غوانتانامو: ارتفاع عدد المضربين عن الطعام لـ97 بينهم 19 يتغذون بـ«أنابيب»

الحصيلة في ارتفاع مستمر منذ انطلاق التحرك الاحتجاجي

مسؤول طبي يظهر انبوبا للتغذية لاستخدامه مع سجناء غوانتانامو المضربين عن الطعام (رويترز)
TT

اتسعت حركة الإضراب أول من أمس في معتقل غوانتانامو حيث يزداد عدد السجناء الذين تتم تغذيتهم بالقوة في إجراء تعتبره منظمات كثيرة مخالفا لحقوق الإنسان. وقال الناطق باسم المعتقل اللفتنانت كولونيل صموئيل هاوس لوكالة الصحافة الفرنسية: «سنواصل العمل لمنعهم من الموت جوعا». وأفادت أرقام تنشر يوميا وتشهد ارتفاعا مستمرا أن الإضراب أصبح يشمل97 معتقلا من أصل 166 شخصا في هذا السجن. ومن بين المعتقلين الـ97 المضربين عن الطعام عدد قياسي يبلغ 19 معتقلا يتم إطعامهم بواسطة أنابيب متصلة مباشرة بالمعدة عن طريق حاجز الأنف، وفق اللفتنانت كولونيل هاوس. ومن بين هؤلاء المعتقلين الـ19 نقل خمسة إلى المستشفى، لكنهم لم يكونوا معرضين «لخطر الموت» على حد قوله. وهذه الحصيلة في ارتفاع مستمر منذ انطلق التحرك الاحتجاجي في السادس من فبراير (شباط) الماضي، ومنذ البيانات الأولى التي قدمتها السلطات العسكرية وتحدثت فيها عن 9 مضربين عن الطعام في 11 مارس (آذار)، وأضاف الناطق العسكري أنه «يحق لهؤلاء المعتقلين الاحتجاج. لكن مهمتنا هي أن نؤمن لهم بيئة سليمة وإنسانية وآمنة ولن نترك سجناءنا يموتون جوعا». ويأتي ذلك بينما تثير مسألة تغذية السجناء عنوة جدلا. فقد أكدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر التي أرسلت مؤخرا فريقا إلى غوانتانامو «إنه موضوع خلاف مع الولايات المتحدة». وتمنع اللجنة الدولية للصليب الأحمر ومنظمات أخرى للدفاع عن حقوق الإنسان هذه الوسيلة معتبرة أنها «مخالفة للمعايير الأخلاقية المهنية والطبية المحددة» على المستوى الدولي. وقال فنسنت لاكوبينو خبير الشؤون الطبية في منظمة «هيومن رايتس ووتش» أنه «إذا عبر شخص سليم عقليا عن رغبته من الامتناع عن الحصول على الغذاء والماء، فمن الواجب للأخلاق للطاقم الطبي احترام رغبته». وأضاف الطبيب نفسه في تصريحات لصحيفة «ميامي هيرالد»: «في هذا الإطار، تغذية شخص بالقوة لا يشكل انتهاكا أخلاقيا فحسب بل يمكن أن يعتبر تعذيبا أو سوء معاملة». ووجهت الجمعية الطبية الأميركية الجمعة رسالة احتجاج إلى الكونغرس أثارت ارتياح محامي المعتقلين اللذين يطالبون بنقل السجناء وإغلاق المعتقل. وقال المدير التنفيذي لمركز الدفاع عن الحقوق الدستورية فنسنت وارن «بتأكيدها معارضتها لتغذية المعتقلين بالقوة، وجهت الجمعية الطبية انتقادا حادا لرد إدارة (الرئيس الأميركي باراك) أوباما على هذا الإضراب عن الطعام». من جهته، قال المحامي عمر فرح من مركز الدفاع عن الحقوق الدستورية لوكالة الصحافة الفرنسية إن «نظام الإطعام عنوة قاس جدا». وأضاف أن أحد موكليه قال له إنه تخلى عن إضراب عن الطعام في الماضي بعدما «تمت تغذيته عنوة إلى درجة أنه أصبح (ممتلئا) لحد الاستفراغ». وأوضح أستاذ العلوم الطبية أبايومي أكانجي للصحافة الفرنسية «من وجهة النظر الطبية هناك تقنية تمليها الظروف وليست مريحة». وأضاف: «إذا كان هناك مريض لا يتعاون فيمكن أن تواجه كثيرا من المشكلات».

