بلجيكي يبحث عن نجله بين صفوف الثوار في حلب

«يويون».. من راقص إلى مقاتل سلفي

TT

من راقص شهير في بلجيكا إلى مقاتل سلفي في صفوف كتيبة جهادية إسلامية.. إنه يويون (سيف الله) ديمتري. هو شاب بلجيكي لم يتجاوز الثامنة عشرة من العمر، اختفى أثره قبل شهرين، ليشاهده والده فجأة في شريط فيديو يقاتل ضمن مجموعة جهادية معظم عناصرها من بلجيكا في بلدة خان طومان بالريف الغربي لمدينة حلب في شمال سوريا.

اعتنق «يويون ديمتري» الإسلام قبل سنتين وغير اسمه إلى «سيف الله»، وانضم لجماعة «شريعة لبلجيكا» بزعامة المغربي بلقاسم الذي اعتقل قبل أيام في بلجيكا.

«لقد أخذوا مني ابني.. وأكثر من أربعين شابا من بلجيكا.. ليسوا (جبهة النصرة).. إنهم مجموعة بلقاسم»، هذا ما قاله والده ديمتري عندما التقيناه في مقر رابطة للمحامين السوريين وسط حلب. أطلعنا ديمتري الأب، وهو أول والد يأتي إلى سوريا من بلد غربي بحثا عن نجله، على صور نجله الشاب الأسمر اللون (والدته نيجيرية) ومقاطع الفيديو الخاصة به في إحدى أغاني الفيديو كليب البلجيكية، عندما شارك برقصة.

يقول ديمتري الأب إن ابنه صادق فتاة مغربية في سن المراهقة، وتعرف من خلالها إلى شبان مغاربة مسلمين، وفجأة أشهر إسلامه، وبدأ يتغيب عن البيت لأوقات طويلة. وأضاف: «لقد تغير وأصبح وكأنه غريب علينا.. لبس الجلابية وأطال لحيته، ورفض مصافحة النساء حتى عمته، وبدأ يخرج في الشوارع مع جماعة (شريعة لبلجيكا) يدعو الناس للإسلام، واعتقلته الشرطة أكثر من مرة». ولكن ديمتري فقد الاتصال بابنه فجأة عندما أصر يويون (سيف الله) على الذهاب إلى مصر لدراسة الشريعة الإسلامية، ولم يعارض والده الأمر في البداية.. «إنها عقيدة أحترمها، وهو له حق الاختيار، لكن ما حصل بعد ذلك أنه أصبح متشددا».

وديمتري ليس وحده في محنته هذه، فهناك العشرات من العائلات البلجيكية التي اكتشفت أن أبناءها أرسلوا للقتال في سوريا من خلال شبكات أوروبية، مما دفع بتلك العائلات إلى رفع قضايا ضد بلقاسم وباقي قادة جماعة «شريعة لبلجيكا» الذي أصبح مطاردا من قبل الشرطة البلجيكية في ثلاث مقاطعات إلى تمكنت أخيرا من اعتقاله في أحد المنازل.

رافقت «الشرق الأوسط» ديمتري الأب في زيارة إلى مقر «لواء التوحيد»، أكبر الفصائل في حلب، حيث التقى مسؤول اللجنة الشرعية هناك، وقائد اللواء حجي مارع، وأبلغاه أن فصيلهما لا يجند مقاتلين أجانب في صفوفه.. ثم رافقت «الشرق الأوسط» ديمتري إلى مقر «جبهة النصرة» عند المدخل الرئيس لحلب، وقبل كل شيء أشار إلى ديمتري بيده ليطفئ سيجارة كان يشعلها. تحدثت إليه مع المحامي السوري أبو حرب وشرحنا له الموضوع، ثم وضعت يدي على كتفه لأجد يده معصوبة.. ظننت أن يده مصابة، لكن العصابة لم تكن سوى حزاما ناسفا. لم يسمح للجميع بالدخول إلى مقر الجبهة، فقط سمحوا للمحامي أبو حرب وديمتري الأب الذي قال محتجا: «هل أنت مجنون لتأخذني إلى الداخل» فرد عليه أبو حرب: «تعال ولا تقلق.. (هم) ليسوا وحوشا كما تقرأون عنهم في الغرب». وعاد ديمتري بعد ساعة ليخبرنا بما حصل.

وبعد لقاءات مع أربعة من القيادات هناك، قال إن «جبهة النصرة» أخبرته أن ابنه يقاتل مع مجموعة أخرى (لا يمكن الكشف عن اسمها) تتمركز قيادتها في بلدة بريف حلب الشمالي يقودها إسلامي مصري.

وبعد هذا اللقاء، اجتمع ديمتري وعلى مدى عدة أيام مع عناصر من «جبهة النصرة»، ومن الواضح أنهم تركوا لديه انطباعا طيبا. وقال: «(جبهة النصرة) أبطال هنا في حلب.. الناس ينظرون لهم على أنهم محررون من النظام ومدافعون عنهم. لقد ساعدوني جدا في البحث عن ابني، ووفروا لي حماية من بعض المجموعات التي اعتقلتني وأساءت معاملتي».

وتحدث ديمتري كثيرا عن الصورة الانطباعية التي زرعت في ذهنه عما يسمى «الإرهاب» في سوريا، وقال: «التقيت بهم، إنهم مقاتلون من أجل الحرية، والناس تعتبرهم منقذين لهم في وجه النظام، لكن ابني يجب أن لا يقاتل هنا لأنه ما زال صغيرا وهم ليسوا بحاجة له». ويبرر ديمتري الأب وجود جماعات متطرفة في سوريا بقوله: «لقد شاهدت الدمار والوحشية الرهيبة، ولقد وثقتها في كاميرتي الخاصة. هذا النظام غير إنساني وليس غريبا أن يظهر التطرف بعد كل هذا القتل والهمجية»، ثم يعود مخاطبا المقاتلين الإسلاميين من حوله بكلمات عربية تعلمها: «إن آمنت بالله.. فلا خوف». وسيتوجه ديمتري الأب بعد أيام إلى الريف الحلبي ليلتقي بمجموعة يعتقد أنها تؤوي معظم المقاتلين البلجيكيين. وعندما سألته إن كان يعتقد أن ابنه، إذا ما التقاه، سيعود معه، أجاب: «ابني حر في اتخاذ قراره»، لكنه أضاف متسائلا: «شاب نشأ في الغرب لأبوين مسيحيين، فلماذا يأتي ليموت هنا».