وزير خارجية النيجر يقرع من باريس ناقوس الخطر ويحذر من مخاطر الإرهاب المنطلق من جنوب ليبيا

استقرار النيجر أولوية استراتيجية لباريس بسبب اليورانيوم المستخرج من مناجمها

TT

التقى وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، ظهر أمس، نظيره وزير خارجية النيجر محمد بازوم، الذي يقوم بزيارة رسمية إلى فرنسا في إطار «الحوار الاستراتيجي»، الذي تقيمه الدولتان.

وتأتي هذه الزيارة على خلفية تطورات العملية العسكرية الفرنسية في مالي، التي بدأت قبل نحو مائة يوم، وقرار الأمم المتحدة نشر قوة دولية تتولى الأمن في مالي وتحل محل القوة الأفريقية - الدولية التي لم تستكمل بعد انتشارها.

وقررت فرنسا، التي بدأت بسحب بعض جنودها، الإبقاء على قوة من نحو ألف رجل تكون مهمتها الاستمرار في ملاحقة «الإرهابيين» وضمان عدم تكرار السيناريو السابق الذي شهد استيلاء «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و«أنصار الدين» و«حركة تحرير أزواد» على شمال مالي، والنزول باتجاه العاصمة باماكو.

وتسعى باريس، منذ 30 شهرا، لإطلاق سراح 4 من مواطنيها خطفتهم «القاعدة» في 16 سبتمبر (أيلول) من عام 2010، في منطقة أرليت الواقعة شمال النيجر، وكانوا يعملون لصالح شركة «أريفا» التي تستثمر مناجم اليورانيوم في المنطقة.

وتعول باريس كثيرا، وفق ما تقول مصادرها، على استقرار النيجر لما يشكله اليورانيوم المستخرج من مناجمها من أهمية استراتيجية لفرنسا من جانب، ولأهمية هذا البلد في منع تمدد المنظمات الإرهابية الناشطة فيما يسمى «بلدان الساحل» التي تضم موريتانيا ومالي والنيجر وتشاد وصولا إلى دارفور والسودان من جانب آخر.

ويمثل اليورانيوم مادة استراتيجية بالنسبة لفرنسا التي تعول عليه لإنتاج نحو 70 في المائة من طاقتها الكهربائية، وهي النسبة الأعلى في العالم.

وبما أن آخر منجم لليورانيوم في فرنسا أغلق في عام 2001، فإن باريس تستورد كامل اليورانيوم الذي تحتاجه. وفي هذا الإطار، تحتل مناجم النيجر موقعا رئيسا، إذ إن أريفا تستخرج 25 في المائة من كامل اليورانيوم الذي تنتجه.

ويمثل يورانيوم النيجر نحو ثلث «استهلاك» شركة الكهرباء الفرنسية من هذه المادة. وأكثر من ذلك، فإن حصة النيجر من إنتاج أريفا سترتفع في الأعوام المقبلة بعد أن يبدأ الإنتاج في موقع إيمورارن (شمال)، الذي استثمرت فيه الشركة الفرنسية 1.2 مليار يورو.

ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج فيه العام المقبل، بحيث تتضاعف حصة النيجر من الإنتاج العالمي، وستحتل بالتالي المرتبة الثالثة عالميا.

وتتشارك باريس ونيامي الهواجس إزاء تنامي الإرهاب في المنطقة، على الرغم من العملية العسكرية الفرنسية في مالي، التي تؤكد وزارة الدفاع الفرنسية أنها أنزلت «ضربة قاسية» بالإرهابيين. غير أن باريس تعي أن المئات منهم نجحوا في الخروج من مالي، والتوجه إلى بلدان الجوار، إن في موريتانيا أو شمال النيجر، وخصوصا إلى الجنوب الليبي.

وفي هذا السياق، استغل وزير خارجية النيجر وجوده في العاصمة الفرنسية ليقرع ناقوس الخطر، ولينبه لاستفحال الوضع في الجنوب الليبي. وقال محمد بازوم، في حديث لوكالة «رويترز»، إنه يتعين على الأسرة الدولية أن تعمل على درء خطر الإسلاميين الذين تجمعوا في مناطق الجنوب الليبية، لأنهم يشكلون تهديدا متناميا للدول المجاورة، ومنها النيجر.

