واشنطن: تسليح المعارضة السورية لا يزال قيد الدراسة.. والقرار خلال أسابيع

أوباما يوفد كيري إلى موسكو.. والجيش الحر يتحدث عن ضرب القرداحة بصاروخين من صنع فلسطيني

قاذفة صواريخ معطوبة في قاعدة سابقة للجيش السوري بمحافظة درعا جنوب سوريا (رويترز)
TT

في وقت تواجه فيه الإدارة الأميركية ضغوطا متصاعدة للتعامل مع الأزمة السورية، خاصة بعد تقارير حول استخدام سلاح كيماوي في البلاد، تدرس إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما بجدية إمكانية تسليح المعارضة السورية، وبشكل محدد المجلس العسكري السوري بقياد العميد سليم إدريس. وقال مسؤول أميركي إن «المسألة ما زالت قيد الدراسة وفي مرحلة التفكير.. لم يتخذ قرار بعد». وأضاف المسؤول الذي طلب من «الشرق الأوسط» عدم الكشف عن هويته أن «هناك أطرافا في الإدارة تؤيد تقديم المساعدة الفتاكة، وهناك أطراف تعارض ذلك»، مما يزيد من تردد الرئيس الأميركي باراك أوباما في اتخاذ القرار النهائي. وبينما رفض المسؤول الأميركي الخوض في الجهة التي يمكن أن تدعمها بلاده بالسلاح، لفت إلى أن «المجلس العسكري السوري هو الطرف الذي نتفاعل معه حاليا ونقدم له المساعدات غير الفتاكة».

وتشدد مصادر أميركية رسمية على أن الهدف من دعم المعارضة السورية ما زال من أجل تمكين حل سياسي. وشرح المسؤول: «عملنا الآن ينصب على اتجاه المسار السياسي وبشكل أساسي اتفاق جنيف»، أي بناء على اتفاق الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن الصيف الماضي. وستكون هذه من بين الرسائل التي يوصلها وزير الخارجية الأميركي جون كيري في زيارته المقبلة في غضون الأيام المقبلة إلى موسكو لبحث الأزمة السورية مع المسؤولين الروس. وأوضح المسؤول: «سيسعى وزير الخارجية إلى التوصل إلى آلية مشتركة لحل سياسي».

وتأتي زيارة كيري ضمن الجهود الحثيثة التي تبذلها الإدارة الأميركية لإقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأن احتمال استخدام الحكومة السورية السلاح الكيماوي، والتدخل الخارجي الذي يمكن أن ينتج عنه، ينبغي أن يدفعه لإعادة التفكير في دعمه نظام بشار الأسد. لكن مسؤولين آخرين، أكدوا أن أوباما، الذي تحدث هاتفيا مع بوتين، سيتخذ قرارا نهائيا بشأن تزويد المعارضة بالأسلحة القتالية خلال أسابيع وقبل لقائه المزمع بالرئيس الروسي في يونيو (حزيران) المقبل.

في غضون ذلك، كشف أحد عناصر المجموعة التي أطلقت صاروخي «غراد» منذ بضعة أيام على مدينة القرداحة التي يدفن فيها الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، لـ«الشرق الأوسط»، أن الصاروخين صناعة فلسطينية. وقال أبو عدي الإدلبي، المقاتل في صفوف كتائب «أحرار الشام» التابعة للجيش الحر: «قصفنا القرداحة بصاروخين من طراز (غراد)، لكنه ليس روسيا، بل فلسطيني والحمد لله»، مشيرا إلى أن «أحد الصاروخين وقع قرب قبر حافظ (الأسد)».

وتوعد الإدلبي بـ«ضربة أخرى قريبا»، كاشفا أن «من صنع الصواريخ هم شباب من غزة ينتمون في الغالب إلى حركة حماس»، مشيرا إلى أن تصنيع هذه الصواريخ «يتم في جبل الأكراد وإدلب.. لكن الغالبية في إدلب». وأضاف أن العملية التي «نفذت من الجبل اشتركت فيها كتائب (أحرار الشام) و(أحرار إدلب)».

وكان أوباما قد قال يوم الثلاثاء الماضي إن التأكيدات باستخدام قوات الأسد الأسلحة الكيماوية «يعني أننا سنفكر بقوة في بعض الخيارات التي لا نود اللجوء إليها». وشدد خلال المؤتمر الصحافي على الحاجة إلى «التأكد من امتلاك الحقائق.. إذا تسرعنا في الوصول إلى حكم من دون أدلة دامغة وفعالة، فقد نجد أنفسنا في موقف لا يمكننا فيه حشد المجتمع الدولي للدعم».

ولكن رغم الحذر الذي أبداه في الرد على ما سماه «خطا أحمر» بشأن الأسلحة الكيماوية، فإن كبار المسؤولين أوضحوا أن أوباما متأهب للجوء إلى نطاق أوسع من الخيارات تتراوح بين تسليح المعارضة وإرسال قوات. وقال مسؤول رفيع المستوى: «من الواضح أننا ننتهج مسارا تصاعديا».

ولم يحدد المسؤولون نوعية المعدات التي يجري النظر في إرسالها، رغم مطالب الثوار بالحصول على أسلحة مضادة للدبابات وصواريخ أرض - جو.

