تطبيق حد شرب الخمر يثير عاصفة من الجدل

مصدر قضائي: استند لمواد في الدستور الجديد دون نص في القانون

TT

أثار أول قرار من نوعه في مصر بتطبيق حد شرب الخمر، وهو 80 جلدة، عاصفة من الجدل في البلاد البالغ عدد سكانها نحو 85 مليون نسمة بينهم من 10 إلى 15 في المائة مسيحيون. وقال مصدر قضائي لـ«الشرق الأوسط» إن القرار الذي أوقف تنفيذه بحق مواطن من جنوب القاهرة استند على ما يبدو لمواد في الدستور الجديد، دون وجود نص في القانون حتى الآن يحدد دور «المجتمع» في إلزام الآخرين بـ«الطابع الأصيل للأسرة المصرية».

وتحول بطل قصة الجلد، وهو شاب يدعى محمد رجب، إلى نجم في برامج الدردشة التلفزيونية ومواقع الإنترنت. وصدر قرار بجلده في أول محاولة لتطبيق حد شرب الخمر بعد سقوط النظام السابق. وقال رجب وهو يشرح الواقعة لوسائل إعلام محلية إنه شرب بالفعل كأسا من البيرة أثناء حضوره حفل زفاف ليلا مجاملة لصاحب الحفل، وإنه استقل سيارة أجرة للعودة إلى منزله قبل أن يتم القبض عليه للاشتباه في أنه «سكران».

ورغم تغير الزمن وصعود التيار الإسلامي إلى الحكم في مصر، فإن العديد من حفلات الزفاف في المناطق الشعبية ما زالت تحتفظ بعاداتها التي توارثتها عبر عشرات السنين.. البيرة والحشيش والمَزّة تنتشر على الموائد، والمطرب الشعبي يشدو بكلمات عن الغرام وسوء الحظ، ومن خلفه ترتجل جوقة موسيقية ما تشاء من الألحان القديمة، مثل: «هل رأى الحب سكارى»، و«طالعة السلالم يا ما شاء الله عليها».

ينتهي الحفل بعد منتصف الليل، ويعود كل إلى بيته، كما فعل رجب الذي يعيش في قريته بمركز مطاي بمحافظة المنيا جنوب القاهرة، لكن لسوء حظه أن الشرطي شم رائحة البيرة في فمه، فأحاله إلى النيابة التي أرسلته إلى المستشفى لعمل «تحليل سُكْر». وفجأة تحول الشاب الذي يعمل مفتشا موسيقيا مؤقتا، إلى مادة خصبة لبرامج الدردشة ومواقع التواصل الاجتماعي بعد أن أمر وكيل نيابة «مطاي» بجلده تطبيقا لحد شرب الخمر، وهو إجراء غير موجود في القانون المصري.

ويقول حسين عبد المجيد المسؤول في المركز الاجتماعي لتأهيل المدمنين جنوب القاهرة: «قد يعتقد من يشاهد عرسا من الأعراس الشعبية أن جميع المصريين مدمنون على البيرة والحشيش، وهو أمر غير صحيح، لأنه بانتهاء الزفاف ينتهي كل شيء، إلى أن تحل مناسبة أخرى بعد أشهر أو بعد عام أو أكثر. هذا يمكن أن تراه أيضا في روايات نجيب محفوظ وفي أفلام السينما عن الحارة المصرية قديما وحديثا، مثل فيلم (الفرح)».

وعلى الرغم من أن الحكومة الإسلامية قامت منذ توليها السلطة العام الماضي بزيادة الضرائب على الخمور، من أجل زيادة إيرادات الدولة التي تعاني من مشكلات اقتصادية، فإن عبد المجيد يضيف قائلا إنه منذ صعود التيار الإسلامي للحكم في الدولة التي يعتمد جانب كبير من دخلها القومي على السياحة الأجنبية، كثر الحديث عن الرغبة في تجريم تصنيع وتجارة الخمور، والتفكير في حظر بيعها بالمنطقة الحرة في مطار القاهرة الدولي، إلى جانب توجه من بعض رجال الأعمال الإسلاميين لشراء نواد ليلية تبيع المشروبات الروحية، خاصة في شارع الهرم الشهير.

