رئيس صريح لضبط الهدوء في البرلمان البريطاني

جون بيركو يلجأ إلى الصياح لإسكات النواب.. ومهمته الصعبة أكسبته خصومة بعضهم

رئيس مجلس العموم البريطاني جون بيركو (نيويورك تايمز)
TT

من السهل رصد جون بيركو خلال حصة مساءلة رئيس الوزراء، عندما يصيح المشرعون البريطانيون في وجه بعضهم البعض ويسخرون من بعضهم البعض مثل طلبة غير مهذبين. ويردد بيركو، رئيس مجلس العموم البريطاني (البرلمان) «نظام، نظام»، محاولا حمل المشرعين على الصمت في خضم الجلبة. وقال بيركو ذات مرة موجها كلامه إلى تيم لوتون، الذي كان حينها وزيرا لشؤون الأطفال: «حاول أن تهدأ وتتصرف كناضج». كما قال مرة أخر إلى غراهام ستيوارت، النائب المنتمي إلى المحافظين محذرا: «لا تهز رأسك نحوي». وقال لمايكل إليس، المحامي الذي أصبح عضوا في البرلمان: «إنك محام ممارس مميز، لم تكن لتأتي بمثل هذا السلوك في المحاكم، لا تتصرف بهذه الطريقة في هذا البرلمان». وأحيانا يصغي إليه المشرعون وأحيانا لا يصغون.

يعد بيركو رئيس مجلس العموم رقم 157، علما بأن هذا المنصب يعود تاريخه إلى عام 1377. مع ذلك فإن بيركو شديد التعصب لمهمته، وهو يريد من المشرعين أن يتصرفوا كأشخاص ناضجين لا مراهقين هائجين قضوا وقتا طويلا في قراءة رواية «أمير الذباب» ويلقون بالأشياء في وجه بعضهم البعض في الكافتيريا. وقال بيركو البالغ من العمر 50 عاما في مقابلة أجريت مؤخرا في مكتبه الفخم في البرلمان: «عندما تتعالى الأصوات إلى حد يتجاوز ما حلم به فريق ديب بيربل في أوج نجاحه في السبعينات فهذا أمر سلبي».

يقيم بيركو في شقة بالطابق العلوي مع أبنائه الثلاثة وزوجته سالي، المؤيدة القوية لحزب العمال والتي ظهرت في برنامج «سليبريتي بيغ براذر» وتتجه آراؤها الاستفزازية نحو تعقيد حياة بيركو، وقال بيركو: «أرى أنها ليست مجرد ظل لزوجها، إنها زوجتي، لكنها ليست جارتي». ولدى العائلة قطة تسمى «أوردر» (نظام)، وهي التي تمنحه على الأرجح فرصة التدرب على تقنيات الصياح.

تم انتخاب بيركو رئيسا لمجلس العموم عام 2009 بعد منافسة قوية على المنصب. إنه محافظ استعدى بعض زملائه بانتقاله من التيار اليمين إلى الجناح الأيسر من حزب المحافظين. واستقال من الحزب عندما أصبح رئيسا للبرلمان كما هو متبع. وفي الوقت ذاته حظي بدعم كثير من أعضاء حزب العمال لاعتقادهم أن وجوده في هذا المنصب سيزعج حزب المحافظين، وقد كانوا محقين في ذلك.

وأوضح بيركو أنه ترشح للمنصب عندما كان البرلمان في وضع مخز بعد الكشف عن إنفاق كثير من الأعضاء الأموال التي يحصلون عليها في شراء مواقد جديدة وتنظيف القنوات المائية. وقال، إن من الأسباب التي دفعته إلى الترشح التقدم بخطى أسرع والمزيد من الشرعية الديمقراطية وتعزيز الرقابة من خلال الإصلاح. وأضاف: «يمكنني القول إن جذور دوافع مثل تلك الإصلاحات في صالح البرلمان». يتحدث بيركو بأسلوب مستثار لكنه منضبط وكأنه رجل دولة يدلي بخطاب سياسي مهم. إنه مغرم بتقنية أحاديث يتخذ فيها وضعا معينا ويجيب عن الأسئلة الموجهة إليه. وقبل أن يتولى منصب رئيس البرلمان، كان يعرف بيركو بإضفاء نزعة مولعة بالتفاصيل على السجالات البرلمانية؛ فقد شرح يوما ما لأحد الزملاء الفرق بين «أقل» التي تستخدم مع الكلمات التي لا تجمع و«أقل» التي تستخدم مع الكلمات التي لا تجمع. وفي مرة أخرى قاطع وزيرا ليقول له «لا تباعد بين مصادر الأفعال»، وما كان من الرجل المهذب المنزعج إلا القول، إن من الضروري أن يتحلى المرء بالحرص وإلا سيأتي أحدهم ليباعد بين مصادر أفعاله.

