دمشق تقترح تحقيقا روسيا والمعارضة تطالب بتحرك «عاجل وحاسم».. وأوروبا بانتظار «أدلة دامغة»

جدل حول الخيارات الأميركية في سوريا بعد استخدام الكيماوي

سوريون يتظاهرون ضد نظام الرئيس بشار الأسد في جمعة «حماية الأكثرية» في محافظة الرقة شرق سوريا أمس «رويترز»
TT

توالت ردود الفعل حيال التأكيد الأميركي لاستخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا أول من أمس، ففي حين عرض وزير الإعلام السوري عمران الزعبي أن يقوم خبراء روس بإجراء تحقيقات في إمكانية استخدام السلاح الكيماوي في بلاده، طالبت المعارضة السورية، ممثلة بالائتلاف السوري، المجتمع الدولي بالتحرك بشكل «عاجل وحاسم» بعد التأكيد الفرنسي - البريطاني - الأميركي على استخدام الكيماوي في سوريا. إلى ذلك، قال مايكل مان، المتحدث باسم الممثلة العليا للسياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون، إن الاتحاد ما زال بانتظار «أدلة دامغة»، مضيفا أن ما حدث في سوريا «ليس واضحا تماما في هذه اللحظة».

وعلى الطرف الآخر من الأطلسي، لم تعلن الإدارة الأميركية بعد عن موقف محدد من الأزمة السورية عقب إعلانها وجود دلائل على استخدام السلاح الكيماوي في سوريا. وأوضح البيت الأبيض أن الأدلة على استخدام الأسلحة الكيماوية لا تزال ضعيفة، وهذا يعني أن التدخل العسكري من جانب الولايات المتحدة في سوريا ليس وشيكا، وليس مضمونا، وأن ما تطالب به الإدارة الأميركية في الوقت الحالي هو القيام بمزيد من التحقيقات وجمع الأدلة والتشاور مع الشركاء والحلفاء.

وبينما يصر كبار مستشاري البيت الأبيض على أن نظام الرئيس بشار الأسد لم يعبر الخط الأحمر الذي حدده الرئيس أوباما، وأن الأدلة المتوفرة ليست صلبة بما يكفي، وطالبوا بمزيد من الإثباتات والأدلة ذات المصداقية، يطالب أعضاء في الكونغرس الإدارة الأميركية بالقيام بتصرف حيال قيام نظام الأسد باستخدام الكيماوي في كل من محافظتي حلب وإدلب. وقال السيناتور عن ولاية أريزونا جون ماكين «يجب أن نعطي المعارضة القدرة على طرد الأسد مرة واحدة وإلى الأبد»، داعيا إلى إنشاء منطقة حظر طيران في شمال سوريا على طول الحدود مع تركيا، بينما دعا رئيس لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي كارل ليفين إلى الضغط العسكري على الأسد، وقال «أعتقد أنه من المهم على الإدارة البحث عن سبل لزيادة الضغط العسكري على الأسد».

وفي محاولة لامتصاص ردود الفعل، اقترحت الحكومة السورية أن يقوم خبراء روس بالتحقيق في مزاعم بشأن استخدام السلاح الكيماوي في سوريا. وقال الوزير الزعبي، الذي يقوم بزيارة إلى روسيا، إن بلاده تقترح أن يقوم الخبراء الروس بإجراء التحقيقات، نافيا أن تكون حكومة بلاده قد قامت باستعمال تلك الأسلحة ضد مسلحي المعارضة.

وأوضح الزعبي، في تصريحات صحافية أمس، أن «الحكومة السورية حتى في حال امتلاكها للسلاح الكيماوي فلا يمكن أن تلجأ إليه وتستعمله، ولم ولن تستخدمه على الإطلاق»، حتى ضد إسرائيل، وأوضح أن هذا القرار «ليس مجرد قرار سياسي، بل هو قرار أخلاقي وشرعي وإسلامي ومسيحي».

من جانبها، دعت المعارضة السورية إلى تحرك «عاجل وحاسم» للأمم المتحدة بعد إقرار الولايات المتحدة باستخدام نظام الأسد للكيماوي. وقال مسؤول في الائتلاف الوطني لقوى المعارضة والثورة السورية أمس إن فرنسا وبريطانيا «تؤكدان حيازتهما معلومات حول استخدام النظام للأسلحة الكيماوية. واليوم تقول الولايات المتحدة الشيء نفسه. آن الأوان ليتحرك مجلس الأمن». وأضاف: «إنها مسألة مهمة جدا، وشلل مجلس الأمن حول الملف السوري لا يجب أن يبرر عدم تحرك الأمم المتحدة».

أما في إسرائيل، دعا النائب تساحي هنغبي، أحد المقربين من رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى عدم التدخل العسكري ضد نظام الأسد، قائلا إن «هذا التدخل سيحرف أنظار العالم عن مصيبة التسلح النووي الإيراني، ولذلك ليس من صالحنا أن ينشغل العالم به».

