النظام يتهم «إرهابيين» بمحاولة اغتيال رئيس وزرائه.. والمعارضة تعطي الأولوية للمسؤولين الأمنيين

مصادر معارضة سورية لـ «الشرق الأوسط»: «التعقيد الأمني» يدل على أن «جهة خارجية» نفذتها

رجال مطافئ يخمدون النيران التي خلفها التفجير الذي استهدف موكب رئيس الوزراء السوري في حي المزة الراقي في دمشق أمس (أ.ب)
TT

نجا رئيس الوزراء السوري وائل الحلقي، أمس، من تفجير استهدف موكبه في حي المزة الراقي في دمشق. وأفاد القائد الميداني في «الجيش السوري الحر»، علاء الباشا، لـ«الشرق الأوسط» أن التفجير حصل في منطقة سكنية مزدحمة قرب مدرسة ابن الزهر في منطقة الفيلات الغربية، مؤكدا «وجود سيارات دبلوماسية محترقة وأخرى تتبع حراسة أمنية في مكان الانفجار». وأشار إلى أن «واحدة من السيارات التي تضررت تتبع جهة دبلوماسية غير سورية». ورجح الباشا أن يكون عدد ضحايا التفجير قد تجاوز 12 قتيلا، من بينهم الحارس الشخصي لرئيس الوزراء، إضافة إلى أن عددا آخر من بين الضحايا حراس للحلقي.

بدوره، أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن «أحد مرافقي رئيس الوزراء قتل في الانفجار». وأظهرت لقطات نشرها ناشطون على الإنترنت أن التفجير الذي وقع في حي المزة بالعاصمة بعد الساعة التاسعة صباحا، أسفر عن تصاعد دخان أسود كثيف. كما نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي صور تظهر سيارة الحلقي بعد الانفجار.

ولم يتضح بعد ما إذا كان الانفجار انتحاريا أو أنه نتج عن سيارة مفخخة، إذ نقلت وكالة «أسوشييتد برس» عن مسؤول سوري لم يفصح عن اسمه، قوله إن الانفجار نتج عن قنبلة زرعت تحت سيارة مركونة في المنطقة.

في المقابل، أكدت الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون الرسميين أن «التفجير الإرهابي» في المزة كان محاولة لاستهداف موكب رئيس مجلس الوزراء، مشيرة إلى أن «الحلقي بخير ولم يصب بأي أذى». كما بثت قناة «الإخبارية» التلفزيونية الرسمية في وقت لاحق لقطات للحلقي الذي بدا متماسكا وغير متأثر وهو يرأس لجنة اقتصادية في مقر رئاسة الوزراء، وقال الحلقي خلال ترؤسه اجتماع اللجنة بعيد الانفجار إن «هذه التفجيرات دليل إفلاس وإحباط المجموعات الإرهابية والقوى الداعمة لها بسبب بطولات وانتصارات الجيش السوري»، مشيرا إلى أن «التفجيرات تأتي نتيجة إصرار الشعب السوري على تنفيذ المبادرة السياسية التي أطلقها السيد الرئيس بشار الأسد لحل الأزمة في البلاد».

وكان الحلقي قد عين رئيسا للوزراء في 9 أغسطس (آب) 2012 بعد انشقاق سلفه رياض حجاب احتجاجا على ما اعتبره قمعا دمويا للاحتجاجات على النظام التي اندلعت في مارس (آذار) 2011. وشغل الحلقي قبل تسلمه منصبه عدة مناصب منها مدير الرعاية الصحية الأولية في مدينة جاسم، وأمين فرع درعا لحزب البعث العربي الاشتراكي، ونقيب أطباء سوريا.

وأفاد مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان رامي عبد الرحمن في تصريحات لـ«الشرق الأوسط»، أن الحلقي «كان داخل سيارته ضمن الموكب الذي جرى استهدافه». وعبر عن اعتقاده أن سبب نجاة الحلقي من الاغتيال «قد يعود إلى أن مرافقه الشخصي الذي قتل رمى بنفسه عليه ليحميه». وأكد عبد الرحمن أن السيارة التي فجرت «كانت متوقفة إلى جانب الطريق ولم تكن متحركة». وأشار إلى أن «الترجيح الغالب هو أنه جرى تفجيرها عن بعد لا بواسطة انتحاري»، موضحا أنه إذا «ما تأكدت معلومة استخدام جهاز تفجير عن بعد فذلك يعني أن الجهة التي نفذت العملية خارجية».

