الأسد يخوض معركة القصير وفق التوقيت الروسي ـ الإيراني

الحر يهدد برد «نوعي ومزلزل» خلال 10 أيام ينقل الحرب إلى منعطف جديد

TT

يكاد عامل التوقيت في معركة «القصير» في سوريا التي تدور رحاها حاليا على مقربة من الحدود اللبنانية يتفوق على عامل الجغرافيا، مع أن الموقع الاستراتيجي للمنطقة يكاد لا يقل أهمية لما لها من أهمية استراتيجية لطرفي المعركة السورية، مضافا إليهما حزب الله اللبناني الذي بات على مشارف الإعلان الرسمي عن خوضه المعركة مباشرة بدلا من تعبير «اللبنانيين المقيمين في سوريا» الذي استخدمه قبل أشهر الأمين العام للحزب حسن نصر الله.

فمعركة القصير اندلعت بالتزامن مع انعقاد مؤتمر أصدقاء سوريا في إسطنبول، الذي تزامن مع انتقادات واسعة عبرت عنها إيران وروسيا التي قال وزير خارجيتها إن هذا المؤتمر «يصب الزيت على النار» في الحرب السورية. وأتى الهجوم الذي شنه الجيش النظامي السوري مدعوما بحزب الله في توقيت أشبه بالرد المباشر من الروس والإيرانيين على «أصدقاء سوريا» في سعي للإمساك بزمام المبادرة، وهو ما جعل الرئيس السوري بشار الأسد يقول صراحة خلال لقائه وفدا لبنانيا إن قواته تخوض «معركة أساسية» في القصير، مضيفا: «ونريد أن ننهيها مهما كان الثمن». وفي هذا الكلام إشارة مباشرة إلى ضوء أخضر روسي لخوض المعركة للاستفادة منها في مفاوضات متوقعة مع الغرب حول الملف السوري.

أما النائب في مجلس الشعب السوري زهير غنوم فقد ذهب إلى القول إن معركة القصير «هي معركة أساسية ليس لسوريا فقط بل للبنان أيضا». ويشرح النائب السوري أن «الجماعات الإرهابية تستغل منطقة القصير لتهريب السلاح إلى سوريا»، معتبرا أن ذلك يؤكد أهمية المعارك التي يخوضها الجيش السوري في هذه المنطقة ضد الجماعات المسلحة. وقال غنوم إن هنالك «نقطة استراتيجية أخرى وهي بلدة نبع التنور التي تغذي حمص وحماه، وإن جبهة النصرة استقرت في هذه المنطقة منذ بداية وجودها في الأراضي السورية».

وتعتبر منطقة القصير – نظريا - جزءا أساسيا من «الدويلة العلوية» التي يقول البعض إن النظام يسعى إلى إقامتها في حال سقطت العاصمة دمشق، ولا يمكن إبعاد هذه المعركة عن معركة حمص التي خاضها النظام بشراسة لتأمين الطريق بين دمشق والساحل السوري الذي يشعر فيه أنه مرتاح، وهذا الساحل هو نقطة الإمداد الرئيسية للنظام لاحتوائه على ميناءين، جوي وبحري ما يزالان بعيدين عن قذائف المعارضة حتى الساعة. ويبدو أن النظام يحاول أن يبقي هذا الخط مفتوحا من دون «مشاغبات» هذه المنطقة، رغم أنه تركها بمنأى عن هجماته الشرسة منذ تحرك جبهتها العام الماضي.

وفي ظل الخطر الذي يواجه الإمداد إلى مطار العاصمة، يعتبر الساحل السوري ممرا إلزاميا للمؤن والذخائر المقبلة إلى دمشق. ويعتبر الخبير العسكري اللبناني العميد المتقاعد هشام جابر، أن «منطقة القصير لم تكن أولوية بالنسبة للجيش النظامي بسبب المعارك التي كان يخوضها في العاصمة وريفها ما دفع المعارضة المسلحة إلى استغلال هذه الثغرة وإحكام قبضتها منذ ما يقارب الـ6 أشهر على المنطقة»، وأكد جابر لـ«الشرق الأوسط» أن «النظام بعد أن شعر أنه مرتاح في معاركه داخل بقية المناطق اتجه إلى القصير ليخوض اشتباكات عنيفة ضد كتائب المعارضة المتمركزة هناك». وأشار إلى أن «منطقة القصير تملك أهمية استراتيجية كبيرة لأنها قاعدة الانطلاق إلى حمص بالنسبة لطرفي الصراع»، موضحا أن «النظام السوري يسعى إلى الحفاظ على طريق دمشق الساحل مرورا بحمص وكذلك طريق دمشق الساحل مرورا بحلب أما طريق القصير فلا يخرج عن هذه الاستراتيجية، هذا بالإضافة إلى أن الذي يسيطر على ريف حمص الجنوبي يستطيع قطع الإمدادات اللوجستية الآتية من لبنان على خصمه».

وبدوره، رأى نائب رئيس أركان الجيش السوري الحر العميد عارف الحمود، أن «منطقة القصير شاركت بالثورة منذ بدايتها ما دفع القرى المجاورة لها التي يقطنها علويون وشيعة إلى اتخاذ موقف سلبي من الحراك المناهض للنظام والتحول إلى شبيحة يعملون على قمع المظاهرات السلمية». ويضيف الحمود أن هذا الواقع زاد إصرار المعارضة على التمسك بهذه المنطقة بوصفها معقلا للثورة.

