أكراد سوريا يسيرون على خطى «كردستان العراق»

أهالي القامشلي يغيرون لوحات سياراتهم ويعرضون نفطهم للأوروبيين

صورة لسيارة في القامشلي، شمال شرق سوريا، بعد تغيير لوحة أرقامها («موقع كلنا شركاء»)
TT

تتخوف بعض الأوساط السياسية السورية المعارضة من أن مدينة القامشلي (شمال شرقي سوريا) تسير بخطى متسارعة نحو المطالبة بحكم ذاتي، على غرار إقليم كردستان العراق، وذلك في ظل تراخي القبضة الأمنية لنظام الرئيس بشار الأسد هناك، وعدم قدرة الجيش الحر على بسط سيطرته على المدينة.

وما يعزز هذه المخاوف بسط حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي «بي واي دي»، الشقيق غير المعلن لحزب العمال الكردستاني الكردي، سيطرته على المناطق ذات الغالبية الكردية في القامشلي، وشروع «الهيئة الكردية العليا» بنقل الصلاحيات التنفيذية والتشريعية والقضائية إليها.

وفي هذا الصدد، نقل أحد مواقع المعارضة السورية بالأمس عن «مجلس الشعب في غرب كردستان» التابع لـ«بي واي دي»، طلبه من المواطنين في القامشلي استبدال لوحات أرقام سياراتهم من النموذج المعتمد في بقية المحافظات السورية، إلى نموذج آخر خاص بالمدينة، وذلك عبر الحواجز التابع للحزب في المدينة.

وأضاف الموقع، نقلا عن أعضاء من المجلس الوطني الكردي، قولهم إن السيارات المخالفة يتم حجزها وتغريمها مبلغ 15 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 165 دولارا أميركيا.

وتحمل اللوحة الجديدة بالإضافة إلى «SYR» وهو رمز سوريا باللغة الإنجليزية، الرمز «RK» ويعني روجافي كردستان، أي غرب كردستان باللغة الكردية، مع استبدال كلمة «قامشلو» بـ«قامشلي».

وفي اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»، أكد مصدر قيادي كردي سوري «أن الهيئة الكردية العليا التي تدير شؤون المناطق الكردية المحررة بسوريا حاليا أصدرت قرارا بتغيير لوحات السيارات في المناطق الكردية، والهدف من ذلك هو إعادة تنظيم هذا الجانب من قبل السلطة المحلية أولا، ثم كإجراء احترازي من الهجمات التي قد تشنها مجاميع إرهابية بسيارات مفخخة».

ويعتبر الأكراد القامشلي، أو مكان القصب، وفقا للغة السريانية، معقلهم في سوريا رغم أن المدينة التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 200 ألف نسمة وفقا لإحصاء عام 2003، هي خليط من الأكراد والعرب والسريان والأرمن والآراميين والكلدان والآشوريين وغيرهم.

وعلى صعيد آخر، أثار قرار الاتحاد الأوروبي الاثنين الماضي السماح لمستوردين أوروبيين بشراء النفط من سوريا إذا تم الحصول عليه من خلال الائتلاف الوطني السوري المعارض حفيظة القائمين على «مجلس الشعب في غرب كردستان»، الذين اعتبروا أن الائتلاف الوطني المعارض لا يمثل جميع مكونات الشعب السوري، وخصوصا الهيئة الكردية العليا التي «يفترض» أن تمثل الأكراد في سوريا.

لكن الناطق الرسمي باسم مجلس شعب غرب كردستان شيرزاد اليزيدي «أكد أن الهيئة الكردية على استعداد لبيع النفط الكردي المستخرج بالمناطق الكردية إلى الدول الأوروبية في حال رغبت بذلك». وأضاف في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن «هناك حديثا يدور الآن حول عزم عدد من الدول الأوروبية على شراء النفط السوري في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، ونحن في المنطقة الكردية لدينا حقل رميلان الواقع بمنطقة ديريك القريبة من الحدود العراقية التي تم تحريرها قبل شهر، والهيئة العليا على استعداد لبيع نفط هذه المنطقة في حال وافقت الدول الأوروبية على شرائه».

