الحويجة تشتعل بعد اقتحام ساحة الاعتصام فيها ومقتل وإصابة المئات.. والعشائر تعلن الاستنفار

مفاوض يروي لـ«الشرق الأوسط» تفاصيل اللحظات التي سبقت هجوم الجيش

مسعفون ينقلون أحد المصابين في أحداث الحويجة إلى مستشفى في كركوك أمس (رويترز)
TT

تفجرت الأوضاع الأمنية في بلدة الحويجة التابعة لمحافظة كركوك أمس وسط تقارير عن سقوط عشرات القتلى والجرحى فيما أكدت مصادر طبية بمدينة كركوك «أن مستشفياتها باتت عاجزة عن استيعاب المصابين، خاصة بعد تجدد الاشتباكات بين العشائر وقوات الجيش في المنطقة. وبموازاة ذلك أعلنت عشائر المحافظات الغربية والشمالية وخاصة الأنبار حالة الاستنفار تحسبا لاقتحام ساحات الاعتصام فيها أيضا مثلما حصل في الحويجة».

وبدأت المواجهات فجر أمس عندما حاولت قوات عسكرية من «قيادة عمليات دجلة» تابعة للفرقة 12 للجيش العراقي اقتحام ساحة الاعتصامات في الحويجة لفض المظاهرات هناك بالقوة، ولكن صداما بالأسلحة فجر الوضع بعد مقتل عدد من مراتب الجيش والمتظاهرين، وامتدت الأحداث فيما بعد إلى منطقتي الرشاد والرياض القريبتين من مدينة كركوك. وكشف مصدر أمني خاص بـ«الشرق الأوسط» أن الأحداث بدأت بالتفجر بعد إطلاق النار من قبل الجيش العراقي على المتظاهرين الذين رفضوا إخلاء الساحة، ورد عليه عدد من المتظاهرين المسلحين ما أدى إلى مقتل أكثر من خمسين شخصا وجرح المئات من الطرفين، قبل أن تمتد الاحتجاجات إلى منطقتي الرياض والرشاد اللتين عاشتا أمس اضطرابات أمنية خطيرة بسبب أحداث الحويجة. وأشار المصدر إلى أنه «احتجاجا على تلك الأحداث انسحبت الكتلة العربية من مجلس إدارة المحافظة وأعلنت مقاطعتها للمجلس، فيما أصدر المجلس في وقت لاحق أمس بيانا أشار فيه إلى أن العمليات العسكرية في الحويجة ومداهمة ساحة الاعتصام جرت من دون تنسيق أو إبلاغ المجلس بذلك»، واستنكر المجلس رد فعل الحكومة الاتحادية على الاحتجاجات الشعبية بالمنطقة وتعاملها بالقوة لفض المظاهرات والاعتصامات. وقال المصدر «إن الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة مارتن كوبلر وصل إلى كركوك بعد وقوع الحادث في محاولة منه لتهدئة الأوضاع والحيلولة دون امتدادها إلى المناطق الأخرى في المحافظة التي تعتبر من المناطق الأمنية المضطربة أساسا».

وفي اتصال مع خالد المفرجي عضو لجان التنسيق الشعبية بالحويجة أكد لـ«الشرق الأوسط» أن الأحداث بدأت أصلا من يوم الجمعة، حين فشلت المحادثات بين ممثلي المعتصمين ومسؤولي الجيش والحكومة، وأبدى ممثلو المعتصمين مرونة كافية لتطويق الأزمة، حيث عرضوا على الجانب الحكومي إرسال لجنة تحقيقية إلى المنطقة للبحث في مسألة المطلوبين أمنيا، وما يقال عن وجود أسلحة مخبأة في بعض المناطق هناك، وطلبنا أيضا تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في مقتل الضابط العسكري، على شرط أن يكون التحقيق شفافا وعادلا، ولكن يبدو أن الجانب الحكومي قد اتخذ قرارا مسبقا بالهجوم وحسم الموضوع بالقوة العسكرية، وهذا ما أثار رد فعل الجماهير المعتصمة ووقع ما كنا نحذر منه، إذ سقط العشرات من القتلى وأصيب المئات حتى باتت مستشفيات المنطقة في داقوق وكركوك عاجزة تماما عن استيعاب الجرحى، خاصة بعد أن انتفضت عشائر المنطقة مرة أخرى بوجه القوات العسكرية الاتحادية وسقطت أعداد أخرى من الضحايا.

