عودة الجدل إلى الواجهة بخصوص فرنسيي «القاعدة» في بلاد المغرب الإسلامي

القوات الفرنسية في تمبكتو تعتقل جهاديا فرنسيا سبق أن توعد بلاده إن هي تدخلت في مالي

TT

عاد الجدل بخصوص الجهاديين المنحدرين من أصول فرنسية إلى الواجهة، وذلك بعد أن تمكنت القوات الفرنسية في مدينة تمبكتو (شمال مالي) من اعتقال مواطن فرنسي اسمه جيليه لوغان، سبق أن أعلن انضمامه إلى صفوف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.

لوغان الذي غير اسمه ليصبح «عبد الجليل الفرنسي»، رجل خمسيني ينحدر من شمال فرنسا، وقد ظهر لأول مرة في شريط فيديو بثه موقع «صحراء ميديا» الموريتاني، يوم الثلاثاء 9 أكتوبر (تشرين الأول) 2012، وهو يتوعد بلاده بـ«كارثة إنسانية وبشرية» إن هي تدخلت عسكريا في شمال مالي. وكان لوغان أو «عبد الجليل الفرنسي» ظهر في شريط الفيديو وهو يرتدي زيا أفغانيا كالذي يرتديه عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، مع رداء أسود فوق رأسه بينما ترك وجهه مكشوفا للكاميرا بلحيته غير المهذبة وشاربه المعفى، وبندقية كلاشنيكوف بجواره، بينما كان في الخلفية رداء أسود كتبت عليه عبارة «تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي».

تحدث لوغان، بوصفه أول فرنسي يظهر في شريط لتنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي، عن حياته مؤكدا أنه عمل لمدة عشرين عاما في التجارة البحرية، كما عمل في المجال الإنساني مع منظمة أطباء بلا حدود في إثيوبيا، قبل أن يقيم في موريتانيا لينتقل منها قبل عامين إلى شمال مالي، وتحديدا إلى مدينة تمبكتو التاريخية، حيث استقر مع زوجته ذات الأصول المغاربية وأطفاله الخمسة.

وأثناء إقامة لوغان في شمال مالي، وبعد اندلاع التمرد في يناير (كانون الثاني) 2012، اتصلت به السفارة الفرنسية في باماكو مطلع مارس (آذار) 2012، لتخبره بأنه آخر فرنسي في المنطقة، وأن عليه أن يغادرها في أسرع وقت ممكن قبل مجيء الجهاديين، لكنه رفض ذلك قائلا «لن أتحرك من هنا، في تمبكتو أنا مع أهلي».

وحسب المعلومات التي تتداولها وسائل الإعلام الفرنسية بخصوص لوغان، فإنه أسلم منذ فترة طويلة، وإنه خلال وجوده في تمبكتو اعتقل من طرف عناصر تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذين اتهموه بأنه جاسوس لصالح فرنسا، فيما تؤكد مصادر أخرى أنه اعتقل على خلفية منعه لجهاديين من الاعتداء على نسوة في المدينة.

وتضيف الصحف الفرنسية نقلا عن مصادر استخباراتية أنه تم رصد لوغان لأول مرة مطلع سبتمبر (أيلول) 2012 وهو يرافق مقاتلين من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في صورة حصلت عليها المخابرات الفرنسية، فيما أكد مصدر أمني مالي آنذاك أنه «مواطن فرنسي يدعى (عبد الجليل) يقيم في تمبكتو رفقة زوجته وأبنائه وأنه تبنى أفكارا جهادية».

وأعلن مطلع هذا الأسبوع عن اعتقال لوغان في مدينة تمبكتو من طرف الجيش الفرنسي، ونقل عن مصادر أمنية فرنسية أن لوغان سيسلم إلى السلطات المالية التي ستقوم بترحيله إلى فرنسا. وأضاف المصدر أن «دواعي إجرائية» وراء تسلميه إلى السلطات المالية، من دون أن يفصح عن تفاصيل اعتقاله ولا عن مصير أسرته.