وتطبق السلطات العسكرية إجراءات جديدة لإبلاغ المحامين عندما يتم «ربط (موكليهم) بالأنابيب».

وقال اللفتنانت كولونيل هاوس إنه يرفض عبارة «التغذية عنوة» لأنها تترك انطباعا بحديث عن «رسوم متحركة» يظهر فيها «أفراد مكبلون يصرخون وفمهم مفتوح بينما يدفع الغذاء إلى حلقهم». وأضاف «في الواقع، كثير من المعتقلين يضربون على أبواب زنزاناتهم ويطلبون تغذيتهم» والحصول على «المواد الغذائية بأنبوب». وتابع الضابط نفسه «إنهم يضربون عن الطعام للتعبير عن مطلب لكنهم لا يريدون أن يموتوا».

ويؤكد محامو المعتقلين منذ البداية أن نحو 130 رجلا يشاركون في هذا الإضراب عن الطعام الذي بدأ في فبراير الماضي بعدما تم تفتيش مصاحف بطريقة اعتبرها المعتقلون مسيئة للإسلام. كما يشدد هؤلاء المحامون على أن السبب الرئيسي للإضراب يبقى الاعتقال المستمر لسجناء غوانتانامو منذ 11 عاما من دون توجيه اتهام ولا محاكمة. وقالت لورا بيتر من منظمة «هيومن رايتس ووتش» الحقوقية إن «الاعتقالات غير الشرعية من دون محاكمة في غوانتانامو مستمرة منذ أكثر من عقد من دون أي حل في الأفق، لذا من غير المفاجئ أن يشعر هؤلاء المعتقلون باليأس». وأضافت في بيان أن إدارة أوباما «عليها ببساطة بذل المزيد من الجهود لإنهاء هذه الممارسة غير الشرعية التي ستسبغ التاريخ الأميركي بوصمة سوداء إلى الأبد».

وأكد البيت الأبيض أمس أنه «يتابع عن كثب» الإضراب عن الطعام، مكررا «التزام الرئيس باراك أوباما إغلاق السجن».

إلى ذلك استمر الإضراب عن الطعام الذي يقوم به سجناء بمعتقل خليج غوانتانامو العسكري الأميركي بكوبا، واتساع نطاقه، تُوجّه انتقادات لسياسة تغذيتهم قسرا التي يتبناها الرئيس الأميركي باراك أوباما.

ولكن تحليلا لأحكام القضاء في هذه الصدد يبين أن القانون الأميركي يقف في صف هذا الإجراء. وخلص معظم القضاة الذين نظروا في مسألة التغذية القسرية في السجون إلى أن هذه الممارسة ربما تمثل انتهاكا لحق النزيل في التحكم في جسده، وفي الخصوصية، وهما حقان أصيلان في الدستور الأميركي والقانون العام، لكن قضوا أيضا بأن اعتبارات إدارة السجن تفوقهما من حيث الأهمية.

وتنظر المحاكم بصفة عامة إلى الإضراب عن الطعام على أنه محاولة انتحار، وأقروا بحق مديري السجون في وقف أي محاولات انتحار في إطار التفويض الممنوح لهم لحفظ النظام.

وحتى يوم الخميس الماضي، انضم 94 من 166 سجينا في غوانتانامو إلى الإضراب، مما يعني عدم تناول 9 وجبات متتالية على الأقل. وحسب تقرير للجيش، فإن 17 منهم فقدوا من وزنهم ما يستوجب تغذيتهم بسوائل قسرا من خلال أنابيب، ونقل ثلاثة للمستشفى لمراقبة حالاتهم الصحية.

وقال اللفتنانت كولونيل صمويل هاوس المتحدث باسم السجن إن حالة المحتجزين في المستشفى لا تمثل خطرا على حياتهم.

وبدأ النزلاء المضربون امتناعهم عن تناول الطعام في فبراير (شباط)، بزعم الإساءة في التعامل مع المصاحف أثناء عمليات التفتيش بحثا عن ممنوعات، واحتجاجا على طول فترة السجن.