وتشير استطلاعات رأي أجريت مؤخرا إلى أن دول جوار سوريا والرأي العام الأميركي يعارضون إرسال قوات أميركية إلى صراع بلغت حصيلته أكثر من 70.000 شخص. ولا تزال مثل هذه الخطوة مستبعدة بشكل كبيرة ما لم تتحول مضاعفات الصراع إلى زعزعة كبرى للاستقرار الإقليمي، أو استخدام الأسلحة الكيماوية على نطاق واسع، أو ظهرت مؤشرات على أن تلك الأسلحة وقعت في أيدي متشددين إسلاميين مرتبطين بـ«القاعدة» يقاتلون إلى جانب قوات المعارضة السورية.

لكن المسؤول البارز، الذي كان واحدا من عدة مسؤولين تحدثوا عن المداولات الداخلية في الإدارة بشرط عدم الكشف عن أسمائهم، أوضح أن أوباما «ترك الباب مفتوحا أمام اتخاذ إجراءات عسكرية أخرى» استجابة لنداءات المعارضة السورية وبعض أعضاء الكونغرس بـ«الحماية من صواريخ حكومة الأسد وغاراتها الجوية». وردا على سؤال عن احتمال إقامة منطقة حظر طيران فوق المناطق التي يسيطر عليها الثوار، قال المسؤول إن الإدارة «تستعرض كل الخيارات».

وجدد الجنرال مارتن ديمبسي، رئيس هيئة الأركان المشتركة، يوم الثلاثاء الماضي تحفظه السابق على إقامة منطقة حظر للطيران، مشددا على أنها أكثر تعقيدا وعرضة للمخاطر مما يظنه المنادون بها. وقال ديمبسي في حفل غداء أقامته صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور»: «لا بد لي من أن أفترض أن خصما محتملا لن يكتفي بالجلوس مكتوف الأيدي» ويسمح بتدمير دفاعاته الجوية.

وأضاف أن دفاعات سوريا الجوية، الموجودة في مناطق آهلة بالسكان في الجزء الغربي من البلاد، «أكثر كثافة وأكثر تطورا» من تلك التي واجهها التحالف الدولي الذي تدخل في ليبيا عام 2011. وأوضح أن إنشاء منطقة حظر جوي سيتطلب وجود قواعد جوية في المنطقة، وتوفير موارد للبحث عن الطيارين الذين أسقطت طائراتهم وإنقاذهم، والقدرة على الاستمرار في العمليات لمدة طويلة في ظل قيود مالية ومخاوف بشأن الاستعداد.

وكانت الإدارة تتحرك ببطء منذ عدة أشهر باتجاه تزويد الثوار بأسلحة؛ إذ أعلنت في البداية أنها ستقدم مساعدات غير قتالية، ولمحت مؤخرا إلى أنها سترسل مستلزمات دفاعية «غير فتاكة» مثل الدروع الجسدية ومناظير الرؤية الليلية.

وبحسب مسؤولين، فقد أثرت عوامل عدة في تفكير الرئيس منذ ذلك الحين، منها أن بلدانا حليفة مثل الأردن وتركيا وقطر وبريطانيا، وغيرها، حثت أوباما بشكل مباشر في اجتماعات في الآونة الأخيرة، على القيام بدور أكثر فاعلية في مساعدة المعارضة السورية وقيادة تنسيق ما كان حتى الآن يعتبر جهدا مشتتا من جانب حكومات تقدم عونا إنسانيا أو عسكريا أو الاثنين.

وأدت خلافات بين تلك الدول، حول فصائل الثوار العسكرية التي يجب دعمها، إلى قلق متزايد لدى الولايات المتحدة من أن الأسلحة المتطورة، بما فيها صواريخ أرض - جو، قد تصل بصورة مباشرة إلى جماعات إسلامية متطرفة. وذكر أحد المسؤولين أن الإدارة غير مستعدة لإرسال صواريخ، لكنها تعتقد أن بوسعها أن تفرض سيطرة على الإمدادات الأخرى إذا ساهمت «بشكل أكثر فاعلية» في إرسال معدات قتالية.

في الوقت ذاته، ينظر إلى الجيش السوري الحر بقيادة العميد سليم إدريس المدعوم من الولايات المتحدة، على أنه قوة متماسكة بشكل كبير. وأثار إدريس، الذي يلقى قبولا من جانب المعارضة وداعميها، إعجاب كيري ووزراء الخارجية الآخرين الذين حضروا اجتماعا مع زعماء المعارضة السورية في إسطنبول في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، وتعهد بأن يبقي الأسلحة بعيدة عن أيدي المتطرفين. وطالب كيري صراحة خلال الاجتماعات المغلقة مع قادة المعارضة والقادة الدوليين بجهد أكثر تعاونا وتنسيقا من جميع الأطراف. هذه الرسالة أكدها الرئيس أوباما الذي اجتمع الأسبوع الماضي مع الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير قطر، والعاهل الأردني الملك عبد الله الثاني. وسيستضيف في منتصف مايو (أيار) الحالي، في واشنطن، رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان.