ابن كيران: إذا اختلفت نواكشوط والرباط فهذا يحدث داخل الأسرة الواحدة

سلم رسالة للرئيس الموريتاني من ملك المغرب

TT

بعد توقف دام سبع سنوات، عادت اللجنة العليا المشتركة الموريتانية - المغربية إلى الانعقاد في دورتها السابعة في نواكشوط، حيث أشرف على انطلاقتها يوم أمس بقصر المؤتمرات كل من الوزير الأول الموريتاني مولاي ولد محمد لغظف ورئيس الحكومة المغربي عبد الإله ابن كيران، بينما دعا الأخير لدى افتتاح أشغال الدورة إلى إلغاء التأشيرة بين البلدين، معتبرا أنها تشكل عائقا أمام تطوير التعاون الثنائي بينهما.

واستغرب رئيس الحكومة المغربية من توقف انعقاد دورات اللجنة العليا المشتركة المغربية - الموريتانية، وقال إن «مسار العلاقات الموريتانية - المغربية، مسار نضالي لم نألف فيه إلا الأمور الجادة، وأسجل هنا حرص الوزير الأول الموريتاني على أن تنعقد اللجنة بصورة منتظمة، إذن ما المانع في ذلك؟ إذا كنا مختلفين يجب أن تنعقد اللجنة حتى ندرك ماهية خلافنا لأننا في النهاية قد لا نكون مختلفين ولكننا قد نتخيل ذلك».

وكانت مصادر إعلامية قد أشارت في الآونة الأخيرة إلى فتور في العلاقات بين البلدين، وهو ما أصر المسؤولون في البداية على نفيه في جميع المناسبات. وفي هذا السياق، قال ابن كيران إن «العلاقات بين المغرب وموريتانيا لا تسعها الكلمات، فهي قائمة على أخوة حقيقية راسخة، ومصير مشترك، ولا يمكننا في ظلها أن نتحاسب حسابات التجارة الصغيرة. فنحن نتعامل على أساس المبادئ الكبرى، فلماذا لا نقول نحن شعب واحد ودولتان؟ فيمَ يضرنا ذلك؟».

وقلل ابن كيران من شأن الخلافات التي يتم الحديث عنها، معتبرا أن «العلاقات بيننا يجب أن تكون في كل الاتجاهات، وإذا اختلفنا فهذا شيء يقع داخل الأسرة الواحدة، وهو أمر تقليدي، فنحن يعرف بعضنا بعضا، ويجب أن نعطي المثال للدول المشابهة».

وفي سياق حديثه عن تأشيرة الدخول التي تفرضها سلطات البلدين على المواطنين، قال ابن كيران: «أنا لا أفهم لماذا نحتاج حتى الآن إلى تأشيرة للمرور، يجب أن نصفي الأمور المؤدية إلى هذا الوضع، وإذا كان تخوفنا من فتح الحدود هو إمكانية أن يمر أشخاص سلبيون، فهل تغلق العروق تخوفا مما يمكن أن يمر عبرها من مشكلات صحية؟»، وفق تعبيره.

يشار إلى أن البلدين فرضا تأشيرة الدخول بينهما منذ حرب الصحراء التي انسحبت منها موريتانيا بعد انقلاب سنة 1978 الذي أطاح بنظام المختار ولد داداه، أول رئيس موريتاني، وكانت هذه التأشيرة محل انتقادات من طرف بعض الأحزاب والحركات القومية والإسلامية في موريتانيا، معتبرة أنها «لا معنى لها، وتشكل عائقا أمام تعاون البلدين الشقيقين».

ويشمل التعاون بين موريتانيا والمغرب عدة مجالات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، حيث وصلت واردات المغرب من موريتانيا سنة 2011 إلى أكثر من 800 ألف دولار، بينما وصلت صادرات المغرب إلى موريتانيا في نفس العام إلى أكثر من 97 مليون دولار.

