تهاني الجبالي لـ «الشرق الأوسط» : القضاء المصري يرفض دخول «بيت الطاعة» الإخواني

النائبة السابقة لرئيس المحكمة الدستورية العليا: من حق القضاة اللجوء للمجتمع الدولي

TT

قالت المستشارة تهاني الجبالي، النائب السابق لرئيس المحكمة الدستورية العليا في مصر، إن المشكلة التي يتعرض لها القضاء المصري في الوقت الحالي ترجع لمحاولات من جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها رئيس الدولة، لإدخال السلطة القضائية «بيت الطاعة الإخواني»، ضمن سلسلة من الإجراءات التي تحدثت عن أن الجماعة تتبعها من أجل السيطرة على مفاصل الدولة.

وشددت الجبالي على أن لجوء بعض القضاة إلى مخاطبة المجتمع الدولي بشأن ما يتعرضون له من تعسف من السلطتين التنفيذية والتشريعية حق أصيل لهم، لأن مصر من الدول الموقعة على معاهدات واتفاقيات دولية تنص على احترام القضاء وعلى استقلال السلطة القضائية.

وسردت المستشارة الجبالي سلسلة من الإجراءات التي قامت بها السلطة التنفيذية ضد السلطة القضائية منذ تولى الرئيس محمد مرسي المسؤولية عقب انتخابه الصيف الماضي، وقالت إن القضاء تعرض لمضايقات ممنهجة طوال الأشهر الماضية، مما يجعل شعار «تطهير القضاء» الذي ترفعه بعض التيارات الإسلامية، مجرد محاولة لاستكمال خطة السيطرة عليه، والحيلولة دون فتح العديد من الملفات العالقة، ومنها التحقيق في تزوير انتخابات الرئاسة وهروب المساجين والمعتقلين من السجون أثناء ثورة 25 يناير 2011.

وقالت تهاني الجبالي إن مشروع تعديل قانون السلطة القضائية المقدم لمجلس الشورى في الوقت الحالي يستهدف الإطاحة بنحو 4 آلاف قاض وتعيين قضاة من الموالين لجماعة الإخوان من قطاع المحامين وأساتذة الجامعات.. وإلى أهم ما جاء في الحوار:

* المتابع للعلاقة بين السلطة القضائية من جانب والسلطتين التشريعية والتنفيذية من الجانب الآخر، في الوقت الحالي قد يجد أن الوضع ملتبس. كيف تفسرين الأمر؟

- الحقيقة أن الوضع على المستوى القانوني والدستوري ليس ملتبسا، لأننا نحن نأخذ بمبدأ الفصل بين السلطات ثم الرقابة المتبادلة. وفي الوقت نفسه نعطي حصانات للقضاء باعتبار أن فيها ضمانات للاستقلال لا يجوز المساس بها.. ومن ضمن ذلك أنه في حالة التشريع للسلطة القضائية لا بد من أخذ رأي الهيئات القضائية في أي تعديل يرجع لقانون السلطة القضائية قبل إجرائه. وهذا هو الأمر المستقر في مصر طوال السنوات الطويلة الماضية من عمر الدولة القانونية في مصر..

* لكن حتى في عهد النظام السابق كانت هناك بعض المشاكل مع القضاء؟

- نعم.. لكن هذا كان يتعلق بالمعايير المرتبطة باستقلال القضاء التي كانت تشوبها بعض الشوائب التي كنا نطالب بتعديلها، من ضمنها مثلا نقل التفتيش القضائي من وزارة العدل للمجلس الأعلى للقضاء، وأن ينتخب رئيس المحكمة الدستورية من خلال الجمعية العمومية من الأقدم، وقد تحقق ذلك بعد ثورة 25 يناير 2011، بتعديل تشريعي. وكنا نباهي بأن الجمعية العمومية للمحكمة الدستورية العليا هي التي تملك الترشيح لعضويتها وانتخاب رئيسها من الأقدم.. وهكذا.

* إذن ما الذي فجر القضية بين السلطات الثلاث في الفترة الأخيرة؟

- فوجئنا بأن كل ما تحقق للقضاء عبر سنوات طويلة يتم العصف به عبر سلسلة من الإجراءات والقرارات الصادرة من رأس السلطة التنفيذية، متمثلة في رئيس الدولة.. أو من خلال المحاولات التشريعية التي بدأت أثناء وجود المجلس التشريعي (الذي تم حله في 2012 بحكم من المحكمة الدستورية). استهداف السلطة القضائية في مصر بدأ مبكرا على أيدي السلطة الحاكمة الآن التي مرجعيتها أساسا هي جماعة الإخوان المسلمين.

