محمد صوان لـ «الشرق الأوسط»: قانون العزل قد يشمل رئيس البرلمان وبعض الثوار

رئيس حزب العدالة والبناء الليبي: لا بديل عن الشرعية.. واستنكر حمل السلاح ومحاصرة مقار الحكومة

محمد صوان
TT

قال محمد صوان، رئيس حزب العدالة والبناء الذي يعد الذارع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين في ليبيا، إن قانون العزل السياسي الذي يحتدم الجدل بشأنه الآن في البلاد لمنع تسلل المحسوبين على نظام العقيد الراحل معمر القذافي، ربما سيطال حال تطبيقه بعض كبار المسؤولين الحاليين والسابقين.

وأوضح صوان، في حوار خاص لـ«الشرق الأوسط» عبر الهاتف، أن القانون الذي يستعد المؤتمر الوطني العام (البرلمان) لمناقشته وتسبب في محاصرة مسلحين لمقار بعض الوزارات في الحكومة الانتقالية، ربما سيطال كلا من الدكتور محمد المقريف رئيس «المؤتمر الوطني» ومسؤولين آخرين، أبرزهم المستشار مصطفى عبد الجليل رئيس «المجلس الوطني الانتقالي» السابق، والدكتور محمود جبريل رئيس «تحالف القوى الوطنية» ورئيس أول مكتب تنفيذي للثوار.

لكن صوان أضاف أنه يتم الآن بحث إمكانية وجود استثناءات لمن قام بدور ما في المعارضة خلال حقبة القذافي أو خلال الثورة. وأعرب عن رفضه استخدام السلاح ومحاصرة مقار الوزارات التابعة للحكومة، مؤكدا أنه لا بد من احترام الشرعية المتمثلة في «المؤتمر الوطني» والحكومة المنبثقة عنه.

وحذر من أن استمرار الوضع الأمني الراهن ومحاصرة مقار الحكومة يمكن أن يؤدي إلى تدخل أجنبي لا تحمد عقباه، مطالبا المسلحين بإعمال الحكومة والعقل واللجوء إلى الأساليب السلمية. وفيما يلي أهم ما جاء بالحوار:

* كيف ترى المشهد الراهن بعد محاصرة مقار الوزارات؟

- لا شك في أن العزل السياسي هو المعضلة التي كانت - وما زالت - تواجه «المؤتمر الوطني»، وبعض المحتجين المطالبين بالعزل السياسي حاصروا وزارة العدل على أساس الضغط على الدولة لإصدار القانون، وأيضا جرت محاصرة مقر وزارة الخارجية على اعتبار أن هناك سفراء من زمن نظام القذافي ما زالوا في الخدمة. الحقيقة أن الوضع الأمني في ليبيا طبيعي ما عدا هذه الأماكن، المحتجون حصروا مطالبهم في هذه الدوائر، ونحن في حزب العدالة والبناء نعتبر أن التظاهر، وبعض هذه المطالب، قد يكون مشروعا، لكن لا شك في أن استخدام السلاح أو التلويح به أمر غير مقبول، لأنه أصلا يتنافى مع المسار الديمقراطي الذي نسعى جميعا لتأسيسه في ليبيا.

نحن نتمسك بالشرعية، ولا يوجد أي حل إلا التمسك بالشرعية المتمثلة في «المؤتمر الوطني» والحكومة المنبثقة عنه، وأي طعن في الحكومة ومحاولة محاصرتها، أو حتى التفكير في سحب الثقة منها، فهذا يتم عبر الآليات الديمقراطية الصحيحة، كل شيء جائز، لكن بالطرق والآليات المشروعة وفقا للمنظومة الديمقراطية. أما أي لغط أو شيء آخر فهو مرفوض، ونحن نقول عموما إن الشعب الليبي متمسك بهذه الشرعية، ونتمنى من الناس الذين يحاصرون مقرات الحكومة ويحملون السلاح أن يرجعوا إلى تحكيم العقل والحكمة، لأن الأمر في ليبيا إذا تطور - لا سمح الله - ربما سيؤدي إلى أضرار لن تفيد أحدا.

* ما تعليقك حول ما يتردد من معلومات عن قرار دولي بالتدخل في ليبيا تخوفا من نشوب حرب أهلية؟

- الشعب الليبي شديد الحساسية جدا تجاه أي تدخل في شؤونه، ولم أسمع عن أي أحاديث عن تدخل أجنبي، لكن حتى على افتراض أنها حصلت فهذا أمر مستبعد جدا، لأن الشعب الليبي فيه جزء رافض بشدة وربما كل الأطراف تعلم ذلك.