وفي سياق التعاون الاقتصادي، قال الوزير الأول الموريتاني مولاي ولد محمد لغظف، إن «تنمية المبادلات التجارية تتصدر اهتمامات البلدين»، داعيا إلى «خلق المناخ الملائم لتنمية العمل والمبادرة وانسياب حركة البضائع، وهو ما يمر حتما عبر الضمان المتبادل لحرية التنقل والنقل والاستثمار والتملك».

كما شدد على أن «تشجيع مبادرات الفاعلين الاقتصاديين في القطاع الخاص يعتبر أمرا ضروريا لتطوير التعاون في المجالات التجارية والصناعية»، موجها بذلك دعوة إلى رجال الأعمال في المغرب وموريتانيا إلى «تكثيف الجهود واستغلال كل الفرص المتاحة لإقامة مشاريع استثمارية مشتركة تضمن الربح للجانبين وتعطي دفعا للتكامل الاقتصادي»، وفق تعبيره.

وقال الوزير الأول الموريتاني إن اجتماع اللجنة العليا المشتركة بين البلدين «يعتبر فرصة للسعي بخطى حثيثة نحو انطلاقة جديدة لمسار الشراكة الأخوية بين بلدينا، مسار عنوانه التعاون الاستراتيجي والتكامل الاقتصادي البناء الذي يخدم مصالح البلدين ويحقق آمال وتطلعات الشعبين الشقيقين»، مشيرا إلى أن هذه الدورة «تأتي في وقت تشهد فيه منطقتنا تحولات عميقة، وتواجه تحديات كبيرة تستدعي منا اعتماد شراكة متميزة تجعل من التعاون في المجالات الاقتصادية والتجارية والاستثمارية وتنمية الموارد البشرية نواة لعلاقات ثنائية نموذجية تكون قاطرة للاندماج المغاربي الحقيقي».

وأشار الوزير الأول الموريتاني إلى أهمية تنمية الموارد البشرية باعتبارها «محورا أساسيا من محاور التعاون والشراكة التي نريد تعزيزها وتطويرها وتنويعها»، معربا عن استعداد بلاده لـ«تقديم كل الضمانات اللازمة لتشجيع المقاولين والمستثمرين من المغرب، حيث إن قطاعات مثل الصيد والزراعة والتنقيب عن المناجم تعتبر واعدة جدا للاستثمار».

ومن جهته، استقبل الرئيس الموريتاني محمد ولد عبد العزيز، في القصر الرئاسي، رئيس الحكومة المغربية، الذي سلمه رسالة من العاهل المغربي دعا فيها الرئيس الموريتاني إلى زيارة المملكة المغربية.

ولدى خروجه من لقاء الرئيس الموريتاني، قال ابن كيران للصحافيين: «لقد التقيت فخامة الرئيس بمنطق واضح مفاده أن المغرب وموريتانيا دولتان شقيقتان يجب أن يحكم منطق العلاقات بينهما كشقيقتين، الصدق والوضوح والمعاملات الودية والتعاون الحقيقي»، قبل أن يضيف: «وجدت أن فخامته كان سباقا إلى هذه المعاني، ومؤكدا عليها، ويمكنني أن أقول لكم في هذا الإطار، وهو ما قلته للسيد الرئيس، لما سمعت هذا الكلام اعتبرت أن زيارتي كانت ناجحة، وهذا هو المهم».

وفي إطار أشغال الدورة السابعة للجنة العليا المشتركة بين البلدين، عقد الوفدان المغربي والموريتاني لقاءات ثنائية بحثا خلالها آفاق التعاون بين البلدين، كما اجتمع رجال الأعمال الخصوصيون لاستكشاف فرص الاستثمار وإمكانية إنشاء شركات مختلطة كسبيل إلى الارتقاء بالعلاقات الثنائية.

يشار إلى أن التعاون بين موريتانيا والمغرب تضاعف خلال العقد الأخير بفضل إنشاء طريق يربط بين البلدين، مما أضفى نوعا من الانسيابية على الحركة التجارية، حيث تعتمد السوق الموريتانية على نظيرتها المغربية في المنتجات الزراعية والملابس والسيارات، كما أن واحدة من كبرى شركات الاتصال في موريتانيا هي برأسمال مشترك مغربي - موريتاني.