* هل تعنين أن بداية استهداف السلطة القضائية جاءت مع تولي الرئيس الحالي المسؤولية عقب فوزه في الانتخابات الرئاسية الصيف الماضي؟

- للأسف.. بدأت مشاهد متتالية وخطيرة جدا.. فأول قرار اتخذه الرئيس بعد فوزه بالرئاسة كان إعادة مجلس الشعب رغم حكم المحكمة الدستورية العليا بحله. كما كانت هناك محاولة من الرئيس أيضا لتهميش القَسَم الرسمي الخاص بتوليه الرئاسة.. وبعد ذلك جاءت قضية منصب النائب العام (السابق، المستشار عبد المجيد محمود) وعمليه إقصائه من موقعه، رغم أنه قاض لا يجوز عزله إلا وفقا للقانون، ثم تعيين نائب عام بغير المسار المنصوص عليه في قانون السلطة القضائية، وصدور الحكم من محكمة الاستئناف بعدم مشروعية شغل النائب العام الحالي طلعت عبد الله لمنصبه وبطلان قرار رئيس الجمهورية في هذا الشأن بحكم قضائي.

* البعض يقول إنه كان يمكن تدارك كل هذا دون صدام بين السلطات؟

- الأمور، للأسف أخذت أبعادا أخرى. ومنذ البداية استشعر القضاة أن هناك استهدافا للسلطة القضائية، منها أيضا المحاولات الدءوب التي جرت من خلال محاصرة المحكمة الدستورية العليا لمنعها من إصدار أحكام في قضايا ملحة ومهمة. ثم تكرر الحصار لمحكمة مجلس الدولة أثناء نظر دعاوى بطلان الجمعية التأسيسية لوضع الدستور الجديد للبلاد، والاعتداء اللفظي على القضاة والتشكيك في نزاهتهم والتشكيك في ذمتهم المالية على الملأ ومن وزراء في الحكومة وعلى التلفزيونات والفضائيات ودون حسيب ورقيب ثم الإصرار (من جانب من هم في السلطة) على رفع شعار «تطهير القضاء» دون وضع معيار أو مفهوم لهذا «التطهير».

* قيادات في التيار الإسلامي الحاكم تتساءل عن سبب مخاوف القضاة من شعار «التطهير»؟

- إذا كان المقصود بـ«التطهير» أشخاص القضاة فلا بد أن تكون هناك أدلة حقيقية على أن هناك قاضيا محددا في مكان محدد فاسد أو ارتكب جريمة استغلال نفوذ أو حدثت منه أي جريمة، فليقدم للمحاكمة العادلة مثله مثل أي مواطن، يقدم للمساءلة داخل الهيئة القضائية لأن الهيئة القضائية لديها إجراءات محاسبة صارمة بالنسبة لأعضائها.. هذا كله لم يحدث، وكانت كل شعارات «التطهير» مجرد أقاويل وإشاعات وإطلاق كلام في الهواء. كل هذا ولا نريد أن ننسى أن رئيس الدولة أصدر قرارا غير دستوري (بعد أشهر من توليه السلطة) بتحصين قراراته ضد الرقابة القضائية بكافة أشكالها. ثم بعد ذلك المنع للمحاكم من نظر قضايا بعينها كانت منظورة بالفعل سواء في مجلس الدولة أو في القضاء الدستوري، وهذا في حد ذاته تحد للدولة القانونية وتحد لاستقلال القضاء. ثم بعد ذلك ما حدث في هذا المشروع الكارثي (مشروع قانون بتعديل قانون السلطة القضائية) الذي يقدم الآن (لإقراره في المجلس التشريعي) بعد انتهاك استقلال القضاء الدستوري والقضاء المصري في نصوص دستورية مباشرة منحت لرئيس الدولة حق اختيار وتعيين أعضاء ورئيس المحكمة الدستورية العليا، دون احترام لسلطة الجمعية العمومية في المحكمة، وغيرها من إجراءات أخرى كثيرة.

* وما المشكلة تحديدا في مشروع قانون تعديل قانون السلطة القضائية؟

- مع الوضع في الاعتبار كل السياق السابق عن الرغبة في استهداف السلطة القضائية وعرقلة دورها، يأتي (مشروع تعديل) القانون المقدم لمجلس الشورى، وهو مجلس عبارة عن أداة تشريعية مؤقتة (يعمل إلى حين انتخاب مجلس للنواب)، حيث إن مجلس الشورى لم تكن له صلاحيات تشريعية في السابق، ومنح حق التشريع بنص انتقالي في الدستور الذي تم تطبيقه. وهذه الصلاحية موقوتة بشهرين ولحالة الضرورة والاستعجال. وإذا بنا أمام سيل من التشريعات الخطيرة المؤثرة جدا في الحياة المصرية، ومن بينها أيضا قانون الصكوك (قانون اقتصادي) الذي سيتم من خلاله التهام مصر كلها، وقانون الأزهر، وقانون التظاهر، وقانون الجمعيات، ثم أخيرا قانون السلطة القضائية. وهذا التعديل الذي يحاولون به تخفيض سن التقاعد (من 70 سنة إلى 60 سنة) بشكل مفاجئ على القضاة، يؤدي إلى خروج ما يقرب من 4 آلاف قاض من جميع الهيئات القضائية يمثلون الخبرة والكفاءة الأعلى والمراكز القضائية الهامة.

