رئيس وزراء مصر الأسبق: السلطة التنفيذية من دون رؤية.. والمعارضة تفتقر للقيادة

عبد العزيز حجازي لـ «الشرق الأوسط»: أدعو النظام الحاكم للمصالحة داخليا وعربيا

TT

قال رئيس وزراء مصر الأسبق، الدكتور عبد العزيز حجازي، إن السلطة التنفيذية في البلاد تفتقر للرؤية وتلقي بكل الأخطاء التي ترتكبها في الوقت الحالي على النظام القديم، مشيرا إلى أن الرئيس محمد مرسي ما زال يرتدي جلباب حزب الحرية والعدالة التابع لجماعة الإخوان المسلمين، لكنه أضاف أن الرئيس يسعى لإشراك الأحزاب المختلفة في الحكومة التي يجري الإعداد لتشكيلها في إطار التغيير الوزاري المرتقب.

وشدد الدكتور حجازي في حوار مع «الشرق الأوسط» على ضرورة الإسراع، من جانب النظام الحاكم، في إجراء مصالحة داخلية بين كل الجبهات والتيارات والقوى «حتى تكون هناك رؤية واضحة أمام الشعب»، وكذا العمل على «التصالح مع الأمة العربية»، مشيرا إلى أن «الموقف بالنسبة للوفاق بين مصر والدول العربية غير قائم».

وأضاف الدكتور حجازي معلقا على قول بعض الإسلاميين إن النظام السابق بمصر ما زال يسيطر على مفاصل الدولة، إن «هذا غير حقيقي على الإطلاق»، معربا عن اعتقاده في أن من يرددون هذه الاتهامات يريدون إلقاء «كل الأخطاء» على الماضي.

وقال الدكتور حجازي إنه بعد مرور أكثر من عامين على ثورة 25 يناير (كانون الثاني) 2011. لم يلمس الشعب تحقيق أي من أهدافها التي كانت تنصب على توفير الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية. وأوضح أن السلطة في البلاد تعاني من الافتقار إلى الرؤية المستقبلية الواضحة، مع تعدد الأحزاب والجبهات والقوى التي زاد عددها على خمسين جبهة.

وعما إذا كان راضيا عن أداء جبهة الإنقاذ المعارضة التي يقودها الدكتور محمد البرادعي وتتكون من 12 حزبا وعدة شخصيات أخرى، قال رئيس وزراء مصر الأسبق، إن مشكلة جبهة الإنقاذ تتلخص في عدم وجود قيادة موحدة، وأنه يوجد على رأس هذه الجبهة ثلاثة زعماء لكل منهم تطلعاته، وأضاف أن قيادة المعارضة لا بد أن تكون متمثلة في شخص واحد له خبرة وتاريخ.

وقلل رئيس وزراء مصر الأسبق من التحذيرات التي يطلقها بعض الاقتصاديين من الداخل والخارج عن المخاطر الاقتصادية التي يمكن أن تغرق فيها البلاد خلال المرحلة القريبة القادمة، قائلا إن «مصر مرت بظروف أكثر من هذه الظروف وتمكنت من العبور إلى الأمام»، لكن المشكلة تكمن في غياب الرؤية الواضحة والإدارة الجيدة لدى من يحكم. وإلى أهم ما جاء في الحوار..

* كيف ترى الحكم في مصر خاصة أن البعض في التيار الإسلامي يقول إن النظام القديم ما زال يسيطر على مفاصل الدولة؟

- هذا غير حقيقي على الإطلاق.. لكن أعتقد أنهم يريدون أن يلقوا بكل الأخطاء التي يرتكبونها في الوقت الحالي على النظام القديم.. مر عامان على الثورة ومن المفترض أن تظهر الإنجازات التي وعدوا بها، والتغيير المفترض أن يكون قد حدث، لأن الثورة تعني التغيير. المفترض أن يتم الحديث عن التغييرات التي حدثت مقارنة بما كان عليه الوضع قبل ثورة 25 يناير 2011. إذا كان نداء الثورة الخبز والحرية والعدالة الاجتماعية فكان من المفترض أن يتحقق جزء كبير من هذه الشعارات، لكن الجاري في الوقت الحالي هو تعدد الأحزاب والجبهات والقوى، وكلها تجاوز عددها نحو خمسين جبهة في الوقت الراهن، وكأن أصبح لدينا خمسون منهجا.. حتى هذا لم يحدث في الحقيقة، وأقصد بذلك الرؤى المستقبلية التي كان ينبغي أن تكون واضحة بالنسبة للثورة ومرحلة ما بعد الثورة.

