ناجون من مجزرة الحويجة: قوات «سوات» انهالت علينا شتما مذهبيا فضربا.. ثم قتلا

«الشرق الأوسط» تتفقد جرحى يتلقون العلاج في مستشفيات كردستان

أحد الناجين من مجزرة الحويجة يتلقى العلاج في مستشفى بأربيل («الشرق الأوسط»)
TT

ما حدث في بلدة الحويجة بمحافظة كركوك الثلاثاء الماضي يحمل بين ثنايا تفاصيله المروعة، وبشهادة شهودها، بعدا طائفيا يمكن أن يغير الوضع السياسي الهش في العراق أصلا بدرجة كبيرة. وأجمع الناجون الذين تحدثت إليهم «الشرق الأوسط» في مستشفيات كردستان حيث يتلقون العلاج، على أن الهدف من ذلك الهجوم كان شن حرب طائفية، مستشهدين بـ«الشتائم ذات الطابع المذهبي»، التي قالوا إنها صدرت عن عناصر قوات «سوات»، أو «القوات القذرة»، التابعة لرئيس الوزراء نوري المالكي التي نفذت عملية اقتحام ساحة الاعتصام.

ففي زيارة لمستشفى طوارئ أربيل، تحدث بداية مديرها الدكتور روند مشير حويز مبينا أنه «بعد وقوع الأحداث في الحويجة، وبناء على أوامر السيد رئيس الإقليم، أعلنا حالة الاستنفار بالمستشفى لاستقبال المصابين هناك، وتسلمنا في الوجبة الأولى 17 مصابا، ثم تم تحويل حالتين أخريين من مستشفى كركوك ليبلغ عدد الجرحى الذين عالجناهم 19 شخصا، أجرينا عمليات جراحية عاجلة لثلاثة منهم، والبقية ما زالوا يتلقون العلاجات والرعاية الطبية، ومعظم الحالات تعاني كسورا وإصابة بالطلقات». وبسؤاله عن أحوالهم بعد مرور أسبوع من العلاجات، قال الدكتور روند: «الحمد لله، تمكنا من تقديم العلاجات الضرورية لجميع المصابين وتعافى بعضهم وعادوا إلى بلدتهم، وهناك ثماني حالات أخرى قيد المتابعة والرعاية، وثلاثة من الجرحى فقط يعانون مضاعفات، منهم أحد المصابين الذي يعاني ضيق التنفس وأجرينا له عملية فتح صدر، وآخر يعاني قطع شريان ساقه وقد نحتاج إلى عملية بتر إذا لم تفد معه العلاجات، وآخر حدثت له مضاعفات بسبب إصابته بالصدر أيضا، والبقية بخير، ونحن مستمرون في معالجتهم، وهناك ثلاث حالات أصيبوا بطلقات في الرأس حولناها إلى مستشفى رزكاري، لأنهم يحتاجون إلى رعاية خاصة هناك».

المصاب برهان الجبوري، روى كيف بدأت عملية الاقتحام قائلا: «وقعت اشتباكات بين مراتب الجيش والشرطة المحلية إثر ملاسنة بين المتظاهرين والجنود فحدث تضارب بالأيدي، وبما أن منطقتنا منطقة عشائرية فقد لجأ المتظاهرون إلى أقربائهم وأبناء عشيرتهم الذين هبوا لنجدتهم، ولكن الجيش بدأ بإطلاق النار، وحشدت قوات (سوات) عناصرها ومعها قوات الفرقة القذرة وهي الفرقة المستقدمة من جنوب العراق بالناصرية ومعها دبابات وصواريخ، فحاصروا ساحة الاعتصامات ثم بلدة الحويجة، وعندها بدأ الهجوم على السكان المدنيين». وبسؤاله عن أن الحكومة تتهم المتظاهرين بأنهم هم من بادروا أولا بإطلاق النار، فأجاب: «هذا كذب وافتراء، فنحن ناس مسالمون ليس بأيدنا أي أسلحة، عندما هاجمونا هدمنا الخيم وأخذنا عصيها لمواجهة الجيش، وكانت تلك العصي هي الأسلحة الوحيدة بأيدينا للدفاع عن أنفسنا، كنا نطالب بحقوقنا لا أكثر، أنا أتحدث إليك عن نفسي، فأنا خريج كلية منذ أربع سنوات جالس في بيتي من دون وظيفة، وبرقبتي 14 نفرا من العائلة، فكيف أعيشهم؟». وعن اتهامات الحكومة بوجود أسلحة مخبأة في ساحة الاعتصامات ووجود عناصر من تنظيم القاعدة والبعثيين، قال الجبوري: «هذا كله كذب، عندما تقدمت قوات (سوات) قلنا لهم تعالوا ادخلوا إلى الساحة وفتشوا كما يحلو لكم، ولكن عندما دخلوا الساحة وأثناء التفتيش كانوا يدخلون أسلحة إليها حتى يدعوا أنهم وجدوا أسلحة مخبأة، وبعد أن جاء وزير التربية محمد تميم وعدد من نواب البرلمان قلنا لهم فتشوا كل أرجاء الساحة، ولكن قيادة قوات سوات رفضت عرضنا وأصرت على الاقتحام». وتابع: «كل هذا التصعيد الذي حصل يتحمل مسؤوليته رئيس الوزراء نوري المالكي الذي نفذ مخططا وضعه وزير الإطلاعات الإيراني مصلحي (...) أراد بهذا المخطط الخبيث أن يحدث حربا طائفية بين السنة والشيعة».