* وما الهدف في رأيك من وراء السعي لإقصاء كل هذا العدد من القضاة؟

- الهدف هو دخول القضاء في بيت الطاعة الإخواني.. لأنه سينتج عن القانون الجديد فراغات في الوظائف القضائية التي سيتم شغلها من مصادر خارجية من المحامين ومن أساتذة الجامعات، ومن الخلايا الإخوانية النائمة التي لا نعرفها، وسيتحول الأمر إلى اختيار «أهلي وعشيرتي» (مصطلح يعني تعيين الإخوان المسلمين في الوظائف المهمة)، كما يحدث في كل دواوين الدولة. ما يحدث يعني «أخونة القضاء».

* بعض السياسيين الإسلاميين يعلن للرأي العام أن الرغبة في «تطهير القضاء» ترتبط بأحكام براءة وإخلاء سبيل من المحاكم لصالح قيادات من نظام الرئيس السابق على رأسهم حسني مبارك نفسه؟

- لا.. هذه مجرد ذريعة، وباطل يراد به باطل، لأن الأحكام القضائية يمكن أن تكون مرضية أو غير مرضية للرأي العام. وبشكل عام بدأت الحلقات المتتالية من العدوان على السلطة القضائية قبل ذلك. الهدف هو تمكين جماعة الإخوان من مفاصل الدولة المصرية، باستخدام العديد من الحيل. ولا يوجد في العالم قضاء يحاكم بسبب إصداره حكما من الأحكام. الأمر الآخر أنه توجد في المحاكم المصرية حاليا ملفات لم تفتح بعد، وبعضها شديد الخطورة، مثل تزوير قاعدة بيانات الناخبين في انتخابات الرئاسة التي فاز فيها الرئيس الحالي، وبعض الممارسات التي حدثت أثناء انتخابات الرئاسة الأخيرة، مثل تزوير أوراق الاقتراع ومنع الأقباط في بعض القرى من الوصول للتصويت في تلك الانتخابات. بالإضافة إلى موقعة الجمل والمسؤولين عن قنص الثوار وقضية فتح السجون والمعتقلات أثناء الثورة، وقتل الجنود المصريين في رفح. من حق الشعب المصري معرفة الحقيقة، وهي جزء لا يتجزأ من مسؤولية القضاء. محاولات التعمية على أوضاع معينة من هذا القبيل من أسباب محاولات العصف بالقضاء المصري والتأثير فيه بحيث يمكن إغلاق ملفات وعدم استكمال دعاوى منظورة أمام المحاكم، أو التأثير في أحكامها.

* استنجاد قضاة في مصر بالمؤسسات القضائية الدولية جعل البعض يتهمهم بـ«الاستقواء بالخارج». ما رأيك؟

- من الحق مخاطبة المؤسسات القضائية الدولية؛ لأن مصر موقعة على الاتفاقيات الدولية المعنية باستقلال القضاء والمحاماة. وهذه الاتفاقيات ملزمة للدولة المصرية بكل سلطاتها، والقضاء المصري له علاقاته القائمة بالاتحاد الدولي للقضاة في فيينا، وبالتجمع العالمي لرؤساء المحاكم العليا، ولديه حق اللجوء إلى المفوضية الدولية بالأمم المتحدة لاستقلال القضاء والمحاماة لإرسال بعثة تقصي حقائق لمعرفة ما يحدث من بعض أطراف الدولة المصرية تجاه السلطة القضائية. قضاة مصر لا يحمون حقا شخصيا وإنما يحمون حقا عاما لكل المصريين. الأمر ليس استقواء بالخارج ولكنه محاولة لحماية القضاء المصري. وإذا وجد أن الدولة تعتدي على السلطة القضائية تفرض عليها عقوبات دولية وهذا أمر من المفترض أن يقلق أي نظام محترم. لكن يبقى أن النضال الأساسي في مواجهة هذا العدوان على السلطة القضائية هو نضال الشعب المصري حماية لدولته الوطنية وتحريك الآليات الوطنية في الداخل من أجل حماية استقلال القضاء المصري.

* من هي تهاني الجبالي؟

* من مواليد الدلتا بمصر في نوفمبر (تشرين الثاني) 1950.

* تخرجت في كلية الحقوق جامعة القاهرة عام 1973.

* أول امرأة تحتل المنصب القضائي الأعلى في البلاد من خلال تعيينها في المحكمة الدستورية العليا عام 2003، إلى أن تمت الإطاحة بها ضمن تعديل دستوري عام 2012.

* أول امرأة تشغل عضوية المكتب الدائم لاتحاد المحامين العرب.

* حصلت على العديد من الأوسمة والدروع محليا ودوليا.

* تعمل في الوقت الحالي في المحاماة.