تعزيزات أمنية مكثفة مع بداية موسم حج اليهود إلى معبد «الغريبة» في تونس

رئيس الطائفة اليهودية بجربة يؤكد أن الوضع مستقر

TT

وسط إجراءات أمنية مشددة، تنطلق في جزيرة جربة جنوب شرقي تونس مراسم الحج اليهودي السنوي إلى كنيس الغريبة أقدم معبد يهودي في أفريقيا، ويتواصل الموسم لمدة ثلاثة أيام يأتي خلالها اليهود خاصة من الدول الأوروبية.

وذكرت مصادر أمنية لـ«الشرق الأوسط» أنه تمّ تركيز وحدات من مختلف الأسلاك الأمنية والعسكرية أوكلت لها مهمة تأمين مداخل الجزيرة من جهة البطاحات (وسيلة نقل بحري يربط الجزيرة باليابسة) والطريق الرومانية. وتقوم على مدار الساعة بعمليات تفتيش دقيقة على مختلف الوافدين على الجزيرة إضافة إلى تكثيف الوجود الأمني داخل الجزيرة نفسها وخاصة بمنطقة الرياض مقر المعبد اليهودي. من ناحية أخرى، أقامت وحدات من الجيش التونسي مستشفى عسكريا ميدانيا بجزيرة جربة يضمّ إطارات طبية تشمل عدة اختصاصات كالإنعاش والجراحة العامّة وجراحة العظام والاستعجالي.

وحسب ما أوردته وكالة الأنباء التونسية الرسمية، فقد أطلقت قوات الأمن التونسية منذ شهر فبراير (شباط) حملة أمنية ضد الجريمة في جزيرة جربة استعدادا لتنظيم الحج. ومنذ 20 أبريل (نيسان) الجاري، انتشرت تعزيزات أمنية لافتة للانتباه في مختلف مناطق الجزيرة وخاصة على مستوى المسالك المؤدية إلى معبد «الغريبة».

وتوقع جمال قمرة وزير السياحة التونسي وبيريز الطرابلسي رئيس الطائفة اليهودية في جربة والمشرف على كنيس الغريبة مشاركة ألف يهودي في حج هذا العام. ويعتبر هذا العدد ضعف ما تم تسجيله خلال الموسم الماضي. وكان حج سنة 2011 قد تم إبطاله في ظل الانفلات الأمني الذي أعقب الإطاحة بالنظام السابق.

واستبعد بيريز الطرابلسي رئيس الطائفة اليهودية بجربة وجود تخوفات أمنية لدى الطائفة اليهودية، وقال لـ«الشرق الأوسط» إنه طمأن الكثير من اليهود بشأن هدوء واستقرار الوضع الأمني في تونس. كما أشار إلى وجود تطمينات رسمية من الحكومة بشأن حرصها على توفير الأمن من خلال نشر تعزيزات أمنية هامة وتركيز الكثير من الدوريات الأمنية. وأضاف أن «اليهود يحجون إلى كنيس الغريبة منذ نحو 200 عام لإقامة طقوس دينية واحتفالات الهيلولة، ولا يمكنهم اليوم الانقطاع عن عاداتهم».

وزار الرئيس التونسي منصف المرزوقي كنيس الغريبة يوم 11 أبريل 2012 مع سفيري فرنسا وألمانيا بتونس بمناسبة مرور عشر سنوات على الاعتداء بشاحنة مفخخة استهدف الكنيس في نفس اليوم من سنة 2002. وخلف الحادث 21 قتيلا (14 سائحا ألمانيا و5 تونسيين وفرنسيين اثنين). وفي شهر يناير (كانون الثاني) 2012 رفع متشددون شعارات معادية لليهود خلال زيارة إسماعيل هنية رئيس حكومة غزة المقالة والقيادي في حماس إلى تونس، وهو ما أثار مخاوف الجالية اليهودية. وتوجد في تونس أكبر طائفة يهودية في العالم العربي. ويعيش في البلاد نحو 1500 يهودي يقيم أغلبهم في جزيرة جربة ومدينة جرجيس وتونس العاصمة.

وكان عدد اليهود في تونس يفوق مائة ألف يهودي قبل سنة 1956 إلا أن غالبيتهم غادرت البلاد بعد الاستقلال نحو أوروبا وإسرائيل.

ما هو معبد الغريبة؟

يعود تاريخ إنشاء كنيس الغريبة أو معبد الغريبة اليهودي إلى سنة 586 قبل الميلاد، وهو بذلك يعد أقدم كنيس يهودي في أفريقيا، وهو أحد أقدم المعابد اليهودية في العالم. وتعتبر جربة من المناطق السياحية المهمة في تونس، وهي موطن لأكثر من 1600 يهودي تونسي من أصل نحو ألفي يهودي يعيشون في البلاد. ويعتبر كنيس الغريبة مزارا سياحيا لمعظم يهود العالم ويأتيه سنويا قرابة الستة آلاف يهودي سنويا للتبرك بإحدى أقدم نسخ التوراة الموجودة في الكنيس وهي النسخة الأقدم في العالم. وتحتل فرنسا طليعة الدول الأوروبية التي يأتي منها اليهود لزيارة معبد «الغريبة» وذلك بنحو أربعة آلاف زائر خلال مواسم الحج العادية، وتأتي البقية من إيطاليا وبريطانيا وألمانيا. ويتضمن الاحتفال السنوي إقامة الصلوات وإشعال الشموع داخل الكنيس، بالإضافة إلى ذبح الخرفان كقرابين والحصول على «بركة» حاخاماته.

ويقع الكنيس في قرية صغيرة كانت ذات غالبية يهودية في الماضي وتسمى «الحارة الصغيرة» يطلق عليها حاليا اسم «الرياض»، وهي تبعد عدة كيلومترات جنوب غربي مدينة حومة السوق وهي أكبر مدن جزيرة جربة.

وتقول لافتة معلقة داخل الكنيس ومكتوبة بأربع لغات (العربية والإنجليزية والفرنسية والألمانية) «يرجع عهد هذا المقام العتيق والمقدس المعروف بالغريبة إلى عام 586 قبل الحساب الإفرنجي أي منذ خراب الهيكل الأول لسليمان تحت سلطة نبوخذ نصر ملك بابل وقد وقع ترميمه عبر العصور».

وبحسب روايات متناقلة عن يهود جربة، فإن الاعتقاد السائد أن كنيس الغريبة استخدمت في بنائه قطع حجارة من هيكل سليمان الأول، وهو ما يعزز مكانته لدى اليهود.