تطمينات جزائرية وصمت فرنسي حول صحة بوتفليقة

رئيس الجزائر يعالج في مستشفى «فال دو غراس» بباريس

الرئيس الجزائري
TT

لم يعرف ما إذا كان الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة البالغ من العمر 76 عاما قد اقتيد إلى نفس الجناح من مستشفى فال دو غراس في باريس، الذي حل به في 26 نوفمبر (تشرين الثاني) 2005، وظل فيه مدة 3 أسابيع بسبب قرحة في المعدة أدت إلى نزيف داخلي. إذ لزم المستشفى الذي نقل إليه بوتفليقة عصر أول من أمس، الصمت ولم يصدر عنه حتى مساء أمس أي بيان. وتحاشت الإدارة والجسم الطبي والموظفون التحدث إلى الوسائل الإعلامية ذلك أن القانون الداخلي للمستشفى العسكري الخاضع لسلطة وزير الدفاع يفرض عليهم التزام الصمت والامتناع عن كشف أي تفاصيل تخص مرضى المستشفى خصوصا الكبار منهم.

ومستشفى فال دو غراس، الواقع في الدائرة الخامسة في العاصمة الفرنسية قريب من مبنى مجلس الشيوخ والحي اللاتيني، ويعد من أهم المراكز الطبية العسكرية الجامعية في فرنسا، إذ عرف باختصاصاته المتعددة ضمنها أمراض القلب والشرايين التي يعاني منها بوتفليقة.

واستقبل المستشفى رؤساء الجمهورية الفرنسية بدءا بالجنرال شارل ديغول 1966 وفرنسوا ميتران 1882 وجاك شيراك 2005 ثم نيكولا ساركوزي صيف 2009. كذلك حل به رؤساء حكومات ووزراء وأبرز هؤلاء وزير الداخلية الأسبق وعضو مجلس الشيوخ الحالي، جان بيار شوفنمان، الذي يقول عن نفسه إنه «زار الآخرة وعاد منها» بفضل مهارة أطباء فال دو غراس الذين أنقذوه من الموت.

والتزمت السلطات الفرنسية الصمت، واكتفى وزير الخارجية لوران فابيوس بالقول إنه «يتمنى الشفاء العاجل» للرئيس الجزائري، الذي وصفه بأنه «صديق فرنسا». يشار إلى أن الرئيس فرنسوا هولاند اختار الجزائر للقيام بأول زيارة دولة إلى العالم العربي في شهر ديسمبر (كانون الأول) من العام الماضي حيث سعى إلى إغلاق ملف الذاكرة الجريحة بين البلدين، وإرساء أسس علاقة استراتيجية بين باريس والجزائر. أما وزارة الدفاع المشرفة على المستشفى فقد اختبأت وراء السر الطبي لرفض الكشف عن الوضع الصحي لبوتفليقة ذلك أن المعلومات المتوافرة عن حالته جاءت من مصادر جزائرية التي تتحدث عن نوبة دماغية عابرة. ولمزيد من التطمين، فإنها تؤكد أنها لم تترك أي آثار جانبية على الرئيس الجزائري لجهة وظائفه العضوية والحيوية الذي نقل إلى باريس من أجل استكمال الفحوصات الطبية والمخبرية، وفق ما نقلت المصادر الجزائرية. وأكدت هذه المصادر أن حالة بوتفليقة لا تثير مخاوف خاصة، وهو ما يتطابق مع ما قاله رئيس الحكومة الجزائرية عبد الملك سلال، الذي اعتبر أنها ليست خطيرة. وقال البروفسور رشيد بوغربال، مدير المركز الوطني للطب الرياضي، إن حالة بوتفليقة تتحسن، وأنه لن يعاني من آثار جانبية مترتبة على النوبة الدماغية العابرة التي أصابته، والتي تعني عمليا أن بعض مراكز المخ لم تصل إليها الدماء لفترة زمنية قصيرة وبالتالي حرمت من الأوكسجين.

وشدد البروفسور على القول، إن الإصابة ليست حادة وتراجعت دون أن تخلف أي تأثير على الرئيس. وأضاف: «مطلوب من رئيس الدولة الخضوع لفحوصات طبية إضافية، وأن يخلد إلى الراحة لتجاوز التعب الذي سببته له هذه الوعكة».

غير أن هذه التأكيدات لا تبدو كافية لمنع التساؤلات والاستفهامات حول حقيقة الوضع الصحي لبوتفليقة الذي هو موضع إشاعات شبه دائمة ذهب بعضها إلى الحديث عدة مرات عن وفاته.

وتقول مصادر فرنسية، إن تدهور حالة بوتفليقة الصحية ستكون له انعكاسات واضحة على الوضع السياسي الداخلي في الجزائر وذلك قبل عام على الانتخابات الرئاسية القادمة التي قيل بشأنها إن بوتفليقة رغب بتعديل الدستور ليترشح لولاية رابعة. وانتخب بوتفليقة رئيسا للمرة الأولى في عام 1999 وأعيد انتخابه عام 2004 وعام 2009.

وإذا كان بوتفليقة نجح في إبقاء الجزائر بعيدا عن خضات الربيع العربي التي ضربت على حدودها في ليبيا وتونس، فإن العملية الإرهابية التي أصابت موقع عين أميناس الغازي أعادت إلى الأذهان حقيقة أن الإرهاب لم يهاجر الجزائر نهائيا بل إنها ما زالت في عين العاصفة.

وتتابع باريس عن قرب تطورات الوضع الجزائري غير أنها تمتنع عن أي تصريح أو بادرة يمكن أن تفسر على أنها تدخل في الشؤون الداخلية للجزائر الأمر الذي يفسر ابتعاد المسؤولين الفرنسيين عن أي تصريح بشأن صحة بوتفليقة أو النتائج المترتبة على انتكاسته الراهنة.

ونقل الرئيس بوتفليقة ظهر أول من أمس إلى المركز الطبي الرياضي بالعاصمة، على جناح السرعة بسبب تدهور صحته. وأكد الطبيب بوغربال، بعد فحصه أنه أصيب بنوبة عابرة. ورغم أنه هون من الإصابة، فقد طلب بنقله إلى باريس للعلاج وتحديدا إلى مستشفى فال دوغراس. وذكر مصدر طبي لوسائل إعلام حكومية جزائرية، أن حالة الرئيس كانت مستقرة بصفة عامة أمس ولا تدعو القلق. وأضاف المصدر أن أطباء الرئيس طلبوا منه إجراء فحوصات إضافية وأخذ أيام من الراحة. ولم يذكر المصدر الفترة التي تتطلب خلود بوتفليقة إلى الراحة.