يكره الكثير من أعضاء البرلمان المواعظ أو السيطرة، لذا لا يتمتع بيركو بشعبية كبيرة. ويعبر بعض الأعضاء المحافظين عن بغضهم له علانية. ويميل منتقدوه إلى استخدام كلمات مثل «متعجرف» و«متفاخر» و«طموح» لوصفه. ويقول كثيرون، إن سبب هذا هو أن بيركو دخيل على المؤسسة النخبوية التي يهيمن عليها محافظون صغار وخريجو كلية «إيتون».

قال عضو سابق في البرلمان: «لديك أعضاء في حزب المحافظين بوجوه حمراء غاضبة وحانقة لا تتحمل وجود هذا الدخيل الصغير في موقع الرئاسة»، في إشارة إلى طول بيركو الذي يبلغ 5 أقدام ونصف القدم وليس من خريجي «إيتون». ورفض هذا العضو ذكر اسمه حتى لا يعرف عنه التفوه بأوصاف غير لائقة.

نشأ بيركو، وهو ابن ليهودي يعمل بالمبيعات عاش أياما عصيبة قبل أن يقود سيارة أجرة، في شمال لندن وارتاد مدرسة حكومية محلية ثم التحق بجامعة إسكس واجتهد كثيرا وساعد نفسه بنفسه وهو أمر صعب جدا في بريطانيا.

انخرط بيركو المنضبط وصاحب العزيمة القوية إلى حزب المحافظين ودخل البرلمان عام 1997 وسرعان ما ضبط لكنته ولغة خطابه، والتحق بدورات تعليمية للحديث أمام الناس. في مكان مثل مجلس العموم البريطاني، لا يوجد شيء يماثل عزلة ووحدة رجل صنع نفسه بنفسه ووصل إلى موقع نفوذ. وقال أحد النواب: «كان البعض وقحا جدا معه».

ويقول منتقدوه، إنه يرد على الوقاحة بوقاحة وهو راض عن نفسه إلى حد كبير. وقال بيركو: «إذا كان أحدهم وقحا جدا، سيكون من الممتع التعامل معه، لكن إذا سألتني ما إذا كنت رغبت في أن أكون رئيسا للبرلمان حتى ألقن هؤلاء درسا، فسأقول لك لا، لأنني أعتقد أن هذا سبب مؤسف، بل مثير للشفقة. أنا أريد أن أصبح رئيسا للبرلمان لأنني لطالما آمنت بالبرلمان ودوره».

يشعر المحافظون أن بيركو يتعامل بصرامة معهم أكثر مما يتعامل مع المعارضين، وعرف عنه توجيه رئيس الوزراء ديفيد كاميرون في ما يتعلق بفروق ضئيلة خاصة بإجراءات برلمانية. ومع ذلك لم يقف بعض أشد منتقديه دون أن يحركوا ساكنا، ومنهم مارك بريتشارد، العضو في حزب المحافظين، الذي وجه إليه سبابا خلال محادثة غير لطيفة عام 2011 وأشار بقسوة إلى أن بيركو ليس «من العائلة المالكة». تصالح الاثنان بعد ذلك، حتى أن بريتشارد أصبح ضمن فريق بيركو. وقال في رسالة إعجاب عبر البريد الإلكتروني: «ساعد رئيس البرلمان في عودة مجلس العموم إلى وضعه الصحيح مرة أخرى. إنه يمنح أعضاء البرلمان الذين لا يشغلون منصبا وزاريا فرصة للتعبير عن آرائهم. وهذا أمر إيجابي بالنسبة إلى البرلمان والديمقراطية. إنه يحظى باحترام أكثر الأشخاص الموضوعيين لهذا السبب». ومع ذلك ليس من ضمن هؤلاء وزير النقل، سايمون بيرنز، الذي نعت بيركو ذات مرة بـ«القزم الغبي المتظاهر بالقوة» في مجلس العموم. وبعد اعتراض مجموعة مصالح تدافع عن حقوق الأقزام، اعتذر بيرنز لكل مجموعة رأت أن ملاحظاته مهينة، لكنه رفض الاعتذار إلى بيركو.

وقال بيرنز في مقابلة تمت عبر الهاتف: «إذا تأملنا ما حدث، سنجد أن وجود القصير كان غير ضروري». وتجاوز بيركو هذا الأمر وقال: «لا أريد أن أزحف على آثار خلافات الماضي». لقد كانت لديه أمور أخرى في ذهنه، حيث ذكر مؤخرا أنه وزوجته كانا يناقشان عدم الانضباط في مجلس العموم عندما قاطعهما ابنهما فريدي ذو السبعة أعوام. وقال بيركو: «لقد التفت ابني إلي وقال لي إن أكثر من في مجلس العموم وقحين، لكنك لست كذلك، فأنت تحاول منعهم من التصرف بوقاحة مع بعضهم البعض. وقلت له إن هذا هو أفضل توصيف يلخص الوضع حقا».

* خدمة «نيويورك تايمز»