ويأتي اعتقال لوغان من طرف القوات الفرنسية ليعيد إلى الواجهة من جديد قضية الفرنسيين الذين اعتنقوا الفكر الجهادي والتحقوا بتنظيمات متطرفة تعلن الحرب على بلدهم الأم فرنسا. وحسب تقديرات غير رسمية فإن هؤلاء الجهاديين الفرنسيين يقدرون بما بين العشرة والعشرين، أغلبهم مواطنون فرنسيون من أصول أفريقية؛ مغاربية ومالية؛ غير أن من بينهم فرنسيين أصليين اعتنقوا الإسلام وتشربوا بالأفكار السلفية الجهادية.

وأوردت وكالة الصحافة الفرنسية الأسبوع الماضي أن جهاديا فرنسيا قتل في مدينة تمبكتو إبان مواجهات عنيفة بين جهاديين والجيش المالي، أواخر شهر مارس الماضي، وهي المواجهات التي بدأت بعملية انتحارية استهدفت إحدى بوابات المدينة، وتطورت لتصبح مواجهات في الشوارع انتهت بتدخل من الطيران الفرنسي قضى على مسلحين كانوا يتحصنون بحديقة للأطفال وسط المدينة.

ونقلت الوكالة ذاتها عن تقرير وصفته بالسري أن التحقيق الذي فتحته السلطات الأمنية المالية، في هجوم تمبكتو، كشف أن مواطنا فرنسيا من أصول مالية كان بين الجهاديين الذين قتلوا في هجوم على المدينة. وجاء في التقرير أن «الإثباتات تؤكد أن المدعو موسى تيام، الملقب بـ(أبو حفص)، جهادي قتل في 20 مارس الماضي في تمبكتو وهو فرنسي من أصل مالي عمره 24 عاما»، وقد تضمن التقرير صورة للجهادي وهو أسود البشرة، يرتدي ثيابا بنية اللون، وقد مزق الرصاص صدره وذراعيه.

وتبذل الاستخبارات الفرنسية جهودا كبيرة لملاحقة هؤلاء الجهاديين، ففي شهر أغسطس (آب) 2012، حصلت باريس على صورة ظهر فيها مواطنان فرنسيان، في الثلاثين من عمرهما، وهما رفقة مقاتلين إسلاميين على مقربة من مدينة تمبكتو، قبل أن تحصل في أكتوبر من السنة نفسها على صورة أخرى ظهر فيها مواطن فرنسي وهو يركب سيارة عابرة للصحراء ويحمل بندقية كلاشنيكوف، يجوب شوارع مدينة غاو، وهي تحت سيطرة جماعة التوحيد والجهاد في غرب أفريقيا.

لكن ملاحقة الاستخبارات الفرنسية لهؤلاء الجهاديين بلغت أوجها داخل الأراضي الفرنسية، وذلك خشية تكرار سيناريو محمد مراح، الشاب الفرنسي ذي الأصول الجزائرية، الذي عاد من معسكرات تدريب في باكستان ليقتل سبعة أشخاص، من بينهم أربعة أطفال في مارس 2012، وهو حادث هز الرأي العام الفرنسي.

وكان تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قد قال في أحد بياناته وهو يخاطب الحكومة الفرنسية «تذكروا محمد مراح؛ إن أراضيكم غير مؤمنة، وإذا كان من بين مواطنيكم من هم معنا هنا في الساحل، فنحن قادرون على استخدامهم فوق أراضيكم».

وأمام هذه التهديدات صادقت الجمعية الوطنية الفرنسية على جملة من القوانين التي اعتبرت رادعة لمثل هذا النوع من الخلايا النائمة، ومن بينها قانون صدر في السادس من أكتوبر (تشرين الأول) 2012، ينص على أن أي فرنسي تدرب في معسكرات، حتى وإن لم يرتكب أي مخالفة في فرنسا، أو لم يكن قد تربى على الأراضي الفرنسية، فإنه يمكن أن يكون محل متابعة بتهمة التحالف مع أشرار لهم علاقة بمنظمة إرهابية، ويعاقب بالسجن مدة 10 سنوات، ويغرم بـ225 ألف يورو.