أمين عام مؤتمر الحوار الوطني في اليمن: «هيكلة الجيش» ضمنت تنفيذ قرارات الحوار

ابن مبارك في حوار مع «الشرق الأوسط» : لا توجد طبخات جاهزة ولا نية لتمديد الأعمال

TT

قال أحمد عوض بن مبارك أمين عام مؤتمر الحوار الوطني في اليمن إن المعايير التي يمكن على ضوئها تقييم سير عمل المؤتمر تشير إلى مؤشرات إيجابية حتى الآن، وذكر ابن مبارك أن مستوى المشاركة في الحوار يشير إلى رغبة في حل الإشكالات، وأكد أنه تمت التوصية بتشكيل فريق للتواصل مع الأطراف التي لا تزال ترفض المشاركة في الحوار، لأن الباب (حسب قوله) لا يزال مفتوحا أمام جميع الراغبين بالانضمام إلى المؤتمر، وأشار ابن مبارك إلى أن هناك كثيرا من التحديات أمام المؤتمر ذكر أن القضية الجنوبية تأتي في مقدمتها.

وكشف المسؤول اليمني عن الآليات التي على ضوئها يتم اتخاذ القرار ضمن أعمال المؤتمر، مؤكدا أن التوافق هو الآلية الأعلى للتوصل إلى القرار، نافيا أن تكون هناك أي «طبخات جاهزة» لنتائج مؤتمر الحوار.

وأكد أن النتائج يصنعها أعضاء المؤتمر أنفسهم دون تدخل من أحد سوى باستشارة إن لزم الأمر، كما نفى وجود أي «فيتو» أميركي على مشاركة الشيخ عبد المجيد الزنداني في الحوار، حسبما تردد قبيل انعقاد المؤتمر.. وهنا تفاصيل الحوار:

* كيف يسير مؤتمر الحوار الوطني حسب رأيك؟

- كي نقيم سير عمل المؤتمر، فإننا لا بد أن نشير إلى 4 معايير يمكن من خلالها الحكم على سير عمله، وهي الشمول والمشاركة والشفافية والنتائج الملموسة. ومن ناحية الشمول، هناك شمول لأغلب القضايا الرئيسة والأخرى الفرعية، لمناقشتها وإيجاد صيغ معينة على أساسها تكون حلول هذه القضايا داخلة في صياغة الدستور، ويندرج ضمن مصطلح الشمول انفتاح المؤتمر على كل الحلول الممكنة للقضايا المختلفة، وعلى سبيل المثال، فإن القضية الجنوبية طرح لها في المؤتمر حلول شتى، وقد سمعنا أصحاب طرح فك الارتباط، والآخرين الذين ينادون بالفيدرالية وغيرها من الحلول، وهذا يدخل ضمن معيار الشمول لتقييم مدى نجاح المؤتمر، ومن ناحية المشاركة، فإن الأطراف الرئيسة الفاعلة حاضرة وممثلة في المؤتمر، كما أن الأحزاب الصغيرة موجودة كذلك، وهناك من تحفظ ثم عاد وطلب المشاركة، كما أن هناك أطرافا فاعلة في الحراك الجنوبي وخارجه حضرت لتمثيل القضية الجنوبية، وبالنسبة للشفافية، فإن جلسات الحوار في دورته الأولى كانت مفتوحة لشتى التغطيات الإعلامية، ونقلت على الهواء كما رأيت، وبالنسبة للدورة الثانية التي بدأت هذا الأسبوع فإننا حاولنا المزج بين الشفافية والمسؤولية، لأن فتح الأمر لوسائل الإعلام بشكل كلي قد يؤثر على سير أعمال المؤتمر عند بحث بعض القضايا، حيث إن أفكارا كثيرة عندما تتعرض لها وسائل الإعلام فإنها تؤثر على سير حلولها، ومع ذلك فقد تركنا الأمر لفرق العمل لتقرر الكيفية التي يتم بها التعامل مع الإعلام في هذه المرحلة، وبالنسبة للنتائج الملموسة، فعلى الرغم من أنه من المبكر الحكم على نتائج المؤتمر في هذه المرحلة، فإن المؤشرات تشير إلى القدرة على تحقيق نتائج ملموسة. وهناك نقطة كانت محل قلق البعض، وهي مدى التزام الأطراف الفاعلة في الساحة بنتائج الحوار، غير أن هذا القلق قد بدأ في التلاشي، خاصة بعد اتخاذ عدد من القرارات المهمة على مستوى إعادة هيكلة القوات المسلحة والأمن، التي تمهد الأرضية لوجود الدولة الضامنة، وعليه، فإنني أقيم المؤتمر من خلال هذه المؤشرات التي ذكرت لك، وأعتقد أنه يسير في الاتجاه الصحيح.

* ما هذا الاتجاه؟

- الاتجاه الذي يجعل اليمنيين يتفقون على نتائج واقعية ملموسة قابلة للتطبيق، واليمنيون دائما عندما يجتمعون فإنهم يصلون إلى نتائج طيبة. ولو تصورت بعض المواقف المتشددة جهة الحوار لدى بعض أطراف الحراك الجنوبي، لما تصورت أن هذه الأطراف يمكن أن تحضر الحوار، ومع ذلك فقد حضرت، وهي اليوم تنظر بإيجابية إلى الحوار ومستوى الجدية في أدائه.

* لا توجد تحديات إذن؟

- لا، على العكس، التحديات موجودة، وأهمها القضية الجنوبية وقضية صعدة، ففي الجنوب على سبيل المثال هناك استحقاقات سياسية وحقوقية، تشكل تحديا يندرج ضمن تحدي توزيع السلطة والثروة الذي يشكل أحد التحديات من ناحية أن القوى النافذة لن تتنازل بسهولة فيما يخص هذا الاستحقاق، وهناك تحدي مشكلة صعدة التي لم يحسم أمر رئاسة فريق عملها حتى اللحظة. إذا كانت الصعوبة بهذا الحد فيما يخص رئاسة فريق عمل، فلك أن تتصور مدى الصعوبة على مستوى الحل، وهناك تحديات على مستوى لجنة صياغة الدستور، وما يمكن أن يصاحب ذلك من استقطابات. التحديات موجودة، غير أن التفاؤل بتجاوزها موجود أيضا.

* هل لك أن تعطينا فكرة عن آلية اتخاذ القرار في مؤتمر الحوار الوطني؟

- هذا المؤتمر هو الأول من نوعه في اليمن على المستوى الفني والموضوعي، وقد تمت بعض المؤتمرات قبل ذلك، غير أن الاستعداد لها لم يكن بالشكل المطلوب مع وجود النوايا الحسنة، غير أن مستوى الإعداد لهذا المؤتمر كان على درجة عالية، وقد استمرت جهود الإعداد ما يزيد على 8 شهور من خلال اللجنة الفنية للحوار الوطني التي أفضت إلى انعقاد المؤتمر. والآلية الرئيسة في اتخاذ القرار هي التوافق ضمن مبدأ «لا غالب ولا مغلوب»، وذلك بتوافق 90 في المائة من قوام أعضاء الحوار على القرار المتخذ، فإن لم يتم التوافق، تتدخل لجنة التوفيق المكونة من رؤساء الفرق، وهي الرئاسة، بالإضافة إلى آخرين يعينهم رئيس الجمهورية. وإذا لم يتم التوافق، يرجع القرار إلى الفريق مرة أخرى، ويخضع للتصويت، فإذا حصل على نسبة 75 في المائة يُنفّذ، وإن لم يحدث ذلك، فإنه يرفع لرئيس الجمهورية الذي يتدخل لا ليتخذ القرار، ولكن للتقريب بين وجهات النظر والاستماع والتقدم بمقترح مكتوب لتحقيق التوافق بعد التشاور مع البقية. ومع ذلك، فإن أي مكون سياسي له نسبة 5% من الأعضاء يكون له حق تعطيل أي قرار لا يوافق عليه، وهذا يظهر مدى الحاجة إلى التوافق.

* هل استفدتم من تجارب أخرى في هذا الخصوص.. هناك من يتحدث عن نموذج جنوب أفريقيا؟

- نحن لم نأخذ تجربة جاهزة من أي نموذج أو دولة، مع أننا استفدنا من تجارب أخرى، واستمعنا إلى كثير من الخبرات التي قدمها خبراء من الأمم المتحدة ومن بريطانيا واليونان وغيرهما من الدول، كما تم استعراض كثير من التجارب من دول مثل جنوب أفريقيا، غير أننا لم نأخذ بتجربة جاهزة، وإنما وصلنا إلى تجربة يمنية بعد الاستفادة من تجارب الآخرين. وتوصلنا إلى صياغة مفهوم أدلة النقاش التي تحدد مسارات النقاش ضمن آليات الحوار بعد يمننة كثير من المفاهيم.