من جانبه، أكد النائب عن القائمة العراقية مظهر الجنابي، عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية التي تولت مهمة المفاوضات بين الجيش والمتظاهرين، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «اللجنة كانت قد خاضت على مدى ساعات مفاوضات مع كلا الطرفين حيث كنا قد التقينا قائد العمليات والمسؤولين هناك وتحدثنا بكل وضوح عن هذا الأمر وضرورة التوصل إلى نتيجة مرضية». وأضاف أن «الجيش أصر على تسليم القتلة والسلاح الذي تمت السيطرة عليه من قبل المسلحين وقد تعهدت لهم بأنني سوف أجلب السلاح والقتلة». وأوضح أن «الجيش وضع شرطا آخر وهو نقل مكان المظاهرة وقد أبدينا استعدادنا لمثل هذا الأمر مع شيوخ العشائر هناك حتى لا تكون مشكلة وقد تم الاتفاق على هذا الأمر».

ومضى الجنابي قائلا: إن «قائد العمليات أبلغنا أنه سوف يعطينا الإجابة في ساعات ما بعد الظهيرة إلا أن الإجابة تأخرت حتى الليل وبينما كنا مجتمعين كان قد تلقى اتصالا هاتفيا غامضا أجهز على كل جهودنا لأنه تضمن منعنا من الذهاب إلى ساحة الاعتصام للتفاهم على كل الإجراءات الكفيلة بدرء حمام الدم». وخلص الجنابي إلى القول: إن «المظاهر العسكرية التي كنا قد شاهدناها من حيث الاستعدادات كانت كما لو كانت تتهيأ لخوض حرب مع إسرائيل لا مع مدينة عزلاء اسمها الحويجة».

في المقابل، أوضحت وزارة الدفاع العراقية في بيان أمس «أن وحدة من القوات المسلحة المخصصة لحماية ساحة المظاهرات في الحويجة تعرضت يوم الجمعة الماضي إلى هجوم من قبل بعض المندسين حيث تم الاعتداء على إحدى السيطرات المشتركة من قوات الجيش والشرطة مما أدى إلى استشهاد وجرح عدد من المقاتلين والاستيلاء على أسلحتهم والاختفاء بين المتظاهرين». وأشار البيان إلى أن «جهودا حثيثة بذلت منذ يوم الجمعة ولغاية هذا اليوم لتسيلم الجناة وإعادة الأسلحة»، مؤكدا أن جميع الحلول رفضت لحسم القضية سلميا رغم تدخلات بعض السياسيين والبرلمانيين وشيوخ العشائر ووجهاء المنطقة، لافتا إلى أن المعتصمين «لم يكتفوا برفض الحلول السلمية بل هددوا باستخدام قوة السلاح، ورغم كل هذه الإجراءات قامت القوات المسلحة بتحديد مهلة نهائية والمناداة على المعتصمين باستخدام مكبرات الصوت وتوجيه المتظاهرين السلميين وغير المسلحين بترك ساحة المظاهرات لفسح المجال للقطعات المشتركة للتفتيش عن الأسلحة والقبض على الجناة بعد فتح أكثر من منفذ في الساحة لتسهيل عملية خروجهم»، مشيرا إلى أن «أعدادا كبيرة من المتظاهرين السلميين غادروها ولم يبق في الساحة إلا المسلحون والمتطرفون». وأكدت الوزارة أنه «وعند قيام القوات المسلحة بتنفيذ واجبها لتطبيق القانون باستخدام وحدات مكافحة الشغب جوبهت بنيران كثيفة من مختلف الأسلحة (الخفيفة والمتوسطة والقناصات)، وأدى الاشتباك إلى استشهاد عدد من أفراد القوات المسلحة وقتل عدد من المسلحين من عناصر (القاعدة) والبعثيين المتعاونين معهم».

وفي تطور آخر ذي صلة، قتل ستة جنود عراقيين على أيدي متظاهرين في الأنبار أمس، حسب ما أفاد به مصدر أمني لوكالة الصحافة الفرنسية. وقال الملازم أول في الشرطة إبراهيم فرج إن «ستة جنود قتلوا وأسر سابع من قبل متظاهرين مسلحين ملثمين هاجموا مدرعتين للجيش قرب مركز الاعتصام القريب من الرمادي (100 كلم غرب بغداد)».