المعارضة السورية تحذر من بدء عملية «التطهير الطائفي» في الساحل

إدانة واسعة لنبش قبر ابن عدي.. و«الحر» يتبرأ من الفاعلين

TT

على الرغم من المحاولات الحثيثة لمنع وقوع سوريا في «فخ» الحروب القائمة على أسس طائفية أو دينية، فإن البلاد بدأت تنحو شيئا فشيئا نحو هذا المنزلق الخطر، وقد سُجل بالأمس حادثان خطيران يدلان على مدى استفحال «العنف الطائفي» في الصراع الدائر على الأراضي السورية؛ وتمثل الحادث الأول في اتهام المعارضة السورية لنظام الرئيس بشار الأسد بالبدء في حملة «تطهير على أسس طائفية» في الساحل، وذلك بقتله لما يزيد على 150 سوريا «سنيا» في بلدة البيضا التابعة لبانياس، في محافظة طرطوس الساحلية. وتمثل الحادث الثاني في اتهام الموالين لنظام الأسد الجيش السوري الحر، الذي يشكل «السنة» سواده الأعظم، بنبش قبر الصحابي حجر بن عدي، أحد مزارات الشيعة، بمدينة عدرا في ريف دمشق الشمالي، ونقل رفاته إلى جهة مجهولة.

وفي تفاصيل الحادث الأول، اعتبر الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والتغيير أن ما يجري في بلدة البيضا، وهي قرية سنية محاطة بقرى علوية، يرقى إلى مستوى «جرائم الإبادة الجماعية»، وذلك بعد يوم واحد من بدء عملية عسكرية في البلدة راح ضحيتها ما لا يقل عن 150 قتيلا، بحسب ما أفاد به ناشطون. وحذر عضو المجلس الوطني أنس عيروط، وهو من أبناء المنطقة، من عملية «تطهير طائفي في المنطقة»، وأضاف في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» معه أن عملية التطهير «بدأت أمس (أول من أمس) بدءا من هذه المجزرة»، مشيرا إلى أن اقتحام القوات النظامية «انتقل إلى قرية البساتين المجاورة للبيضا بعد ظهر اليوم (أمس)، وينتقلون من قرية إلى أخرى». ولفت عيروط إلى عمليات تهجير للسنة من المنطقة، قائلا إن «التهجير يتم عبر الدعوات المباشرة، وعبر المجازر التي تروع السكان»، معربا عن اعتقاده أن «تطبيق التقسيم في سوريا، وإعلان الدولة العلوية، بدأ عمليا من خلال تلك المجازر، حيث تكثف الجهود في الساحل السوري لبسط السيطرة على القرى السنية في الساحل، وبسط السيطرة على حمص التي ستكون عاصمة الدولة العلوية».

وعلى الرغم من أن الائتلاف قال إن عدد الضحايا بلغ 150 شخصا، فإن عمر حذيفة، أحد أبناء القرية، قال لـ«الشرق الأوسط» إن عدد القتلى «تجاوز الـ300 قتيل»، مشيرا إلى تدمير حيين سكنيين، يسكنهما ما يزيد على 1000 شخص، هما حي آل محمود الذي أبيد بالكامل، وحي آل العروس الذي تم تدميره.

وتعد هذه المجزرة الأفظع في تاريخ اقتحام القرية منذ بدء الثورة السورية. فقد اقتحمت قوات الأمن القرية في شهر أبريل (نيسان) 2011، ثم أعيد اقتحامها في 7 مايو (أيار) 2011، حيث شهدت القرية تنكيلا بالسكان. ثم جرى اقتحامها وارتكاب المجزرة أول من أمس. وقال حذيفة إن قوات الأمن «استفادت من أخطاء الماضي، إذ قتلت الناس بعد جمعهم بأعداد لا تتخطى 50 في كل حي، كي لا يظهر عدد القتلى كبيرا في الصور».

ويوضح حذيفة أن البيضا و7 قرى سنية أخرى تقع ضمن محيط يغلب عليه الطابع العلوي، الممتد من سلسلة جبال العلويين في الشمال، إلى مصياف وحماه في الشرق، وقرى حمص الشمالية، التي يسكنها علويون. وفي ريف بانياس تتقارب نسبة السكان العلويين والسنة بمعدل عام، رغم أن نسبة السنة ترتفع في بانياس نفسها لتصل إلى 50 ألف سوري سني، بينما يقيم في المدينة 20 ألف علوي، بحسب عيروط، الذي يشير إلى أن عدد المسيحيين المقيمين في المدينة لا يتجاوز الـ2 في المائة.