* في رأيك ما الإجراءات التي ينبغي على القائمين على الحكم في مصر أن يتبعوها لإنقاذ البلاد ووضعها على الطريق الصحيح خاصة بعد ما يقال عن فوضى سياسية وأمنية وتدهور اقتصادي؟

- أولا بالنسبة للمستقبل، ينبغي على القائمين على الحكم أن يوضحوا الرؤية المستقبلية بشكل لا لبس فيه.. يجب أن يقولوا هل هم يتبعون نظاما إسلاميا أم نظاما اشتراكيا، أم نظاما خليطا من كل هذه الأنظمة. لا يمكن أبدا أن تتقدم مصر من دون أن تكون هناك رؤى ومنهج واضح يلتزم به الجميع.. حتى مع تعدد المناهج، لا يمكن أن يكون هناك خمسون منهجا. ثانيا توجد مشاكل عاجلة لا بد أن يتم العمل على حلها، ولا بد للناس في مصر أن يشعروا بنتائج هذه الثورة، في كل متطلبات حياتهم المعيشية، وهذا لم يحدث حتى الآن، لأن الأسعار مرتفعة والديون تتراكم، والعجز الخاص بالميزانية العامة يتصاعد.. أنا أرى أنه أمامهم (القائمين على الحكم) مشكلات لا بد من حلها أو وضع حلول لها.

* وما هي رؤيتك لما تقوم به الحكومة المصرية الحالية، خاصة أنها تقول إنها تبذل أقصى ما تستطيع لتحقيق نتائج ملموسة على الأرض؟

- لا.. لا طبعا.. المطلوب المزيد من العطاء من كفاءات قادرة على إدارة دولة وليس إدارة دعوة. إدارة الدعوة شيء، وإدارة الدولة شيء مختلف تماما. مصر في حاجة إلى أناس قادرين على إدارة الدولة يكون لديهم خبرات ويكون لديهم علم.

* لو افترضنا أنك في موقع المسؤولية التنفيذية في مصر بأوضاعها الحالية، ما هي الأولويات التي ستقوم بها لإصلاح أحوال الدولة؟

- هذا أمر تحتاج الإجابة عنه إلى حديث طويل..

* يعني هناك كثير من الاقتصاديين بالداخل والخارج يحذرون من قرب انهيار الاقتصاد المصري ويتحدثون عن مخاطر اقتصادية يمكن أن تغرق فيها مصر خلال المرحلة القريبة القادمة. ما تعليقك؟

- لا.. مصر مرت بظروف أكثر من هذه الظروف وتمكنت من العبور إلى الأمام. مصر لديها إمكانيات.. المشكلة لا تكمن هنا، ولكن المشكلة تكمن في عملية إدارة الأموال، وهو موضوع يحتاج إلى مراجعة، في الحقيقة، ونحتاج إلى وضع للأولويات الخاصة بالتنمية في البلاد، ومراعاة الوضع الاقتصادي بالنسبة للفقراء والمساكين في مصر لأن هذه الفئة تحتاج إلى رعاية خاصة، ومعالجة العشوائيات الموجودة في البلاد، والتي يجب أن تأخذ الأولوية.. يجب أن تكون هناك كتائب للتعمير يتم تعبئة وتجنيد الشباب للانخراط فيها، وهذا من شأنه أن يخلق فرصا جيدة للعمل أمام قطاع كبير من الشباب.. وكذلك أرى أنه ينبغي القيام بمشروعات صغيرة ومتوسطة يكون العائد منها واضحا على المواطنين.. أعني من وراء كل هذا أن هناك إجراءات يمكن اتخاذها للبدء في حل المشاكل الموجودة في الشارع المصري.. الشيء الآخر لا بد من التصالح في الداخل والتصالح مع الدول العربية.. هذا أمر ضروري..

