حملة سورية لإقناع واشنطن بأنها تساند «الطرف الخاطئ»

تعتمد على دخول «الصحافيين الأجانب» وإجراء مقابلات مع «الإرهابيين»

TT

في الوقت الذي يزداد فيه عدد الإسلاميين في صفوف المعارضة السورية، يشن الرئيس السوري بشار الأسد حملة نشطة لإقناع الولايات المتحدة بأنها تساند «الطرف الخاطئ» في الصراع السوري. ويعتقد بعض مسؤولي نظام الأسد والمؤيدين له أنهم بالفعل قادرون على إقناع الغرب، أو على الأقل تخويفه إلى الحد الذي يجعله يتراجع عن تقديم المزيد من الدعم للمعارضة السورية.

ومن أجل تحقيق هذه الغاية، خفف مسؤولون حكوميون القيود المفروضة على دخول الصحافيين الأجانب لسوريا، وسمحوا لهم بلقاء سجناء قيل إنهم مقاتلون متطرفون، معتمدين بشكل غير رسمي على رجل أعمال أميركي، من أصول سورية، للمساعدة في استغلال المخاوف الأميركية من جماعات مثل تنظيم القاعدة. وعلى الرغم من الآمال في دمشق، لم يتراجع الرئيس الأميركي باراك أوباما عن مطالبته للأسد بالتنحي، فيما استمرت الإدارة في ممارسة الضغوط الاقتصادية على حكومته، وزادت من مساعداتها غير القتالية للمعارضة، في الوقت الذي تدعو فيه إلى التوصل لتسوية تنهي القتال عبر المفاوضات. واتضحت الاستراتيجية الجديدة، التي يمارسها نظام الأسد، أثناء زيارة لصحافيين يعملون في صحيفة «نيويورك تايمز» إلى دمشق استمرت لمدة أسبوعين. وكانت المجموعة الأولى من السجناء معصوبي الأعين منتشرين في فناء خافت الإضاءة في ليلة من الليالي، وكان كل فرد بالمجموعة يتشبث بطرف قميص رفيقه الذي أمامه. ووصف مسؤولو الأمن السوريون هؤلاء السجناء بالمتطرفين الإسلاميين المتوحشين الذين جاءوا من جميع أنحاء العالم لشن الحرب الجهادية في سوريا. وتبين أن هذه المجموعة مكونة من خمسة سوريين ومواطن فلسطيني وآخر عراقي، وقد تحدثوا عن مجموعة من الأهداف من بينها تطبيق الشريعة الإسلامية والوصول إلى النظام الديمقراطي الذي يمثل الشعب السوري.

ولا يرى المسؤولون السوريون ضرورة للتخفيف من حدة العمليات العسكرية، إذ يرون في أنفسهم القدرة على الفوز بالحرب الراهنة، بل يتوقعون ترشح الأسد وفوزه بالانتخابات خلال العام المقبل مبددين كل الشكوك في بكيفية إجراء الانتخابات في ظل نزوح نحو نصف المواطنين السوريين. ويشير بعض المسؤولين وأفراد النخبة السورية، مع ما في ذلك من غرابة، إلى قدرتهم على إقناع الغرب بدعم رئيسهم بوصفه بطلا يدافع عن القيم والمصالح المشتركة، حتى إذا كان يتبنى استراتيجية عسكرية تواجه انتقادات واسعة النطاق لاستهدافها مدنيين دون أدنى تمييز.

