نصر دبلوماسي للرباط بعد تراجع واشنطن عن مشروع الصحراء

مجلس الأمن يصوت على قرار جديد اليوم

TT

خرجت العلاقات المغربية - الأميركية من عنق الزجاجة، وحققت الرباط نصرا دبلوماسيا لافتا، بعدما قررت واشنطن التراجع عن مشروع القرار الذي قدمته السفيرة سوزان رايس، المندوبة الأميركية الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، لمجلس الأمن، وهو مشروع يروم توسيع صلاحيات بعثة الأمم المتحدة في الصحراء «مينورسو» ليشمل مراقبة حقوق الإنسان فيها. وجاء التراجع الأميركي عشية تصويت مجلس الأمن على تقرير للأمين العام للأمم المتحدة، الذي سيتم اليوم، وذلك بعد مرور أكثر من أسبوعين على خروج الأزمة المغربية - الأميركية إلى العلن، والتي بلغت أوجها بإلغاء الرباط مناورات «الأسد الأفريقي» المشتركة مع الولايات المتحدة، التي جرت العادة على تنظيمها سنويا في جنوب المغرب.

وتوقعت مصادر دبلوماسية في نيويورك لـ«الشرق الأوسط» أنه بمقتضى هذا التراجع الأميركي سيتم التوصل إلى حل وسط يسند مراقبة حقوق الإنسان في الصحراء إلى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين بدل بعثة «مينورسو»، كما جاء في مشروع رايس الذي رفضه المغرب.

وتجدر الإشارة إلى أن مجموعة أصدقاء الصحراء التي تضم إسبانيا وفرنسا الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا كلفت إيجاد صيغة جديدة لمشروع قرار جديد سيصوت عليه مجلس الأمن اليوم.

وتراجعت الإدارة الأميركية عن مشروعها وقبلت بتعديله بعد أن قام المغرب بحملة دبلوماسية غير مسبوقة لثني واشنطن عن مبادرتها التي رأت الرباط أنها أضرت كثيرا بالعلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين. كما أظهر مشروع القرار الأميركي وجود حالة انقسام شديد في الإدارة الأميركية. بل إن مصادر دبلوماسية مطلعة قالت لـ«الشرق الأوسط» آنذاك إن مشروع القرار هو خطوة منعزلة للسفيرة رايس، التي قدمته لمجلس الأمن دون تشاور مع الجهات المعنية في الإدارة الأميركية وخاصة وزارة الدفاع «البنتاغون»، إلى جانب كون مشروع القرار، حسب نفس المصادر، هدية قدمتها رايس، في أفق مغادرتها لمنصبها في الأمم المتحدة، لصديقتها كيري كيندي، رئيسة مركز روبرت كيندي للعدالة وحقوق الإنسان، المتعاطفة مع أطروحة جبهة البوليساريو المدعومة من الجزائر، والداعية إلى انفصال الصحراء عن المغرب.

وفي هذا السياق، أكد بيتر فام، مدير مركز ميكاييل أنصاري لأفريقيا، التابع لمعهد «أتلانتيك كاونسل» الأميركي، أن «الأمر يتعلق بنتيجة إيجابية ومنطقية تماما بالنظر إلى الشراكة الاستثنائية القائمة بين المغرب والولايات المتحدة منذ أزيد من 225 سنة، والعلاقات الفريدة التي ظلت جيدة منذ ذلك الحين». وأعرب الخبير الأميركي في الشؤون الأفريقية عن «ارتياحه» لهذا القرار، وأشاد بـ«الإدارة الأميركية لحرصها على مصالح وانشغالات المغرب»، مشيرا إلى أن «هذه الحلقة الحزينة في تاريخ العلاقات العريقة بين البلدين أصبحت الآن وراء ظهورنا»، وأعرب عن الأمل في أن يتم التوصل إلى حل لنزاع الصحراء في إطار الشراكة المغربية - الأميركية ومجموعة أصدقاء الصحراء. وأوضح أن الشراكة الاستثنائية القائمة بين المملكة المغربية والولايات المتحدة «تمثل عاملا للاستقرار بمنطقة المغرب العربي والساحل»، مذكرا بأن «البلدين يتقاسمان الكثير من القيم والمصالح المشتركة التي تنطلق من الأمن الإقليمي إلى دعم التنمية الاقتصادية والإصلاحات السياسية والاجتماعية التي تأتي في مقدمة أولويات المملكة، تحت قيادة الملك محمد السادس، وكذا والده الملك الراحل الحسن الثاني».

واعتبر أن التعبئة «الاستثنائية»، التي أبان عنها المغرب «غير غريبة على أولئك الذين يعرفون المملكة».

ومن جهته، أكد ماريو دياز بلارت، عضو الكونغرس الأميركي في تصريحات أوردتها أمس وكالة الأنباء المغربية أن «العلاقات المغربية الأميركية ستظل قوية ومتينة»، وأن البلدين «تجمعهما علاقة صداقة عريقة تقوم على الاحترام المتبادل والحرص على الانشغالات والمصالح المشتركة»، داعيا إلى «تعزيز هذه الشراكة الاستثنائية أكثر فأكثر بالنظر إلى المكانة التي يوليها البلدان للعلاقات الثنائية».

وفي سياق ذي صلة، قال محمد الصبار، الأمين العام للمجلس الوطني المغربي لحقوق الإنسان إن الوضع الحقوقي في منطقة الصحراء ليس بتلك القتامة التي تستوجب تدخل قوات «مينورسو» لمراقبة حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن تدخل الأمم المتحدة لفرض آلية دولية لحماية ومراقبة حقوق الإنسان، يتم في الدول التي تعرف حروبا أهلية، وانتهاكات تتعلق بجرائم الحرب أو جرائم الإبادة أو جرائم ضد الإنسانية، أو في حالة انهيار الدولة، وهو ما لا ينطبق على المغرب. وأوضح الصبار، الذي كان يتحدث أمس خلال اجتماع للجنة العدل والتشريع بمجلس النواب (الغرفة الأولى للبرلمان) خصص لتقديم عرض حول وضعية حقوق الإنسان في الصحراء، أن تقرير مركز روبرت كيندي، تحدث عن 15 حالة اختفاء قسري في الصحراء، في حين لم تسجل أي حالة اختفاء قسري العام الماضي لا في الصحراء أو في باقي المدن المغربية، على حد قوله.