وكان مصدر قيادي رفيع المستوى قد أسر لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق، مشترطا عدم ذكر اسمه، أن «من بين 51 جثة تحولت إلى مستشفى كركوك أثناء الأحداث الدامية بالحويجة، كان هناك بين 20 - 25 جثة قتل أصحابها بطلقات في الرأس أو الحلق». وبمواجهة الجبوري بحقيقة هذا الموضوع، أيد ذلك بقوله: «نعم هذا صحيح، فقد جرى ذلك أمام عيني، وشاهدت عشرين شخصا يزجون في بيت قيد الإنشاء بالبلدة، وسمعت قائدهم العسكري يأمر جنوده بقتلهم، وكان بينهم عدد من الجرحى، وتوسلت إلى أحد الجنود ألا يقتل صبيا في العاشرة من عمره، ولكنه نفذ أمر ضابطه وقتله غدرا وهو لم يكن مسلحا ولا حول له ولا قوة». وأشار الجبوري إلى أن «قوات قيادة دجلة تعاونت بشكل جيد مع المتظاهرين، وواجهت قوات (سوات) الذين كانوا هم فقط من يقتلون الناس المدنيين، وفي سيطرة قريبة من ساحة الاعتصام سمعت بأذني أن بعض أفرادها يتحدثون الفارسية، وهذا دليل على وجود تعاون إيراني مع المالكي للقضاء على السنة وبث الفتنة الطائفية».

علي خلف محمد أصيب بدوره بطلق ناري ويقول: «أنا رجل مسلم ومؤمن بعدالة المطالب التي رفعها المتظاهرون ولذلك انضممت إليهم، وكنت في الساحة أصلي وأسبح عندما هاجمتنا قوات (سوات) وبدأت أولا بضربنا، فكنت أتوسل إلى الجنود وأخاطبهم: خاطر الله ارحمونا». ويضيف: «ما رأيته هناك شيء لا يصدق، فما فعلوه لا يفعله مسلم بأخيه المسلم، وأقسم لك بالله أننا لم نكن نملك ولو حتى سلاحا أبيض عندما هاجمونا بطلقات الرصاص».

بدوره، قال مكي حمود صالح الذي أصيب بعدة طلقات نارية: «كنت وأخواني في المظاهرة وكنا سلميين ولا أسلحة بأيدينا ولا وجود للبعثيين مطلقا. كنا طالعين نصلي الجمعة. المصادمات حدثت بينهم أولا، بين الفرقة 12 للجيش وقوات (سوات)، كنت بالساحة وسمعت ضابطا يأمر جنديا بإطلاق النار علينا وقال له: أطلق عليهم واقتلهم.. هؤلاء الناس السنيين. لكن الجندي عصى أمره ولم يطلق النار، فما كان من الضابط إلا أن قتل الجندي، وبعد أن علم أحد أبناء عمومة هذا الجندي بالحادث هاجم الضابط وطعنه فقتله، وهذا حادث لم يكن لنا دخل به أساسا. وعندما جاء الوزير محمد تميم وبقي معنا للتفاوض إلى حدود الساعة الثالثة والنصف فجرا، ولكن ما إن غادر الوزير حتى بدأت قوات (سوات) بمحاصرة الساحة وبدأ إطلاق النار (...)، لقد كانت فعلا مذبحة لم أر مثلها في السابق وأمام عيني أعدموا عدة أشخاص ميدانيا، حتى إن سياراتهم كانت تدوس على الجثث الملقاة هناك». ويختم هذا المواطن الذي أصيب بثلاث طلقات: «لقد استشهد الكثيرون وأصيب المئات، فما الذي ننتظره من هذه الحكومة التي تقتل أبناءها، لقد كان صدام يفعل هذا الشيء حتى أعدم وذهب إلى غير رجعة».