ورأى عبد الرحمن أن «التخطيط والتعقيد في تنفيذ هذه العملية يشبه عملية اغتيال الخلية الأمنية في 18 يوليو (تموز) 2012 مما يعزز نظرية أن تكون الجهة التي تقف خلف الحادثين واحدة». وأوضح أن العملية «مخططة بشكل جيد وليست عشوائية»، معتبرا أنها «تشكل ضربة معنوية للنظام خاصة أن الحلقي من درعا وتحديدا من مدينة جاسم التي تتعرض للقصف اليومي».

وأكد الناطق باسم اللواء الأول في دمشق التابع للجيش الحر، زين الدين الشامي، لـ«الشرق الأوسط»، أنه «من الواضح أن الجيش الحر ليس وراء عملية اغتيال الحلقي»، مشيرا إلى أنه «لا مصلحة لنا أصلا بذلك»، موضحا أن «هناك رؤوسا أكبر من الحلقي وتهمنا أكثر»، مؤكدا أن «من أولويات الجيش الحر استهداف الرتب العسكرية في نظام الأسد وليس رجال حكومته».

ويعتبر حي المزة في وسط دمشق حيث موقع الانفجار جزءا من مربع أمني تحكم القوات النظامية سيطرتها عليه، إذ تقع فيه العديد من المؤسسات الحكومية والعسكرية ويقيم فيه العديد من المسؤولين السوريين البارزين. إلا أن الحي في الآونة الأخيرة بات هدفا للمعارضة السورية المسلحة وذلك بعد شن مقاتلي «الجيش الحر» المتمركزين إلى الشرق من العاصمة هجمات بقذائف «المورتر» وتفجيرات في قلب المدينة.

وفي حين رجح هيثم المالح رئيس مجلس أمناء الثورة السورية، أن يكون أحد فصائل المعارضة المسلحة وراء هذه العملية، مشددا لـ«الشرق الأوسط» على «اعتبار الحلقي هدفا مشروعا لأنه جزء من السلطة التي تقتل الأطفال وتدمر سوريا»، كشف عضو الائتلاف المعارض والمجلس الوطني أحمد رمضان، أن عمليات أخرى ستتم في الأيام القادمة تستهدف شخصيات أمنية وعسكرية في النظام، مؤكدا أن «تفجير الأمس مؤشر واضح على فقدان النظام سيطرته على العاصمة وعدم قدرته على حماية مسؤوليه». وفي حين رفض رمضان تبني عملية التفجير مفضلا ترك الأمر للعسكريين، أشار إلى أن «جميع المسؤولين في النظام السوري هم أهداف مشروعة بالنسبة للثورة، طالما أنهم متورطون في قتل السوريين»، معتبرا «استهداف الحلقي رسالة لكل الذين لا يزالون يراهنون على بقاء النظام للقفز من سفينته الغارقة».

ولا يعتبر الحلقي الشخصية الرسمية الأولى التي تستهدف في العاصمة دمشق، مع تحول الثورة السورية إلى صراع مسلح، إذ سبق لـ«لواء الإسلام» التابع للجيش الحر أن أعلن تبنيه لتفجير مبنى الأمن القومي السوري أو ما عرف بـ«تفجير خلية الأزمة» الذي وقع في 18 يوليو 2012، ونتج عنه مقتل وزير الدفاع داود راجحة ونائبه آصف شوكت صهر الرئيس السوري، ورئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار ورئيس خلية إدارة الأزمة حسن تركماني وإصابة وزير الداخلية محمد الشعار، وبعد نجاته من تفجير «خلية الأزمة» أعلنت «جبهة النصرة» في نهاية العام الماضي استهداف موكبه في منطقة كفرسوسة لكنه نجا مرة ثانية من التفجير الذي قتل فيه عدد من مسؤولي الداخلية الذين كانوا يرافقونه. في موازاة تفجير المزة، واصلت القوات النظامية حملتها العسكرية على مدينة داريا بريف دمشق، وأفادت الهيئة العامة للثورة السورية أن رتلا عسكريا توجه من مطار المزة العسكري صباح أمس إلى المدينة مدعوما بأربع دبابات وسيارات مدرعة وعدد من سيارات وحافلات نقل الجنود وميليشيات النظام، إضافة إلى عدد كبير من الدبابات التي تحاصر المدينة، في محاولات لاستعادة السيطرة عليها بعد معارك دخلت شهرها السادس.

وأضافت الهيئة أن القوات النظامية «قصفت بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ الموجودة في الثكنات والحواجز العسكرية المجاورة للمدينة، بينما تستمر المعاناة الإنسانية في المدينة في ظل نقص حاد بالمواد الطبية والأدوية نتيجة الحصار الخانق على المدينة وقطع كل مقومات الحياة وأسبابها».