وأضاف هنغبي، في حديث مع الإذاعة الرسمية الإسرائيلية، أن أكثر من 80 ألف مواطن سوري قتلوا في سوريا، ولم يتحرك العالم. ويبدو أنه لن يتحرك، كل لحساباته الخاصة. وعليه، لا ينبغي على الإسرائيليين أن يخرجوا بحملة ضغوط على الغرب لضرب سوريا.

وكان الإعلام الإسرائيلي قد خرج بموجة من المقالات والتحليلات التي تشيد بما سماه «الإنجاز الاستخباري الكبير» للمخابرات الإسرائيلية، التي كانت سباقة في الإعلان الرسمي أن سلاحا كيماويا قد استخدم في سوريا في الأسابيع الأخيرة.

أوروبيا، قال المتحدث باسم كاثرين أشتون، مان، إن الاتحاد لا يزال «يراقب عن كثب هذا الموقف مع شركائنا الدوليين لمعرفة ما حدث بالفعل لأنه ليس واضحا تماما في هذه اللحظة». وتابع المتحدث أن «الخط الذي نتبعه بسيط للغاية: أي استخدام للأسلحة الكيماوية في أي ظروف مرفوض رفضا تاما بالطبع»، داعيا إلى السماح للأمم المتحدة بالتحقيق في هذا الأمر داخل سوريا.

وترفض سوريا حتى الآن استقبال محققي الأمم المتحدة وتعتبرهم أشخاصا غير مرغوب فيهم وتنفي استخدام أسلحة كيماوية وتتهم مقاتلي المعارضة باستخدامها.

كما أعلن رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون الجمعة أن «الأدلة المتزايدة» على استخدام النظام السوري لأسلحة كيماوية تصعيد «خطير وجريمة حرب»، معربا في الوقت نفسه عن معارضته لإرسال قوات بريطانية إلى سوريا. وقال «أعتقد أن بوسعنا بذل المزيد من الضغوط على النظام والعمل مع شركائنا والمعارضة من أجل التوصل إلى الحل المناسب».

من جانبها، أكدت تركيا أمس أن أي استخدام للأسلحة الكيماوية من جانب نظام الأسد «سينقل الأزمة إلى مستوى آخر»، لكنها ظلت على حذرها من أي تدخل عسكري أجنبي في الصراع على حدودها. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية ليفنت جومروكجو «نسمع مزاعم عن استخدام أسلحة كيماوية منذ فترة وهذه المعلومات الجديدة تأخذ الأمور إلى مستوى آخر. إنها مثيرة لقلق بالغ». وأضاف أنه «منذ ظهرت أول التقارير عن استخدام أسلحة كيماوية في سوريا ونحن نطلب أن تجري الأمم المتحدة تحقيقا شاملا للتحقق من هذه التقارير. لكن النظام السوري لم يسمح بذلك».

وفي سياق متصل، أكد مايكل لوهان، المتحدث باسم منظمة حظر الأسلحة الكيماوية، ومقرها لاهاي، أن الأدلة المجموعة حتى الآن لا تلبي معايير الأدلة التي يحتاجها فريق خبراء من الأمم المتحدة ينتظر لجمع أدلة ميدانية. وأضاف لوهان أن المعايير ستكون على أساس الوصول إلى المواقع المعنية وأخذ عينات من التربة أو الدم أو البول أو الأنسجة وفحصها في معامل معترف بها، مؤكدا أن هذا هو «الأساس الوحيد الذي ستقدم المنظمة بناء عليه تقييما رسميا بشأن استخدام أسلحة كيماوية».

* آراء خبراء:

* كريس فيليب، المعهد الملكي للشؤون الدولية «تشاتم هاوس» : ليس مفاجئا أن يستخدم نظام الرئيس بشار الأسد الأسلحة الكيماوية ضد شعبه، فقد كان واضحا منذ الأيام الأولى للثورة ضده أنه لن يألو جهدا في سبيل سحق معارضيه. السؤال المهم الآن هو: إلى أي مدى سيدفع هذا التطور المجتمع الدولي؟

نظام الأسد ابتدأ باستخدام الدبابات، ثم أدخل المدفعية والطائرات الحوامة والقوة الجوية، وأخيرا صواريخ السكود إلى المعركة، وهذا يشير إلى أنه يقيس مدى تحمل المجتمع الدولي.

الرئيس الأميركي باراك أوباما قال إن استخدام الأسلحة الكيماوية خط أحمر، لكنه لم يقل ما الذي سيحدث إن تم تجاوز هذا الخط الأحمر.

* شاشانك جوشي، معهد الخدمات الملكية المتحد «روسي»: أعتقد أن لديهم ثقة تامة أن هجوما بغاز السارين قد تم بالفعل، والمملكة المتحدة لديها عينات من «النسيج الجسماني» مأخوذة من موقعين منفصلين. ولا أعتقد أن لندن كانت ستصرح بموضوع بهذه الخطورة لو لم تكن متأكدة، لكن ما ليس واضح هو متى حدث ذلك؟ وهل كان تفجيرا أم هجوما؟