تونس: خلافات حادة بين «النهضة» والمعارضة حول طبيعة نظام الحكم

تحديد صلاحيات رئيس الدولة ورئيس الحكومة من بين أكثر المسائل المثيرة للجدل

رئيس الوزراء التونسي علي العريض (يمين أسفل الصورة) لدى حضوره جلسة البرلمان الشهر الماضي للتصويت على حكومته (أ.ف.ب)
TT

بانطلاق الخلاف من جديد حول طبيعة النظام السياسي بين حركة النهضة وأحزاب المعارضة، تتعرض عملية إعداد الدستور التونسي الجديد لمزيد من الشد والجذب التي قد تطيل عمر النقاش حول النسخة المعتمدة من الدستور. فقبل أيام قلائل من حلول تاريخ الانتهاء من صياغة مشروع الدستور المقرر ليوم 27 أبريل (نيسان) الجاري، انطلقت الاتهامات المتبادلة من جديد حول محاولة بعض الأطراف السياسية الالتفاف على ما تم الاتفاق حوله بشأن طبيعة النظام السياسي والصلاحيات الممنوحة لكل من رئيس السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية.

واتهمت المعارضة حركة النهضة بالتراجع عن التزامات سابقة بإقرار النظام الرئاسي المعدل عوضا عن النظام البرلماني التي رأت عدة أطراف سياسية أنه لن يكتب له النجاح في ظل واقع التجاذب السياسي الحاد الذي تعرفه البلاد.

وفي هذا الشأن قال إياد الدهماني عضو المجلس التأسيسي (البرلمان) عن الحزب الجمهوري، إن إقرار نظام برلماني سيعطي رئيس الحكومة صلاحيات واسعة مقابل صلاحيات محدودة لرئيس الدولة، يهدد أهداف الثورة التونسية التي جاءت لتعديل العلاقة بين السلطات الدستورية. وأشار إلى أن مشروع المسودة الثالثة للدستور يهدد العلاقة بين السلطات ويجعل رئيس الدولة تحت مظلة رئيس الحكومة وهذا إعلان واضح عن نوايا مبيتة تعمل بعض الأطراف السياسية على تمريرها في غفلة من التونسيين على حد تعبيره.

وللتأكيد على عدم التوازن بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، أشار الدهماني إلى عدم تمكين رئيس الجمهورية حسب مشروع الدستور الجديد من حضور مجلس الوزراء إلا بطلب من رئيس الحكومة. كما أن لرئيس الحكومة الصلاحيات الكافية لرسم السياسة العامة للدولة دون استشارة الرئيس، وهو يعين كذلك الوزراء ويقيلهم من مناصبهم ويكتفي بإعلام رئيس الجمهورية دون استشارته. كما أن رئيس الحكومة هو الذي يحدث المؤسسات العمومية ويلغيها ويكتفي بإعلام رئيس الجمهورية. ويعين رئيس الحكومة المسؤولين في الوظائف العليا للدولة دون استشارة رئيس الدولة. وفي نهاية الأمر نجد أن رئيس الحكومة يحظى بالإضافة إلى صلاحياته السابقة بالقضايا الأمنية ورئيس الجمهورية يكتفي برئاسة المجلس الأمني. وتساءل الدهماني عما بقي من صلاحيات بيد رئيس الدولة.

وتفتح هذه الخلافات حول النظام السياسي الباب على مصراعيه حسب خبراء في القانون الدستوري لإعلان المجلس التأسيسي (البرلمان) مستقبلا عن تنظيم استفتاء شعبي للمصادقة على الدستور وتأجيل موعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المقررة نهاية السنة الجارية.

وتتطلب المصادقة على الدستور الجديد تصويت ثلثي أعضاء المجلس التأسيسي لفائدته أي 144 عضوا من أعضاء البرلمان البالغ عددهم 217 عضوا، وهو رقم من الصعب تحقيقه بالنسبة لحركة النهضة صاحبة أغلبية الأصوات داخل المجلس.

وينص القانون المنظم للسلطات العمومية على تنظيم استفتاء إذا لم يقع الاتفاق على نص الدستور في قراءة أولى أو ثانية وذلك بأغلبية الثلثين، ومن المنتظر حسب رزنامة أولية حددها المجلس التأسيسي، أن تتم مناقشة نص الدستور في صيغته الجديدة في قراءة أولى مطلع شهر يوليو (تموز) القادم.

وتبنت حركة النهضة ضمن برنامجها الانتخابي النظام البرلماني معللة تفضيله بأنه «أكثر الأنظمة تمثيلية للشعب»، إلا أن بقية الأطراف السياسية تفضل نظاما مختلطا يعتمد مبدأ التوازن بين سلطات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حتى لا يسيطر طرف سياسي على الساحة السياسية عبر أغلبية المقاعد في البرلمان.

وحول ذات الموضوع، صرح الحبيب خضر المقرر العام للدستور بالمجلس التأسيسي لـ«الشرق الأوسط» أن الخلافات حول تحديد سلطات رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة موجودة ولا يمكن إنكارها، وقال: إن الخلاف يمس الأمن والسياسة الخارجية والتعيينات وإصدار المراسيم وسنّ مشاريع قوانين.

وقال: إن جميع الأطراف السياسية تسعى إلى تجاوز الخلاف الحاصل وإن الغاية من وراء إرساء نظام سياسي هي التوازن وعدم إفراز أزمات سياسية على حد قوله. ونفى أن تكون هناك نية للتغول السياسي أو الاستفراد بالحكم وأشار إلى الصلاحيات الهامة التي ستوكل لرئيس الدولة المنتخب مباشرة من الناخبين التونسيين وقال: إن من بينها حل البرلمان وإعلان حالة الطوارئ وتحديد الحرب والسلم إلى جانب إقرار التعيينات العسكرية.

واعتبر خضر أن الاستفتاء آلية من آليات الديمقراطية وهي قادرة على حسم الخلاف على حد تقديره. وأشار إلى نقاط خلافية أخرى على غرار مدنية الدولة وكونية الحقوق والحريات وهي مسائل لم يقع التسويق لها كثيرا على أهميتها.