ومنذ بدء الثورة السورية، وانطلاق المظاهرات الاحتجاجية المناهضة لنظام الأسد، أقيم في بانياس 45 مركزا عسكريا وأمنيا. ويقول حذيفة لـ«الشرق الأوسط» إن الداخل إلى بانياس يحتاج إلى 3 ساعات للعبور إلى المدينة، كونه سيخضع لتفتيش 10 حواجز تشغل مسافة 3 كيلومترات على مدخل المدينة. ويؤكد أن المنطقة «لا يوجد فيها جيش حر، ولا عناصر تكفيرية»، مؤكدا أن المجزرة وقعت «بعدما واجه 3 من أبناء قرية البيضا قوات الأمن التي تهين المارة وسكان القرية، بالتزامن مع انشقاق 30 عسكريا من أحد المراكز التابعة للجيش النظامي، واشتبكوا مع الجيش السوري في القرية».

واعتبر الائتلاف الوطني أن ما يحصل في البيضا يدخل ضمن إطار الإبادة الجماعية، داعيا في بيان لمجلس الأمن للتدخل بشكل عاجل حماية للأمن والسلم الدوليين، مشيرا إلى أن المجزرة «تستدعي إحالة الملف إلى المدعي العام لدى المحكمة الجنائية الدولية لمباشرة التحقيق الدولي اللازم». وتوجه الائتلاف الوطني السوري إلى الجامعة العربية والأمم المتحدة مطالبا بالتحرك السريع لإنقاذ المدنيين في بانياس وغيرها من محافظات سوريا، مؤكدا أن «هناك عصابة مجرمة اتخذت الإرهاب منهجا للقضاء على مطالب شعب بالحرية».

بدوره، حمل المرصد السوري لحقوق الإنسان المجتمع الدولي «المسؤولية الأخلاقية» عن مجزرة قرية البيضا. وذكر المرصد في بيان أمس أن «المجتمع الدولي الصامت على مجازر وجرائم النظام السوري يتحمل المسؤولية الأخلاقية عن مجزرة قرية البيضا، التي ارتكبت على أساس طائفي من قبل الأدوات الطائفية للنظام السوري». وقال إن القوات النظامية السورية «ارتكبت بالتعاون مع مجموعات مما يسمى اللجان الشعبية المسلحة من الطائفة العلوية أمس (أول من أمس) مجزرة مروعة على أساس طائفي في قرية البيضا».

ولم تكن دمشق أفضل حالا مما يحصل في طرطوس، إذ أثار نبش ضريح الصحابي حجر بن عدي في منطقة عدرا، موجة من الاحتجاج والاستنكار، فقد وصفه حزب الله اللبناني بـ«الجريمة». وأضاف بيان صادر عنه أمس أن الحزب عبر عن «ألمه الكبير» لعملية «نبش مسلحين إرهابيين لقبر الصحابي الجليل حجر بن عدي الكِندي»، واضعا هذا الحادث ضمن سياق التداعيات التي حذر منها أمينه العام حسن نصر الله.

كما اعتبر نائب الرئيس العراقي خضير الخزاعي أمس أن «الإرهابيين» في سوريا «كشروا عن أنياب حقدهم على صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) باستهدافهم مرقد الصحابي حجر بن عدي». ونشرت مواقع عدة على الإنترنت وبينها موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» صورا لضريح ابن عدي، أحد أبرز قادة المسلمين في زمن الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم)، والموالين للإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه)، بعدما تم تخريبه. وعلى الرغم من أن أي جهة لم تتبن حتى الآن مسؤولية نبش القبر، فإن مواقع موالية لنظام الأسد وجهت أصابع الاتهام للجيش الحر عموما وللواء الإسلام خصوصا.

وفي اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» مع المدير التنفيذي لجبهة تحرير سوريا الإسلامية، التي يتبع لها لواء الإسلام، نفى محمد علوش التهم الموجهة لهم، مؤكدا أن «لواء الإسلام يدعو للتغيير بالحوار والنقاش والإقناع والدليل الشرعي وليس استعمال القوة والعنف». وشدد علوش على أن هذا القبر لم يكن معروفا في السابق قبل أن يأتي الإيرانيون ويشتروا الأبنية المحيطة به، ومن ثم يزعموا بأنه ضريح عائد لحجر بن عدي، لافتا إلى أن الإيرانيين «أقاموا حسينية إلى جانبه لتكون حجة لوجودهم الأمني، على طريقة مقام السيدة سكينة في داريا، الذي كان عبارة عن غرفة من الطين تحيط بها أشجار التين، بالإضافة إلى مقام عمار بن ياسر في الرقة الذي بنيت إلى جانبه حسينية كبيرة، لتكون مركزا للإيرانيين». وصدر عن تنسيقية الثورة في مدينة عدرا العمالية بيان استنكر عملية نبش القبر في حد ذاتها، بغض النظر عمن بداخله، عملا بالحديث الشريف القائل «كسر عظم الميت ككسره حيا».