* ماذا عن الأطراف التي لم تشارك حتى الآن في الحوار الوطني؟

- الآلية التنفيذية حددت الأطراف المشاركة في الحوار، وهي مشاركة جميعها، وهي «المؤتمر» وحلفاؤه و«المشترك» وشركاؤه (عدا حزب البعث العربي الاشتراكي، فرع سوريا، الذي اعترض على عدد المقاعد الـ4 المخصصة له، غير أنه عاد وطلب المشاركة، والآن يبحث في كيفية عودته بعد أن وزعت المقاعد المخصصة لأعضائه على قائمة رئيس الجمهورية) والحوثيون والمرأة والشباب ومنظمات المجتمع المدني والحراك بتشكيلاته المختلفة، مثل مؤتمر شعب الجنوب وتكتل الجنوبيين المستقلين وشخصيات أخرى جاءت بشكل مستقل، مثل ناصر الطويل رئيس جمعية المتقاعدين العسكريين. ومع ذلك، فهناك من لم يشارك، والأخ رئيس الجمهورية ذكر أن الباب مفتوح، والبيان الختامي للجولة الأولى أشار إلى تشكيل لجان تواصل مع الذين لم يشاركوا بعد.

* هناك تهم لبعض الأعضاء في مؤتمر الحوار بأنهم ضالعون في قتل شباب الثورة.. كيف تسنى لمثلهم المشاركة في الحوار الوطني؟

- في النظام الداخلي هناك نص على أن من تثبت ضدهم دعاوى ذات مصداقية عالية بانتهاكات، فإنهم يُحرمون من المشاركة في الحوار، والأحزاب السياسية تعي ذلك عند تقديمها لأسماء، ولو تصورنا أن أحد الأعضاء ثبت عليه ذلك، فسوف تُطبق عليه اللائحة، غير أن الأحزاب لم تُثِر بشكل جدي قضايا ضد أي من الأعضاء حتى الآن. وفوق كل ذلك، فإن هدف بناء الدولة المدنية الحديثة الذي يتوخاه هذا المؤتمر يعد ثمرة لدماء الشهداء، بغض النظر عن بعض التفاصيل الصغيرة التي لا تؤثر على سير أعمال المؤتمر.

* هناك من يتحدث عن «فيتو» أميركي على مشاركة الشيخ عبد المجيد الزنداني في مؤتمر الحوار الوطني.. لماذا تم منع الزنداني من المشاركة؟

- أنا كنت مقرر اللجنة الفنية للحوار، والآن أمين عام المؤتمر، ولا علم لي إطلاقا بما تفضلت بذكره عن منع الشيخ عبد المجيد الزنداني من الحوار، أو عن «فيتو» أميركي على مشاركته، أو أن اسمه طرح ثم اعترض عليه، ومع ذلك، فالزنداني مشارك عبر حزبه (التجمع اليمني للإصلاح).

* هناك أحاديث داخل وخارج مؤتمر الحوار الوطني عن أن هذا المؤتمر مجرد ديكور، وأن النتائج معدة سلفا وفقا لطبخات جاهزة. هل جئتم بكل هذا العدد من الأعضاء لذر الرماد في العيون؟

- أتمنى لو كانت هناك طبخات جاهزة، إذن لحل كثير من الإشكالات، لكن الواقع أنه ليست هناك طبخات بين المكونات السياسية المختلفة، بل هناك تباين في الرؤى والأفكار. فعلى سبيل المثال هناك تصورات مختلفة لحل القضية الجنوبية، فالحزب الاشتراكي اليمني مثلا يرى حلها في الفيدرالية، وهناك تصورات أخرى لكنها لم تقدم كمشاريع، وهناك تصور وثيقة الإنقاذ الوطني الذي تبنته أحزاب اللقاء المشترك. وهناك مشاريع أخرى لقضايا أخرى كلها متباينة، مما ينفي صفة الطبخات الجاهزة.