* لا مخاوف لديك إذن من نشوب حرب أهلية؟

- الشعب الليبي تركيبته الاجتماعية متجانسة جدا، حتى وإن حدثت أحيانا بعض التوترات في أمكان معينة، إلا أننا لا نتوقع أن يحدث انفلات أو انهيارات أمنية كبيرة، نظرا لأن هناك إجماعا واتفاقا مجتمعيا على دولة القانون والديمقراطية، فنحن ندعو الجميع للتمسك بالشرعية وبالوسائل الصحيحة للديمقراطية، وهذه الأساليب في تقديرنا هي أقوى من أي سلاح، إذا تمسكنا بهذه الوسائل، فإن السلاح سيختفي، وبالتالي لن يجد من يستخدم السلاح من يواجهه.

نحن نقول ليس لدينا سلاح، ليس لدينا إلا عملية ديمقراطية سياسية نريد أن نتمسك بها، من يريد استخدام السلاح عليه أن يبحث عن عدو أو خصم، نحن لا نقر ولا نستخدم هذه الأساليب.

* لكن البعض يقول إن وقوف الإخوان المسلمين وراء العزل السياسي يستهدف محمود جبريل؟

- الحقيقة أن من يقف وراء قانون العزل السياسي كثير من قطاعات الشعب الليبي، المتمثلة في الثوار والنشطاء السياسيين ومؤسسات المجتمع المدني والأحزاب، فنحن شرف كبير لنا في حزب العدالة والبناء أن نكون من المطالبين بقانون العزل السياسي، فنحن طرف من توافق مجتمعي على هذا القانون من حيث المبدأ، ونحن ليست لدينا إشكالية مع أي شخص مهما كان.

نحن نرى أن الديمقراطية هي تماسك سياسي واستخدام أساليب غير هذه الأساليب، أما العزل السياسي فهو أمر آخر، وهذا الكلام الذي يقال أو يروج للأسف، ربما تورط المستشار مصطفى عبد الجليل وقال إن «العدالة والبناء» يريدون استخدام قانون العزل السياسي لعزل الدكتور محمود جبريل، لكن للأسف هذا الكلام عار تماما عن الصحة، وربما جبريل نفسه يعلم هذا الكلام جيدا.

* وما الذي يدفع المستشار عبد الجليل لهذه التصريحات بينما هو لا ناقة له ولا جمل الآن؟

- الحقيقة أن بعض التقديرات، أن حزب العدالة والبناء موجود على الساحة السياسية وهو من الأحزاب الكبيرة الموجودة، وبالتالي التنافس سياسي وعرضة ربما لأن يتهم أي طرف بأي شيء معين، لكن على الواقع هذا غير صحيح، بل على العكس أحيانا نتهم من قبل المتمسكين بالعزل السياسي بأننا لا نريد تمرير هذا القانون. ليبيا الآن، نتيجة للفوضى الإعلامية، فيها تبادل كبير للاتهامات، ونحاول أن ننأى بأنفسنا عنها.

* البعض يقول إن العزل السياسي ربما يشمل حتى رئيس «المؤتمر الوطني» نفسه محمد المقريف؟

- الحقيقة أن كل الاحتمالات مفتوحة، فقانون العزل السياسي ربما يطال كثيرا من الناس الذين تولوا مناصب قيادية في عهد القذافي، ومن بينهم المستشار عبد الجليل وربما الدكتور محمود جبريل والمقريف وغيره، هناك الآن حديث عن استثناءات، ربما من كان له دور في المعارضة أو ثورة 17 فبراير (شباط) ربما يكون فيه عزل، وهذا متروك لنواب الشعب أن يقولوا رأيهم في هذه المسائل المفتوحة.

* محاصرة مقرات الوزارات تزامنت مع سفر المقريف لسلطنة عمان وقطر؟ لكنه لم يقطع هذه الزيارة.. فهل لديك ملاحظات على أدائه؟

- في الحقيقة، طالبنا المقريف بأن يقطع زيارته وأن يرجع إلى البلد لأنه يمر بظروف صعبة.. ربما له ظرف خاص، لكن نحن كنا نتمنى أن يستجيب لهذه الأوضاع الداخلية وأن يقطع زيارته، وهو لم يفعل ذلك.

* هل تتفق مع من يقول إن الحكومة لم تفعل شيئا منذ تشكيلها في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي؟

- لا.. حقيقة، الجميع يعلم أن حكومة الدكتور زيدان لم تعتمد ميزانيتها إلا من فترة قريبة جدا، وهي ما زالت حتى الآن لم تسلم حتى يبدأ العمل بها، وحتى المحتجون أنفسهم لا يتحدثون عن تقصير حكومة زيدان في تقديم الخدمات، وإنما يتكلمون عن أشياء أخرى، على أساس أن السيد زيدان ربما لم يستدع السفراء في الخارج من زمن القذافي وربما بعض التعيينات للموالين لنظام القذافي، مما يعني أن المأخذ ليس على أداء الحكومة، لأن أداء الحكومة لم يوضع في الميزان بعد.