وقال بازروم: «اعتقدنا دائما أن هناك منطقتين يتعين الاهتمام بهما، هما مالي وليبيا. وإذا كانت حالة مالي سُوّيت، فإن الحالة الليبية لم تسوّ». وأردف الوزير قائلا: «نعتقد أن ليبيا من أكبر قواعد الإرهاب الدولي»، باعتبار أن الجنوب الليبي «خارج عن سلطة الدولة التي لا تقوم بمراقبة أي شيء فيه».

والحل برأيه أن تتآزر جهود الدول الكبرى التي لعبت دورا في الإطاحة بنظام العقيد القذافي «من أجل توفير الاستقرار وضمان تغلب الديمقراطية في ليبيا». غير أنه شكك في رغبة الدول المعنية في القيام بهذا الدور.

وما يقوله وزير خارجية النيجر تعرفه باريس عن ظهر قلب.

فقد استهدفت سيارة مفخخة السفارة الفرنسية في طرابلس صبيحة 23 أبريل (نيسان) الماضي. وأدى الاعتداء إلى جرح موظفي أمن، وإلى تدمير نحو 60 في المائة من السفارة.

وتنصح باريس رعاياها بعدم التوجه إلى ليبيا نظرا لخطورة الوضع.

وجدير بالذكر أن منفذي عملية احتجاز الرهائن الواسعة في موقع عين أميناس الجزائري للغاز، يرجح أن يكونوا قد انطلقوا من جنوب ليبيا الخارج عن أي سلطة.

وترى المصادر الفرنسية أنه إذا كانت السلطات الليبية عاجزة عن فرض الأمن في العاصمة طرابلس، وفي المدن الرئيسة، بسبب رفض الميليشيات التخلي عن سلاحها وقبول سلطة الدولة، فن المؤكد أن الجنوب الليبي سيبقى خارج السيطرة. كذلك تتخوف باريس من استمرار الانفلات على الحدود الليبية مع بلدان الجوار بما فيها النيجر.

وبحسب محمد بازوم، فإنه طالما بقيت ليبيا دولة غير مستقرة وعاجزة عن فرض الرقابة على حدودها، سيبقى الخطر ماثلا، بحيث إن القواعد المقامة «على الأراضي الليبية ستبقى تشكل تهديدا مباشرا لدول الجوار الليبي، كالجزائر أولا، ثم تونس ومالي والنيجر وربما تشاد».

وكانت باريس، بدعوة من وزارة الخارجية، قد استضافت مؤتمرا الشتاء الماضي خصص للأمن في ليبيا، بحضور دولي واسع. وأسفر المؤتمر عن تقديم وعود بمختلف أشكال الدعم للسلطات الليبية لتمكينها من فرض سيطرتها على الحدود وفي الداخل.

وتشكو طرابلس نفسها من هروب الإسلاميين من شمال مالي إلى الجنوب الليبي بسبب العملية الفرنسية.

وذهبت تشاد إلى حد اتهام طرابلس بالسماح لـ«مرتزقة تشاديين» بإقامة مخيم تدريب لهم شرق ليبيا قريبا من مدينة بنغازي، وذلك بعد أنباء رسمية عن وقوع محاولة انقلابية للإطاحة بحكم الرئيس إدريس ديبي. والجدير بالذكر أن ديبي أرسل ما يزيد على ألفي رجل من نخبة جيشه للقتال ضد المنظمات الإرهابية، شمال مالي، إلى جانب الفرنسيين.

وبداية الأسبوع المنتهي، كشفت وزارة الدفاع الفرنسية عن «الكتاب الأبيض» الذي أعدته دوائرها، وهو يحدد أولويات فرنسا الاستراتيجية في العالم، ومن أهمها محاربة الإرهاب والسعي لتوفير الاستقرار في أفريقيا.