لم تنجح السلطة الفلسطينية في دعمك على الرغم من علاقاتها الطيبة آنذاك بنظام القذافي؟

- لأن الجميع للأسف تملق الطاغية، وما كان يخيفه بكل تأكيد ليس العرب، بل أن يحدث له ما حدث لصدام حسين، وقد رأينا جميعا نهايته التي كانت عبرة لمن يعتبر. نعم، أعلم عن محاولات خجولة ومتواضعة اصطنعت لكي تظهر بعض الأسماء على الساحة، بعد أن منحت الجنسية البلغارية في يونيو (حزيران) 2007، أي قبل تحريري بشهر.

* هل تعلم عن محاولات تمت لاستعادتك من ليبيا؟

- لم يكن هناك أي محاولات عدا محاولات الاتحاد الأوروبي التي كانت تتم بفضل الله، ومن ثم بفضل تحركات والدي الذي ما انفك يطرق الأبواب أملا في استرجاعي دون عون أو سند من أحد غير الله (عز وجل).

* كيف كانت أحوال الفريق البلغاري خلال المحاكمة؟

- الجميع كان تحت ضغط نفسي كبير، بحجم الأكاذيب التي ساقها البوليس الليبي، إلا أنهم كانوا متمسكين ببراءتهم، ويفرحون بكل محاولة للسؤال عنهم.

* كيف أمضيت فترة السجن؟

- أمضيتها بكل ألم وعناء؛ مرت علي سنين عجاف من القهر والظلم والذل والحرمان، ولكن أبدا لم ينقطع أملي في أن الله (عز وجل) سيساعدني، لأنه عليم ببراءتي الكاملة من هذه القضية.

* في تقديرك، من دبر قصة حقن الأطفال بالإيدز في ليبيا؟

- التقارير العلمية الدولية تؤكد أن سبب الإصابة كان بتفشي عدوى المستشفيات، وأن عمر الفيروس الجيني يؤكد أن الإصابة تمت قبل عام 1998، أما مَن المسؤول عن هذه الجريمة فهو القذافي، لا مجال للشك، وأعوانه الذين ما زالوا يتكتمون على الحقيقة.

* كيف نظرت إلى التسوية التي تم الاتفاق عليها قبل سقوط نظام القذافي؟

- على الرغم من أنها حفظت علينا حياتنا وأعادتنا سالمين إلى أهلنا، فإن مرارة الإجحاف في كوننا لم نستعد براءتنا، وعدم كشف الحقيقة أمام الرأي العام الليبي خاصة، والعربي عامة، وعلى الرغم من أنه تم إجبارنا على التوقيع على عدم ملاحقة النظام، فإنني لم أتوانَ عن مواجهة النظام بكل ما أوتيت من قوة أمام المحاكم الدولية والأمم المتحدة، ولن أتوقف حتى تعود براءتنا. وأسأل الله تعالي أن يكشف الحقيقة. وإني أُشهِد الله العظيم وهو خير الشاهدين أني بريء مما يفترون، وأحمده أن نصرني بعد ظلم، وأخرجني سالما، وأنه أذل من ظلمني على رؤوس الأشهاد، والعاقبة للمتقين.