* ما المقصود بالتصالح الداخلي والتصالح مع الدول العربية؟

- التصالح الداخلي يجب أن يكون بين الجبهات المختلفة الموجودة من كل التيارات والقوى، حتى يكون هناك رؤية واضحة بالنسبة للشعب.. والتصالح مع الأمة العربية لأنه، قطعا، الموقف بالنسبة للوفاق بين مصر والدول العربية غير قائم.. لأنه توجد مشاكل سياسية تعطل هذا التوافق مع الكثير من الدول العربية. ولا بد من اتخاذ كافة الإجراءات من أجل التجمع والائتلاف. لكن مع كل ذلك أعود وأقول إن مصر بخير وستعبر إلى الأمام إن شاء الله.

* من مراقبتك للأوضاع في مصر.. أين تكمن المشكلة في رأيك. وكيف تنظر لما يقال عن سيطرة مكتب إرشاد جماعة الإخوان على قرارات رئيس الدولة؟

- أقول مرة أخرى إن المشكلة تمكن في عدم وضوح الرؤية لدى من يحكم..

* وماذا عن رؤيتك لما يتردد عن دور لمكتب الإرشاد في قرارات الرئيس، خاصة بعد ما قاله مستشار رئيس الدولة الذي استقال قبل يومين وتحدث عن وجود هذا الدور؟

- طبعا مكتب إرشاد الإخوان له دور فاعل.. وما زال الرئيس مرسي يلبس جلباب حزب الحرية والعدالة وجماعة الإخوان المسلمين التي يتبعها الحزب.

* وهل ترى أنه يمكن للرئيس الخروج من هذه العباءة؟

- الرئيس يحاول أن يقوم بالتجميع الآن.. أقصد أنه عرض على الأحزاب المختلفة والفئات المختلفة، في الوقت الحالي، أن يقوموا بترشيح أفراد للمشاركة في الوزارة التي يجري الإعداد لتشكيلها في إطار التغيير الوزاري المرتقب.. ولعل وعسى ينجح في هذا بحيث يكون هناك ائتلاف وطني يعبر بمصر الفترة الحالية إلى أن يتم انتخاب مجلس الشعب (مجلس النواب). لكن اليوم يوجد عداء مع القضاء ويوجد عداء بين الرئاسة و(بعض) الأحزاب وهكذا.. يوجد عدم توافق بين جبهات كثيرة جدا، وبالطبع هذا لا يمكن أن تنتج عنه نتيجة إيجابية، لا بد أن يكون هناك مصالحة وطنية.. أنا شخصيا أنادي بضرورة عمل هدنة لمدة ستة أشهر أو تسعة أشهر، أو حتى آخر العام، تهدأ فيه الاعتصامات والإضرابات، ويتم خلال هذه الفترة المقترحة تجميع كل المشاكل على أن تقوم الحكومة القوية التي ينتظر تشكيلها، وتضع الحلول فيما يتعلق بالمشاكل الآنية ثم برنامج وسطي وبرنامج طويل الأجل. أعني أنه لا بد أن تكون هناك منظومة متكاملة.

* البعض من التيار الإسلامي يرى أن جبهة المعارضة، خاصة جبهة الإنقاذ التي يقودها الدكتور محمد البرادعي، متشددة في مطالبها وفي مفاوضاتها للحوار مع الرئاسة. ما رأيك؟

- ما هو هذا التشدد.. في أي جانب؟ هم متمسكون بتغيير رئيس الوزراء (الدكتور هشام قنديل) وموضوع (إقالة) النائب العام.. هذا رأي الجبهة، ومن المفروض أن ترد عليها الحكومة بــ«الموافقة أو الرفض» لهذا الأمر.

* وهل أنت راض عن عمل جبهة الإنقاذ؟

- مشكلة جبهة الإنقاذ هي أنه يوجد فيها ثلاثة زعماء.. وطبعا هؤلاء الزعماء الثلاثة لكل منهم تطلعاته. بينما لا بد أن تكون القيادة متمثلة في شخص واحد، لا ثلاثة أشخاص.. ينبغي أن يقود المعارضة شخصية عامة لها خبرة ولها تاريخ.