تحذيرات عسكرية بريطانية: التدخل في سوريا قد يقود إلى حرب شاملة

النظام والمعارضة يتبادلان الاتهامات مجددا باستخدام الكيماوي في حلب ودمشق > ماكين يدعو لتشكيل قوة دولية لغزو سوريا

عنصر من الجيش الحر يدعو جنود النظام عبر مكبر للصوت بترك وحداتهم في منطقة خان العسل قرب حلب أمس (رويترز)
TT

في الوقت الذي جدد فيه النظام السوري والمعارضة أمس تبادل الاتهامات حول استخدام السلاح الكيماوي في العاصمة دمشق ومدينة حلب، بدأ حديث التدخل الأجنبي وإن على شكل تحذيرات من عواقبه، يطفو على السطح.

ففي لندن حذر رئيس الأركان البريطاني سير ديفيد ريتشاردز، رئيس الوزراء ديفيد كاميرون من أن التدخل في سوريا، قد يورط بريطانيا في حرب شاملة. ويأتي تحذيره هذا كما جاء في تقرير نشرته صحيفة «صنداي تايمز» على صفحتها الأولى أمس، من منطلق أن أي رد عسكري على استخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي، لا بد وأن يكون على نطاق واسع حتى يكتب له النجاح.

وكان كاميرون قد أدان استخدام الكيماوي في حلب معتبرا ذلك جريمة حرب. ويزيد هذا من الضغط من أجل رد فعل دولي وفق «صنداي تايمز». ولا يستبعد في إطار هذا الرد، فرض حظر جوي على سوريا. لكن يقال، إن ريتشاردز ناشد الحكومة النظر في ما إذا كان ما يبدو استخداما على نطاق ضيق للكيماوي، النقطة الحاسمة للتدخل. وقال لعدد من كبار الشخصيات العسكرية، وفق «صنداي تايمز»، فإن إقامة مثل هذه المنطقة الآمنة تحتاج إلى عملية عسكرية كبيرة، في غياب التعاون السوري. وأضاف: «في سوريا يجب أن نكون مستعدين للحرب».

وحذرت شخصيات رفيعة في وزارة الخارجية البريطانية من أن إقامة منطقة آمنة، قد يجر بريطانيا إلى حرب شاملة، لأن القوات البريطانية قد تجد نفسها مضطرة للدفاع عن المنطقة الآمنة في حال وقوع هجوم سوري.

وقالت مصادر رسمية بريطانية، إن سير ديفيد قال إن عملية محدودة لفرض منطقة حظر جوي، على غرار ما حصل في البوسنة عام 1993، لن تكون كافية بسبب الدفاعات الجوية السورية.

وتحدثت «صنداي تايمز» في تقريرها عن هذه الدفاعات الجوية الثابت منها والمتحرك وعن احتمالات أن ينجح ما قد يفلت منها، من الضربة الغربية الأولى في حال وقوعها، في إسقاط طائرات حراسة.

وحسب الصحيفة فإن الحذر الذي يبديه سير ديفيد يعكس المخاوف لدى المسؤولين العسكريين الأميركيين. إذ حذر رئيس هيئة رئاسة الأركان المشتركة في الولايات المتحدة الجنرال مارتن ديمبسي، الكونغرس من أن أي استخدام للقوة في سوريا لن يسفر عن نتائج متوقعة.

إلى ذلك أكد مصدر قيادي من الجبهة الجنوبية في الجيش السوري الحر، أن عينات من مواقع سقوط ذخائر كيماوية في حلب «جمعت بمبادرة من الجيش الحر في الجبهة الشمالية، وإيصالها إلى لجان أجنبية مختصة بقصد تحليلها واختبارها لتوثيق استخدام هذه الأسلحة في سوريا». وقالت المصادر، إن العينات «جمعت قبل أسبوعين، لتنضم إلى عينات أخرى جمعت من خان العسل (في محافظة حلب) وثقة بشهادات ناشطين».

وكان المعارضة والنظام تبادلا الاتهامات باستخدام الكيماوي في خان العسل، وضم النظام اتهاما آخر أمس باستخدام الكيماوي في دمشق، وصدر عبر صحيفة «الوطن» السورية.

ونقلت الصحيفة عن مصدر طبي إشارته إلى وصول مصابين صباح يوم الجمعة الماضي من منطقة الاشتباكات في حي برزة البلد بدمشق إلى مستشفى حاميش، أصيب بعدها الطاقم الطبي بغثيان شديد تبعها حالات إغماء. وذكرت «الوطن» أن الأعراض كانت أخف حدة من أعراض المصابين في مكان المواجهة الأمر الذي استدعى نقل المصابين إلى مشفى آخر في دمشق.