والأهم من ذلك كله، يبدو أن الحرب قد ألهمت بعضا من مؤيدي الأسد، إذ يؤكد بعض السوريين البارزين، الذين لطالما شعروا بالإحباط بسبب الفساد والمحسوبية، أن لديهم سببا مقنع حاليا لمساندة النظام. ويزعمون الآن أنهم يقاتلون من أجل قضية واحدة وهي الحفاظ على تنوع المجتمع والتراث السوري الديني والثقافي. ويرون أنفسهم، نظرا لخبرتهم في السفر ونمط حياتهم العلماني، قادرين على التواصل مع الدول الغربية بشكل مثالي. ولعل هذه مهمة رجل الأعمال الأميركي ذي الأصل السوري. ويقول رجل الأعمال، الذي تعرف على الأسد عند التحاقه بمدرسة «الليسيه فرانسيه» في العاصمة السورية التي كان شقيق الأسد باسل ملتحقا بها هو الآخر، إن «الرئيس والنظام الذي ورثه عن أبيه حافظ يتحمل جزءا من مسؤولية ما يحدث حاليا من اضطرابات. ودفعت العقوبات الاقتصادية الكثير من السوريين إلى العمل في بعض الدول العربية حيث تشربوا الآراء المتطرفة المتشددة وارتكبت قوات الأمن أخطاء أيضا». ومع ذلك أوضح قائلا: «لكن ذلك لا يبرر حرق البلاد».

ويبقى السجناء الأولوية في استراتيجية نظام الأسد الجديد في التعامل مع الصحافيين الأجانب. تم تجميع سجناء من عدة سجون إلى مبنى تابع للأمن وتم احتجازهم والتحقيق معهم لأشهر من دون أي اتهامات. وكان هناك سجين يدعو إلى حكم إسلامي عالمي، في حين تحدث آخرون عن تعرضهم لغسل مخ للقتل مقابل المال. وأراد آخر تمثيلا ديمقراطيا في الحكومة.

ويرى البعض أن المقاتلين الأجانب، الذين يريدون حكما إسلاميا والكثير من السوريين الذين انضموا إليهم لأسباب فكرية أو عملية، لهم نفوذ وتأثير في صفوف المعارضة السورية المسلحة. وأدرجت الولايات المتحدة جبهة النصرة، إحدى الجماعات المقاتلة في سوريا، والتي تعاونت مع تنظيم القاعدة في العراق، على قائمة المنظمات الإرهابية. مع ذلك لا يزال المقاتلون الأجانب يمثلون نسبة ضئيلة جدا من عشرات الآلاف من الثوار. ويقول القادة الثوريون، الذين يتمتعون بنفوذ في حلب وإدلب، إنهم حملوا السلاح للدفاع عن منازلهم وقراهم بعدما فتحت قوات الأمن النار على المتظاهرين السلميين. منذ البداية ظهر التدين التقليدي، الذي تتسم به هذه المجتمعات، على الكثير من المقاتلين. وبرز الجهاديون ممن يعتنقون هذا الفكر على الساحة بعدما عانت المعارض صعوبات في الحصول على أسلحة، في حين كان للجهاديين ممولون مستعدون.

وتم إجراء مقابلات مع السجناء أمام سجانيهم. كان أحدهم يعرج، ومع ذلك نفوا تعرضهم للقهر أو إساءة معاملتهم باستثناء واحد قال إنه تعرض لذلك عندما أخطأ. مع ذلك لم يتسن معرفة ما إذا كانوا يقولون الحقيقة أم يراوغون أم أنهم اجبروا على قول ذلك. كان أول سجين هو بهاء محمود الباش، فلسطيني مقيم في سوريا. وكان يدعو إلى خلافة إسلامية «ليس فقط في سوريا، بل أيضا في العالم كله». وقال إنه درب انتحاريين في العراق، وأضاف، والابتسامة تعلو وجهه، وهو يحملق في مسؤولي الأمن «سأقاتل الأميركيين حتى الرمق الأخير».

واعتاد سجين آخر، يدعى عبد المنعم محمد طايورة، على بيع جوز الهند في حي برزة في دمشق. وقال إنه شارك في المظاهرات وفي المعارك لاحقا «من أجل إسقاط النظام». وعندما سئل عما يريد أن يفعله بعد ذلك، قال أن يتم تمثيله في النظام المقبل.

* خدمة «نيويورك تايمز»