وأشار اليزيدي إلى «أن المناطق الكردية طالها إهمال كبير بسبب السياسات العنصرية لنظام الأسد، وهي بحاجة إلى إعادة الإعمار وتنفيذ مشاريع تنموية فيها، وبذلك فهي تحتاج إلى موارد، وأن الموارد المتأتية من بيع النفط الكردي ستكرس من أجل إعادة البنية التحتية وإعمار المنطقة، وهذا العرض نتقدم به على شرط أن تعترف المعارضة السورية بحقوقنا القومية ومطالبنا المشروعة، عندها وبالاتفاق بين الهيئة الكردية العليا وقيادة المعارضة من الممكن البدء بتصدير النفط الكردي».

ورغم أن الأكراد في القامشلي وحلب وغيرهما كانوا من أوائل المتظاهرين ضد نظام الأسد، فإنهم نأوا بأنفسهم عن حمل السلاح في وجه نظام دمشق، واكتفوا بتشكيل «وحدات» عسكرية لحماية «الشعب الكردي»، استطاعت في وقت قياسي بسط سيطرتها على المناطق ذات الثقل الكردي الممتدة من عفرين (في محافظة حلب) غربا، إلى المالكية (في محافظة الحسكة) شرقا.

ويحكم العلاقة بين الكتائب السورية المسلحة والكردية نوع من «التوجس» و«الشكوك في النوايا»، كاد أن يؤدي إلى صراع مسلح في 12 أبريل (نيسان) الجاري عقب محاولات الجيش السوري الحر دخول أحياء مدينة القامشلي للائتلاف على مطارها العسكري.

ولـ«الشكوك في النوايا» أسبابها الكثيرة التي قد تتجاوز المعادلة السورية، فحزب «بي واي دي» يعتقد أن الجيش الحر يتلقى دعمه من أنقرة، وتاليا فهو يخضع لأجندة تركية من شأنها أن يؤدي إلى إقصاء المكون الكردي في «سوريا ما بعد الأسد»، إرضاء لصناع القرار في تركيا، بينما يعتقد الجيش الحر أن حزب «بي واي دي» في تحالف غير معلن مع نظام الأسد، وأن الأخير يستخدم كورقة تهديد بتفتيت سوريا وتصدير الأزمة نحو تركيا.

لكن الأكراد، وإن اتفقوا على هدف التمتع بحكم ذاتي في سوريا ما بعد الأسد، لا ينضوون تحت قيادة سياسية وعسكرية واحدة، إذ يزاحم «وحدات حماية الشعب» التابعة لحزب «بي واي دي» أحزاب المجلس الوطني الكردي، لكن وساطة شخصية من رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني أفضت إلى توقع اتفاق بين الفصيلين عرف باسم «اتفاقية هولير».

وسبق لأكراد سوريا أن التفوا تحت قيادة واحدة، وذلك بعد الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 على يد رجل الدين المعتدل الشيخ محمد معشوق الخزنوي. لكن الخزنوي اختفى في ظروف غامضة في 10 مايو (أيار) 2005 وعثر على جثمانه في إحدى مقابر مدينة دير الزور (شرق البلاد) بعد 3 أسابيع وعلى جسده آثار التعذيب.

وتعود جذور الأزمة الكردية في سوريا إلى الوحدة التي قامت بين سوريا ومصر تحت اسم «الجمهورية العربية المتحدة» (1958 - 1961) التي اعتبرها الأكراد خطرا على هويتهم القومية، فاتخذوا موقفا سلبيا من الوحدة، وهو ما أثار نقمة القوميين العرب في سوريا، الذين جردوا عام 1962 أكثر من 70 ألف كردي من الجنسية السورية بحجة أنهم أتراك.