وقال الجنرال جون كيلي قائد القوات المسلحة الأميركية في أميركا اللاتينية إن الادعاءات الخاصة بالمصاحف غير صحيحة. وأثار مقال للرأي كتبه المعتقل اليمني سمير ناجي الحسن مقبل، الموجود في السجن منذ عام 2002، ونشرته صحيفة «نيويورك تايمز»، الأسبوع الماضي، جدلا حول التغذية القسرية. واعتقل مقبل مثل الآخرين في الخارج للاشتباه في دعمه الإرهاب.

وقال مقبل في المقال الذي أملاه على محامين من خلال مترجم: «لن أنسى قط أول مرة أُدخل فيها الأنبوب إلى أنفي، ولا يمكنني أن أصف مدى الألم الذي تسببه التغذية القسرية بهذا الأسلوب».

ويدين نشطاء حقوق الإنسان وكثير من الأطباء التغذية القسرية للمضربين عن الطعام، بوصفها انتهاكا للحريات الشخصية والأخلاقيات الطبية، كما قد يكون لها مضاعفات مثل حدوث نزيف وغثيان والتهاب في الحلق.

وذكر الاتحاد العالمي للطب الذي تأسس قبل 65 عاما، ويضم أكثر من 100 اتحاد وطني أنه أسلوب غير أخلاقي، موضحا أنه لا يوجد ما يمكن أن يبرر تغذية شخص عاقل بالغ قسرا.

ويقول كارلوس وارنر المحامي الذي انتدبته الحكومة لتمثيل 11 من المعتقلين في غوانتانامو، من بينهم الكويتي فايز الكندري، إن ثمة انقساما بين محامي المعتقلين في هذا الصدد.

وأضاف وارنر أن البعض لديه موقف واضح ضد لجوء الحكومة للتغذية القسرية، ولكنه فشل في إقناع المحكمة الاتحادية في واشنطن بحجته. وتابع: «يرى محامون آخرون أنه ينبغي ألا يتركوا موكليهم يموتون قبل أن تتاح لهم فرصة إطلاق سراحهم».

وقالت مجموعة قانونية تعرف باسم «مشروع الدستور» وتضم ديمقراطيين ومحافظين في الأسبوع الماضي إن التغذية القسرية في غوانتانامو نوع من سوء المعاملة، ويجب أن تتوقف.

ويعارض الجيش الأميركي هذا الرأي ويقول إن التغذية القسرية ليست قانونية فحسب، بل إنها عمل إنساني أيضا. واتفق قاض اتحادي مع هذا الرأي في عام 2009، وأصدر حكما ضد محمد باوزير اليمني المحتجز في غوانتانامو منذ عام 2002، الذي وصف التغذية القسرية بأنها ضرب من التعذيب. ورأى القاضي أن المسؤولين لجأوا للتغذية القسرية للضرورة لإنقاذ حياة السجين.

ويتمثل العائق الآخر أمام أي قضية في قانون التفويض العسكري الصادر في عام 2006، الذي يحظر على المحاكم الأميركية النظر في أي قضايا تخص معاملة السجناء في غوانتانامو. وحتى إن نظرت القضية فإن أغلب الأدلة تشير إلى أن الحكم لن يكون لصالح معتقلي غوانتانامو.

والأغلب أن القانون الدولي الذي يحظر معاملة السجناء بطريقة غير إنسانية، أو إهانتهم، لن يساعد هؤلاء المعتقلين أيضا. وأصدرت المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان حكمين على الأقل يقضيان بأن التغذية القسرية تعد نوعا من التعذيب، وذلك في قضية من أوكرانيا في عام 2005، وأخرى من مولدوفا في عام 2007، ولكنها لم تصل إلى حد حظر هذه الممارسة. وسمحت باللجوء للتغذية القسرية لإنقاذ حياة المضربين عن الطعام، إذا كان ذلك يمثل ضرورة طبية وليس لأسباب عقابية.

وتتفق مع ذلك الرأي معظم المحاكم الاتحادية ومحاكم الولايات الأميركية. وتقول مارجو شالنجر أستاذة القانون بجامعة ميتشيغان المتخصصة في السجون: «تحلل المحاكم الاتحادية القضية وتوازن بين حق السجناء في تقرير مصيرهم وحق السجن في الحفاظ على النظام، وتقضي بشكل شبه دائم بأن التغذية القسرية تتفق والدستور».