* هل هذا يعني أنكم راضون عن أداء هذه الحكومة؟

- التقييم قد يكون ما زال مبكرا، أنت الآن أمام حكومة وضعت خطة، لكن الأموال لم تصل بعد، ونرى أنه من المبكر الآن تقييم الأداء. أما الاتهامات الأخرى، فقد تكون هناك بعض المطالب المشروعة والأساليب الديمقراطية والتظاهر السلمي، يمكن أن تغني عن استخدام السلاح، هناك التظاهر السلمي والضغط وسحب الثقة وجلسات استجواب الوزراء، وكلها أساليب ديمقراطية، أما استخدام السلاح فهذا أسلوب غير مقبول من الشعب الليبي، ومن يروج لذلك فلن يجني شيئا في النهاية.

* كيف ترى المعلومات عن إغلاق بعض السفارات.. وأن بعثة الأمم المتحدة ربما في طريقها للخروج من ليبيا؟

- نعم، هذا ما نريد أن نوضحه لكل من يحاول تسميم المسار الديمقراطي، إن كثيرا من الناس ربما لا يدركون أبعاد هذه الأفعال، ربما من منطلق حسن النوايا أو الحرص على الوطن، ربما تتسبب في الضرر بالوطن من حيث لا تشعر، مثل هذه النقاط، أن تنسحب الأمم المتحدة وبعض السفارات وأن نعطي رسائل خارجية لبعض الدول أن ليبيا غير آمنة، هذه للأسف قد تحدث كتداعيات نتيجة هذه الأوضاع، وهذا فعلا ما يجب أن يدركه كل الناس الليبيين الحريصين على الوطن، ونحن لا نشكك في حرص كل المتظاهرين والناس. والتظاهر السلمي لا بأس به، لكن استخدام السلاح ربما يؤدي، سوءا قصد من يستخدمه أو لم يقصد، إلى فتح أبواب أخرى أمام من يريد تحقيق أغراضه في ليبيا، خاصة في هذه المرحلة الهشة.

* هل تعتقد أنه سيتم نقل السلطة في موعدها المحدد نهاية هذا العام؟

- نحن في مسار صياغة الدستور، والآن «المؤتمر الوطني» قطع شوطا كبيرا في هذا الإطار، وبالتالي لا بد أن ننظر إلى أن هذا استحقاق كبير ومهم جدا، ونحن الآن على أبواب البداية في عملية اختيار لجنة كتابة الدستور. ونجح «المؤتمر» حتى الآن في تجاوز هذه المرحلة، وهناك إيجابيات كثيرة تحققت وأخرى متوقعة. وبالتالي، نحن مطمئنون جدا إلى أننا نستطيع معالجة قضايانا فقط بإبعاد السلاح والتوتر حتى نصل إلى الحلول.

* لكن البعض يقول إن ليبيا تنتظرها معركة أخرى عبر كتابة الدستور، هل ترى أن الليبيين قادرون على تجاوز هذه الخلافات؟

- الليبيون، حقيقة - كما ذكرت لك - مجتمع متجانس عرقيا ودينيا ولغويا وتاريخيا، ومن المزايا لدينا وجود تنوع عرقي، لكنه ليس تنوعا ضارا وليس تنوع تضاد، لدينا الأمازيغ والطوارق وبعض اللغات المحلية، لكن لا أتوقع أن هناك إشكاليات ستقف حجر عثرة في طريق كتابة وصياغة الدستور، نحن نتوقع أن تكون هذه العملية سهلة وسلسة بإذن الله.

* كإخوان مسلمين وطبقا لتجربة الإخوان في مصر وتونس، ما أوجه الاختلاف أو التشابه؟

- نحن أولا حزب العدالة والبناء، أما الإخوان المسلمون فهم حركة إصلاحية، لها ترخيص وتعمل في إطار الدولة في ليبيا بطريقة منفصلة، ونحن نختلف عن تجربة إخواننا في مصر أو غيرهم، نحن أقرب إلى «العدالة والتنمية» في المغرب، حيث إن الحركة الدعوية والإصلاحية بقيت بعيدة عن السياسة، أما السياسة فنحن نمارسها مع كافة أبناء الشعب الليبي الموجودين داخل الحزب، فقيادات هذا الحزب متنوعة والإخوان المسلمون هم أفراد داخل هذا الحزب، وبالتالي لسنا في محل مقارنة بيننا وبين مصر.

* ما رسالتك الآن للمواطن الليبي الذي يعيش كل هذا الترقب الآن؟

- لا شك في أننا، حقيقة، نشفق كثيرا على المواطن العادي البسيط الذي لا يتابع السياسة ويفرح بأي خطوة تدعو للاستقرار والأمن، نشفق كثيرا من جراء ما يسمع من الإذاعات والقنوات الفضائية، وهذه المخاوف التي ربما يبالغ فيها البعض وربما جزء منها حقيقي، فنحن رسالتنا لكل المسؤولين ولأصحاب القرار ولكل النخب ولكل القادة الذين يحتجون الآن ويحملون السلاح، نحن لا نشك في نواياكم أو في صدق ما تريدونه لمصلحة البلاد، لكن عليكم بالمزيد من الانتباه لمصلحة المواطن الليبي.