السلطات المصرية تحبط محاولات اقتحام كنيسة بالصعيد على خلفية أزمة طائفية جديدة

مئات شاركوا في مظاهرات دعم القضاء وظهور لافت لـ«بلاك بلوك»

استقبل البابا تواضروس الثاني بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية بعد ظهر أمس الشيخ الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر وذلك بالمقر البابوي بالكاتدرائية المرقسية بالعباسية.. وفي الصورة يعقدان مؤتمرا صحافيا بالمقر البابوي أمس (أ.ف.ب)
TT

في وقت تصاعدت فيه حدة التوتر الطائفي في مصر، تصدت السلطات الأمنية أمس (الجمعة) لمحاولات اقتحام إحدى الكنائس بمحافظة بني سويف في صعيد البلاد على خلفية أنباء عن اختطاف فتاة مسلمة، بينما شارك مئات في عدة محافظات في مظاهرات لدعم استقلال القضاء على خلفية مشروع جديد معروض على المجلس التشريعي يعتبره المعارضون بمثابة مذبحة جديدة للقضاة.

ووقعت اشتباكات عنيفة بين قوات الأمن وعدد من المتظاهرين، الذين خرجوا في مسيرة من مسجد «التحرير» في مدينة «الواسطى» ببني سويف إلى كنيسة «مار جرجس» عقب صلاة الجمعة، للتعبير عن غضبهم لاتهام أسرة مسلمة لشاب مسيحي باختطاف ابنتهم وتنصيرها.

وألقى المتظاهرون الحجارة وزجاجات المولوتوف باتجاه قوات الأمن المكلفة بتأمين مبنى الكنيسة، مما أدى إلى إصابة شرطي بجرح في رأسه. وإثر ذلك قامت قوات الأمن بإلقاء القبض على 5 منهم، كما قامت بإطلاق قنابل الغاز المسيل للدموع لتفريقهم وإبعادهم، مما أدى إلى إصابة 5 من المواطنين وسكان المنازل المجاورة للكنيسة باختناق بالغاز المسيل للدموع. وردد المتظاهرون هتافات تطالب بعودة الفتاة المختطفة منها (مش هنمشي، وبالروح بالدم نفديك يا إسلام).

وترجع الأحداث إلى قيام أسرة فتاة جامعية مسلمة، منذ شهرين باتهام شاب قبطي بإخفائها والاستيلاء على أموالها وتنصيرها وتسهيل سفرها إلى تركيا، فقام بعض المسلمين بمنح أقباط القرية مهلة لإرجاع الفتاه انتهت أمس، ومن ثم قاموا بالتظاهر ومحاصرة كنيسة مار جرجس بالمدينة مطالبين بعودتها.

وتواجه مصر في الآونة الأخيرة تزايدا للحوادث الطائفية بين المسلمين والأقباط رغم التطمينات الشفهية من قيادات الدولة حول احترام حقوق وحريات الأقليات في مصر في ظل النظام المصري الجديد.

وتأتي أحداث الواسطى بعد أسابيع من الأحداث التي شهدتها مدينة الخصوص التابعة لمحافظة القليوبية (شمال القاهرة) والتي أسفرت عن مقتل خمسة أشخاص (بينهم أربعة مسيحيين)، وإصابة أربعة آخرين.

ومن جانبه، قال البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية إن الأقباط في مصر يشعرون بالتهميش والتجاهل من قبل سلطات جماعة الإخوان المسلمين، التي توعدت بكل الضمانات لحماية الأقباط ولم يكن هناك أي شيء من ذلك.

وأكد البابا، في حوار له مع «رويترز» على مدى سوء التعامل مع قضايا الأحداث الطائفية الأخيرة وإهمالها للأقباط، مشيرا إلى أنه كان يتوقع أن تكون وسائل الأمن أفضل حماية للشعب والأماكن من ذلك، وأوضح أنه بعد تلك الأحداث والهجمات الأخيرة المتوالية تعددت الوعود من الحكومة والسلطات بأخذ خطوات حاسمة ولكن لا جديد حتى الآن.

واستقبل البابا تواضروس أمس الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، لتقديم العزاء في شهداء أحداث الكاتدرائية والخصوص التي وقعت في مطلع الشهر الحالي، والتهنئة بعيد القيامة المجيد وذلك بسبب سفر شيخ الأزهر إلى الخارج وقت الاحتفال بالعيد.

وقال تواضروس عقب زيارة الطيب إن فترات الأعياد المسيحية والإسلامية فرصة لإظهار المحبة والتأكيد عليها خاصة لأن الأزهر ضارب بجذوره في التاريخ بالإسلام المعتدل، وأضاف قائلا: «طالما أن الأزهر والكنيسة بخير فمصر ستبقى دائما بخير مهما حدث من أحداث نعتبرها أزمات عابرة وتستمر مسيرة الحياة».

من ناحية أخرى، أرسلت الكنيسة الأرثوذوكسية دعوة خاصة لمؤسسة الرئاسة والرئيس محمد مرسي لحضور قداس عيد القيامة الذي يوافق الأحد 5 مايو (أيار) المقبل، وهو ما أثار حفيظة عدد من الأقباط الذين طالبوا البابا تواضروس بعدم دعوة الرئيس مرسي ودشنوا على موقع «فيس بوك» دعوة تحت عنوان «لا لدعوة القتلة بالكاتدرائية»، موضحين أنه منذ تولي مرسى للرئاسة يعاني الأقباط من اضطهاد ممنهج منه ومن جماعته، تمثل في ازدياد حالات الاختطاف للبنات القبطيات ومهاجمة الكنائس دون أي رد فعل للدولة.

وفي غضون ذلك، لم تفلح قوى المعارضة في تحريك الشارع المصري لدعم القضاة ضد ما وصفوه بـ«المذبحة» التي تعدها بحقهم جماعة الإخوان المسلمين على خلفية الدفع بتعديلات على قانون السلطة القضائية إلى المجلس التشريعي، بينما لقي مصري واحد على الأقل مصرعه في منطقة متاخمة للعاصمة أمس، بسبب مشاجرة على أولوية الحصول على أسطوانات الغاز المنزلي، سقط خلالها نحو 15 جريحا، وهو أمر يكشف قدر الصعوبات المتزايدة أمام حكومة الرئيس مرسي الذي يستعد لإجراء تعديل وزاري وصف بالمحدود، رفضت قوى المعارضة المشاركة فيه.

ويتحسب المصريون من المشاركة في المظاهرات التي غالبا ما يصحبها اشتباكات دامية. في ظل فقدان الثقة في أن يطرأ تحسن على أحوالهم الاقتصادية والأمنية المتردية، بحسب مراقبين.

واستجاب بضع مئات من المصريين في عدة محافظات لدعوة حركة «كفاية» للمشاركة في مظاهرات لدعم القضاة الذين دخلوا في مواجهة مع السلطتين التنفيذية والتشريعية اللتين تهيمن عليهما جماعة الإخوان التي ينتمي لها الرئيس المصري.

وهيمنت المجموعات التي تطلق على نفسها اسم «بلاك بلوك» على مسيرات الأمس في القاهرة، وتوجه أعضاء الـ«بلاك بلوك» المميزين بزيهم الأسود وأقنعة الوجه السوداء إلى دار القضاء العالي بوسط القاهرة، كما قطعوا لبعض الوقت خط مترو الأنفاق.

وتطارد السلطات المصرية نشطاء تقول إنهم ينتمون إلى الـ«بلاك بلوك» وتتهمهم بانتهاج العنف وحرق مؤسسات الدولة.

وقال الناشط السياسي محمد الزيات إن «هناك شعورا سائدا بأن جماعة الإخوان والرئيس مرسي تراجعا عن المضي قدما في معركتهم مع القضاة، لعل هذا يفسر ضعف المظاهرات». وكان حزب حليف لجماعة الإخوان قد تقدم للمجلس التشريعي بتعديلات على قانون السلطة القضائية من شأنه الإطاحة بنحو ثلاثة آلاف قاض بعد خفض سن التقاعد للقضاة إلى 60 عاما بدلا من سبعين عاما كما هو معمول به حاليا. ووافقت لجنة الاقتراحات والشكاوى بالمجلس التشريعي الأسبوع الماضي على طرح التعديلات على الجلسة العامة، لكن إرجاء جماعة الإخوان لمظاهرة كان مقررا لها أمس (الجمعة) تحت شعار «تطهير القضاء»، والتعويل على لقاء مرتقب بين الرئيس مرسي وأعضاء الهيئات القضائية يوم غد (الأحد) أضفى شعورا بأن الأزمة المشتعلة منذ أيام في طريقها للحل.