* لكن هذه الطبخات الجاهزة قامت بطباختها أطراف خارجية، حسب بعض المشككين، أليس كذلك؟

- لا، غير صحيح، وهذه تهم ليست جديدة علينا، فقد تم اتهام اللجنة الفنية للحوار بأنها طبخة خارجية، ونحن نقول إننا نستفيد من الخبرات الأجنبية، غير أننا نقدم طبختنا اليمنية الخالصة. ثم لنفترض أن هناك طبخات، أليست نتائج المؤتمر ستتبلور في الدستور الجديد، والذي سيعود إلى الشعب للاستفتاء عليه بالقبول أو الرفض؟ لا صحة إطلاقا لهذه التهم التي تأتي ضمن دعاوى التشكيك في مصداقية وجدية الحوار الوطني اليمني، من قبل أطراف ربما تريد أن تتذرع لعدم حضور الحوار بمثل هذه التهم.

* يُلحظ أن الأعمال المراد إنجازها ضمن مؤتمر الحوار كثيرة، والمدة الزمنية محدودة؛ هل هناك نية لتمديد فترة الحوار الوطني في اليمن؟

- هناك صعوبات وقيود زمنية، لكن لو تم التوافق على حل القضية الجنوبية وشكل الدولة، فسوف تكون بقية المهام أيسر. وهناك أيضا صعوبات خارج إطار المؤتمر تتمثل في السجل الانتخابي. وفي تصوري أنه من المهم الالتزام بالجداول الزمنية، والقيام بالمهام وفقا للوقت المحدد، ونحن هنا ينبغي أن نركز على العمل الجاد، والكف عن مخاطبة عواطف الجماهير، والتركيز على تشخيص العلل ومعالجتها دون الاكتفاء بالمهدئات التي لا تعالج الأسباب الحقيقية للعلة.

* هناك شكاوى من المغتربين اليمنيين بأن قضاياهم غير مدرجة في أجندة الحوار الوطني؛ لماذا تم تجاهل قضية المغتربين على الرغم من العدد الكبير لهم في دول المهاجر المختلفة؟

- أولا هناك ممثلون للمغتربين في مؤتمر الحوار الوطني، وحسب علمي فإن ممثليهم يصلون إلى 7، ووزير المغتربين عضو في الحوار الوطني بصفته وزيرا للمغتربين, ومع ذلك فالمهم لدينا هو حضور القضايا بغض النظر عن الأشخاص، وقضية المغتربين حاضرة في فريقين من فرق العمل، هما فريق عمل الحقوق والحريات، وفريق عمل قضايا خاصة. وفوق هذا، هناك في موقع المؤتمر الإلكتروني ركن «شارك برأيك»، يمكن المغتربين وغيرهم من المشاركة بالرأي في كل القضايا المطروحة للنقاش، ونحن في الأمانة العامة نتسلم المشاركات ونحلل ونقوم بتسليمها للجان المختصة للنظر فيها.

* ما توقعاتك لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني؟

- ليس من مسؤوليتي تحديد مسارات الحوار، وتحديد مخرجاته، والجانب الموضوعي للحوار هو مسؤولية الأعضاء، لكني أعتقد أن اليمنيين يسيرون في الاتجاه الصحيح كما ذكرت لك، وذلك بالتوفيق بين الإرادتين الداخلية والخارجية، كما أنهم استطاعوا أن يخطوا طريقا آمنا للانتقال السلمي للسلطة، تحت عنوان كبير، هو التغيير الذي من المؤمل أن يكفل لهم حياة حرة وكريمة وآمنة ومستقرة بالاعتماد على مواردهم الطبيعية التي لو أحسنوا استغلالها لوجدوا أنهم أغنياء بها.

* هل الوحدة اليمنية في خطر؟

- في رأيي أن المقدس هو الإنسان وضمان حريته وكرامته، وما عدا ذلك مجرد وسيلة للوصول إلى هدف تحقيق حرية الإنسان وكرامته. ومع ذلك فإن ما يتوافق عليه اليمنيون سيكون شيئا طيبا وإيجابيا، ونحن سنحمي الوحدة إذا عززنا ما يحميها دون العودة إلى الخطاب الماضي الذي نفّر الكثيرين، وغيّر نظرتهم عن الوحدة اليمنية.

* هل أنت متفائل؟

- نعم، بشكل كبير, وخاصة بعد قرارات الرئيس هادي الأخيرة الخاصة باستكمال هيكلة الجيش التي تشكل الضمانة الحقيقية لتنفيذ مقررات مؤتمر الحوار الوطني الشامل.