وقال رجب الذي يعمل مفتشا في لجنة نقابة المهن الموسيقية (فرع محافظة المنيا) إن صاحب العرس ألح عليه لشرب كأس من البيرة كنوع من مشاركة أهل الزفاف أفراحهم، وإنه لم يكن يظن أن الأمور ستتطور إلى هذا الحد الذي يجعل النائب العام، المستشار طلعت عبد الله، يتدخل سريعا لمعرفة ملابسات القضية التي خيمت على مناقشات المصريين، رغم ما يعيشونه من اضطراب سياسي وتدهور اقتصادي وانفلات أمني.

وأصدر اتحاد شباب حزب المؤتمر الليبرالي في المنيا بيانا استنكر فيه قرار جلد رجب، قائلا إنه «غير قانوني» وإن النيابة «جهة تحقيق وليست جهة إصدار أحكام»، كما أنه «لا يوجد نص في قانون العقوبات يعاقب شارب الخمر بالجلد».

من جانبه، أمر المستشار عبد الله بإلغاء انتداب وكيل النيابة الذي أصدر قرار الجلد قبل أن يبدأ تنفيذه، حيث تقرر إخلاء سبيل المتهم رجب. وكان وكيل النيابة كلف مركز الشرطة المحلي بجلد الرجل 80 جلدة تطبيقا للشريعة الإسلامية. وعبَّر مركز الحريات والحصانات لحقوق الإنسان بمحافظة المنيا عن دهشته من قرار وكيل النيابة، وقال محمد الحمبولي، رئيس المركز إنه لا يوجد في قانون العقوبات المصري مثل هذه العقوبة.

وجاء نص قرار وكيل نيابة «مطاي» أن إصداره أمر الجلد بحق المتهم يستند إلى ما ورد بالقرآن والشريعة الإسلامية من اعتبار حد شرب الخمر 80 جلدة. وتوجد في البلاد مصانع خمور يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 100 سنة. وتقدم الخمور في الفنادق الكبرى والبارات وبعض المطاعم.

وينص الدستور المصري على أن الإسلام دين الدولة، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع. ولا يجرم القانون تجارة الخمور، لكنه يحظر شرب الخمر في الطريق علانية، ويوقع عقوبات تصل للحبس والغرامة المالية على من يثبت أنه في حالة سكر في الطريق العام.

لكن مصادر قضائية أشارت إلى أن وكيل نيابة «مطاي» الذي أصدر قرار الجلد يبدو أنه اعتمد على نصوص دستورية استحدثها الحكام الإسلاميون الجدد الذين أشرفوا على صياغة الدستور الجديد العام الماضي، مشيرا إلى أن النص الجديد ورد في المادة «10» التي تشير إلى أن «الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية. وتحرص الدولة والمجتمع على الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية، وعلى تماسكها واستقرارها، وترسيخ قيمها الأخلاقية وحمايتها».

وتابع المصدر القضائي قائلا إنه حتى لو رأى وكيل النيابة أنه استند في قراره على هذه المادة المستحدثة في الدستور، فإنه يلزمها نص قانوني ينظم عملية التطبيق، وهذا غير موجود، وربما سيقوم المجلس التشريعي بتحديد كيف يمكن لـ«المجتمع» أن يطبق على الأفراد «الالتزام بالطابع الأصيل للأسرة المصرية»، وأي جهة في المجتمع بالتحديد ستقوم بذلك، وكيف يمكن تعريف هذا «الطابع الأصيل» المشار إليه في الدستور.

وتضمن الدستور الجديد أيضا تعريفا غير مسبوق لـ«مبادئ الشريعة الإسلامية»، وقال إنها «تشمل أدلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة في مذاهب أهل السنة والجماعة». وتابع المصدر القضائي قائلا إن المستشار عبد الله أمر أيضا بمقارنة حكم الجلد الذي أصدره وكيل نيابة «مطاي» بنصوص القانون المصري، خاصة قانون العقوبات.