وقال المصدر للصحيفة السورية، إن «المسعفين من منطقة الإصابة تحدثوا عن سقوط قذيفة أطلقت من داخل حي برزة باتجاه قوات الجيش السوري الموجودة على أطراف الحي». وقال المصدر، إن «عناصر الجيش المصابة لم تظهر عليهم آثار طلقات نارية أو جروح نتيجة المواجهات المسلحة وإنما آثار استنشاق غازات غريبة فقط».

لكن المعارضة السورية، سخرت من تلك المزاعم. وقالت مصادر فيها لـ«الشرق الأوسط»، إن الجيش السوري الحر يقاتل للحصول على ذخائر وأسلحة يكمل فيها معركته، بعدما منع من الحصول على أسلحة نوعية يواجه بها مدرعات وطائرات النظام، متسائلة: «من أين له الذخائر الكيماوية؟» وأضافت أن السلاح الكيماوي يمتلكه النظام السوري حصرا، وهو يستخدم السلاح النوعي والمحرم دولي. وأشارت إلى أن تلك الادعاءات باطلة، معتبرة أنها «رد على التقارير الدولية التي تؤكد استخدام القوات النظامية للسلاح الكيماوي».

وقد أكدت مصادر الجيش الحر في الجبهة الجنوبية لـ«الشرق الأوسط» أمس أنها حصلت على عينات تؤكد استخدام القوات النظامية السلاح الكيماوي ضد المدنيين في حلب، وأرسلتها إلى لجان دولية مختصة بقصد فحصها، في المقابل كشفت صحيفة سوريا موالية للنظام عن وصول عناصر من الجيش النظامي إلى مستشفى حاميش في دمشق، «ومن بينهم قتلى تظهر عليهم آثار استنشاق غازات كيماوية ظاهرة وتتمثل بخروج مادة بيضاء من أنوفهم وأفواههم».

وتزامن تبادل الاتهامات الجديد مع تأكيد العميد المنشق زاهر الساكت رئيس فرع الكيمياء في الفرقة الخامسة، لقناة «العربية» أن «أمرا صدر باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد الجيش الحر في إحدى المعارك في بصر الحرير، لكنه استبدل المواد الكيماوية بماء الجافيل غير القاتل».

وفي سياق متصل بمواقف دمشق المعارضة لتحقيق دولي حول الأسلحة الكيماوية، أكد مندوب سوريا الدائم لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري أن إثارة الدول الغربية لملف استخدم السلاح الكيميائي في سوريا هو جزء لا يتجزأ من حملة الضغوط التي تمارس على دمشق شعبا ودولة وحكومة من أجل استحصال تنازلات منها على أكثر من ملف.

وقال الجعفري في مقابلة مع محطة: «إن بي إن» اللبنانية، إن هدف القوى الغربية من ذلك هو تكرار السيناريو العراقي من خلال فتح أبواب سوريا لما يسمى التفتيش الأرعن غير المنضبط وتغطيته بآليات الأمم المتحدة من أجل استباحة سيادة سوريا عبر إثارة مزاعم تتعلق باستخدام السلاح الكيمائي.

وأوضح الجعفري أن الحكومة السورية معنية أكثر من غيرها بسلامة شعبها ولذلك طلبت من الحكومتين الفرنسية والبريطانية وأمين عام الأمم المتحدة مشاطرتها المعلومات التي بحوزتهم وفي حال كانت هناك مصداقية لها وبعد التأكد من نزاهة وموضوعية فريق التفتيش الذي سيحقق في خان العسل ستطلب الحكومة السورية نفسها مجددا من الأمين العام مساعدتها على التحقيق في ادعاءات أخرى وبالتالي ذهبت سوريا بعيدا جدا في المرونة الدبلوماسية ولكن هدف الطرف الآخر ألا يحدث تفتيش في الأساس لأنه يعرف من استخدم السلاح الكيمائي.

من جهة أخرى دعا السيناتور الأميركي البارز رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونغرس، جون ماكين، أمس، إلى تشكيل قوة دولية تشارك فيها مجموعة من الدول لغزو سوريا، وذلك بهدف تأمين أي أسلحة كيماوية قد تكون هناك. لكن ماكين لا يرد لقوات أميركية القيام بهذه المهمة بقوله إن القوات الأميركية يجب ألا تدخل سوريا، لكن ينبغي أن يكون هناك قوة دولية «مستعدة من الناحية العملية»، حسب قوله، للذهاب إلى هناك ومنع الإسلاميين المتشددين المشاركين في الحرب الأهلية، ويقصد بذلك على وجه الخصوص «جبهة النصرة» التي بايعت زعيم تنظيم القاعدة، من وضع أيديهم على الأسلحة الكيماوية.

وتابع ماكين المرشح الجمهوري في انتخابات الرئاسة عام 2008، وهو من الشخصيات المؤثرة في الشؤون العسكرية في مجلس الشيوخ، لقناة «إن بي سي»، قائلا إن ثمة عددا من المستودعات لهذه الأسلحة الكيماوية، «يجب ألا تسقط في أيدي الجهاديين».