وعن أهميتها الاستراتيجية قال إن «القصير منطقة حدودية ومعظم المناطق الحدودية لها أهمية بالنسبة للمعارضة لتأمين الدعم اللوجستي والعسكري». ويؤكد أن «الحدود اللبنانية تعتبر متنفسا للجيش الحر بعد الحدود التركية في ظل موقف العراق الداعم لنظام الأسد». ويوضح الحمود أن «منطقة القصير تفصل حمص عن منطقة الساحل السوري التي يسعى النظام إلى استخدامها كقاعدة له في حال سقوطه ما يجعل الأولوية عندنا هي قطع هذا الطريق عبر المقاتلة في القصير حتى آخر عنصر في الجيش الحر». وفي المقابل تريد المعارضة السورية إبقاء وجودها في هذه المنطقة لأنها ستكون رأس الحربة في أي معركة مقبلة مع النظام في عمقه الاستراتيجي، أي في الساحل السوري ذي الغالبية العلوية - المسيحية. وحذر مصدر قيادي بارز في المعارضة من أنها لن تسكت عن استهداف المنطقة، ملوحة برد «نوعي وقاس» على الهجوم الذي يشنه الجيش النظامي وحزب الله في هذه المنطقة، مؤكدة لـ«الشرق الأوسط» أن هذا الرد سيظهر «خلال 10 أيام وسوف يكون تأثيره مزلزلا على النظام» من دون أن توضح ماهية هذا الرد.

أما حزب الله، فهو يرى، كما يقول المراقبون، في معركة القصير مجالا مهما له لتقديم يد العون للنظام في حربه ضد معارضيه، وحماية السكان «الشيعة» في هذه المنطقة، تشكل ذريعة مناسبة له للتدخل لأنها تضفي على قتاله هناك بعدا «شرعيا» بنظر مؤيديه الخائفين من «تغلغل جبهة النصرة والجماعات التكفيرية التي تريد مهاجمتهم بعد إسقاط النظام في سوريا».

وقد فتح تمدد النار السورية إلى القرى اللبنانية في قضاء الهرمل في البقاع الباب واسعا أمام عملية خلط أوراق أمنية بالدرجة الأولى وسياسية بالدرجة الثانية على الساحتين اللبنانية والسورية. وقالت مصادر دبلوماسية في بيروت لـ«الشرق الأوسط» إن عملية إطلاق الصواريخ من سوريا نحو الهرمل كرست معادلة أمنية جديدة في المنطقة قوامها المشاركة العسكرية الفعلية لحزب الله في المعارك الدائرة في الجهة المقابلة من الحدود في سوريا، كما أسقطت بالكامل نظرية «النأي بالنفس» الرسمية اللبنانية عن الأزمة السورية. وبالتالي فإن هذا الانخراط دونه محاذير عدة ستنعكس على لبنان أولا وعلى سوريا ثانيا لأن استهداف القرى اللبنانية بالصواريخ قد يكون مقدمة لما قد تشهده المرحلة المقبلة من أحداث نتيجة مباشرة حزب الله بترجمة القرار السياسي المتخذ خلال زيارة حسن نصر الله إلى إيران أخيرا الذي يقضي بخوض المعركة بشكل علني في سوريا وذلك من بوابة حماية اللبنانيين القاطنين في قرى سورية حدودية وذلك في مواجهة «التكفيريين» الآتين إلى المنطقة الذين باتوا يهددون الحزب.

وتوقعت المصادر أن تحمل إطلالة نصر الله الإعلامية المقبلة الكثير من المعطيات التي ستلقي الضوء على هذا القرار الذي من شأنه أن يؤدي إلى تطورات دراماتيكية خطيرة على الحدود الشرقية للبنان مع سوريا، علما بأن ما بدأ يسجل من وقائع ميدانية قد يكون مرشحا لأن يسبق أي مواقف سياسية مرتقبة من قبل أي جهة لبنانية أو سورية، وذلك انطلاقا من سير المعارك الذي ينبئ بأمر واقع أمني ضاغط على الساحة اللبنانية الداخلية خصوصا لجهة الملفين الأساسيين وهما الانتخابات النيابية وتشكيل حكومة جديدة.

في المقابل عزت أوساط نيابية بقاعية، الحرب الاستباقية التي يقودها مقاتلو حزب الله في القرى الحدودية إلى اتساع دائرة التهديد الأمني للبنان وتحديدا منطقة الهرمل الذي بات يطال بشكل مباشر الحزب من خلال استهداف جمهوره والمواطنين من دون استثناء وصولا إلى الكثير من النازحين السوريين في المنطقة. وأوضحت الأوساط لـ«الشرق الأوسط» أن هذا التهديد يشمل سيناريو عسكريا تعده «جبهة النصرة» والمنظمات التكفيرية التي بدأت في استقطاب المقاتلين والمجاهدين من أكثر من بلد عربي وغربي وآسيوي للانخراط في النزاع في الداخل السوري كما مع حزب الله على الحدود السورية - اللبنانية من ناحية الشرق وتحديدا في المنطقة التي تشهد ترابطا بين اللبنانيين القاطنين في قرى سورية وهم مؤيدون للنظام السوري ضد «الإرهابيين» واللبنانيين في منطقة البقاع. وأضافت هذه الأوساط أن التهديد الأخير الذي أطلقته «جبهة النصرة» بنقل «معركة الدم» إلى لبنان ليس سوى الدليل الأكيد على وجوب الدفاع من قبل اللبنانيين عموما عن أرضهم وسيادتهم بصرف النظر عن الجهة التي تقوم بذلك الآن.