بايدن يوازن بهدوء خوض سباق الرئاسة في 2016

وحدهما تقدم العمر واحتمال ترشح كلينتون قد يعيقانه عن التفكير في خلافة أوباما

TT

كان متوقعا أن يتوجه نائب الرئيس الأميركي جو بايدن مساء أمس إلى ساوث كارولينا لترؤس مأدبة لأعضاء الحزب الديمقراطي بالولاية، ويشعل من هناك التوقعات بخوضه سباق الرئاسة في عام 2016، عبر إجراء مقابلات والاختلاط بالناس للترويج لحملته الانتخابية في أول ولاية رئيسة في الجنوب. وكان مفترضا أن يقدم نفسه بالاسم الأول رافعا التكليف بينه وبين الكثير من السياسيين المحليين ونشطاء الولاية ممن يصطفون للترحيب به ويثنون على خصاله. وقال ديك هاربوتليان، رئيس الحزب الديمقراطي في ساوث كارولينا مسبقا: «تحدونا مشاعر عظيمة باستقباله».

وقبل رحيله تتجلى أكثر فرضية ترشحه للرئاسة. بالنسبة لبايدن، الذي يقول أفراد أسرته ومستشاروه إنه يدرس خوض سباق انتخابات الرئاسة في عام 2016 من عدمه، هناك عدة متناقضات فعلية. فهو محبوب من الديمقراطيين المحليين، ولكن بالأساس بوصفه تربطه صلة قرابة من الدرجة الثانية لباراك أوباما. من ساوث كارولينا إلى قلب ولاية أيوا، لا توجد أي إشارات - على الأقل حتى الآن - تدل على عمل ما من جو. وتقول سو دفورسكي، رئيسة سابقة للحزب الديمقراطي بولاية أيوا: «فقط لم تظهر أي إشارات».

من الواضح أن بايدن يملك الخبرة والثقل للصعود إلى منصب الرئاسة، غير أن كثيرا من الديمقراطيين يقولون إنه ربما مكث في واشنطن لفترة طويلة جدا (منذ 1973) للفوز بانتخابات. إنه الشريك الحاكم للرئيس أوباما، غير أنه قلما ينظر إليه بوصفه وريثه المنتظر. وبسبب هذه الصورة وترشيحه، يُحتمل أن يواجه منافسة شرسة في شخص وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، المرشحة الأوفر حظا، حسب السواد الأعظم من الناس، لمنصب الرئيس في 2016.

يقول روبرت شروم، وهو خبير استراتيجي محنك في الحملات الانتخابية للديمقراطيين: «نظرا لأنها تنتمي إلى الحزب الديمقراطي، فإنه لا يمكنني القول إنها فيل جمهوري، لكنها في واقع الأمر حمار ديمقراطي مهيمن. إذا قررت خوض سباق الانتخابات، سيكون أشبه بالمستحيل منعها من أن تكون المرشحة للمنصب. أما إذا آثرت عدم دخول السباق، فأعتقد أن بايدن سيكون المرشح الأوفر حظا».

ويقول دونالد فاولر، وهو رئيس سابق للجنة الوطنية الديمقراطية ويعد من مواطني ساوث كارولينا ومقرب من أسرة كلينتون، إنه حتى في هذه الحالة: «لن يكون الأمر سهلا بالنسبة له».

ويظل بايدن على مسافة بعيدة عن ساحة انتخابات عام 2016. وركز سياسي ديمقراطي يدرس خوض سباق الانتخابات الرئاسية مشاوراته مع مستشاريه بالكامل على كيفية، بل وما إذا كان من الممكن بالأساس، تحدي كلينتون. وبحسب أحد مستشاريه، لم يدخل بايدن في المعادلة.

وفي موضع ما، سيجري بايدن بعض الحسابات الخاصة به. ويقول تيد كوفمان، الصديق المؤتمن لبايدن منذ فترة طويلة والذي تم تعيينه ليخلف بايدن في مجلس الشيوخ بعد انتخابه نائبا للرئيس في عام 2008: «يمكنك أن تجلس وتفكر في الأمر وتحلم به، لكن في واقع الأمر، لن تتخذ قرارا بشأنه إلا لاحقا، وحينها يصبح الأمر جادا وخطيرا». وطرح مقربون من بايدن اعتبارات عدة، بدءا بمخاوف سياسية أساسية: هل ستعود الدولة فعليا للوراء بانتقاء رجل أبيض من جيل الطفرة الإنجابية ليخلف رئيسا أسود مفعما بروح الشباب؟ وهل سيُنظر لإدارة أوباما بعد ثلاثة أعوام من الآن باعتبارها ناجحة، خاصة على صعيد الاقتصاد؟.

وهناك أيضا مسألة ما إذا كانت كلينتون ستخوض سباق الانتخابات أم لا. وهذا، بحسب كوفمان، «اعتبار مهم» لأن بايدن وكلينتون «صديقان بالفعل».

السيناريو الأفضل لترشح بايدن سيعتمد على عدم دخول كلينتون السباق، وحدوث ازدهار كبير في الاقتصاد ووجود رغبة لدى الناخبين في أن يحكم أوباما لفترة رئاسية ثالثة. غير أن بايدن لا يمكنه التحكم في هذه المحددات. ومن ثم، فهو يفكر، حسب مقربين منه، في عوامل شخصية بدرجة أكبر، من بينها طموحاته الرئاسية التي تعود لعقود مضت. يحتفظ بايدن، 70 عاما، بجدول سفر من شأنه أن يرهق معظم الرجال ممن هم في نصف عمره. لكن سيتزامن بلوغه الثالثة والسبعين من عمره مع موعد إجراء الانتخابات المقبلة. وقال أولئك المقربون منه إنه على دراية بأن عمره سيمثل مشكلة. بالنسبة لبايدن، الذي يخوض غمار الترشح منذ العشرينات من عمره، سيكون عدم ترشحه أمرا غير طبيعي، خاصة إذا كان يعتبر ناجحا في منصبه كنائب للرئيس، بحسب مقربين منه.

غير أن عدم الترشح أيضا يوفر له فرصة جني أموال طائلة للمرة الأولى في حياته. فبايدن، الذي يصنف ضمن أفقر أعضاء مجلس الشيوخ، يمكنه جني ملايين الدولارات في فترة وجيزة باقتحامه دوائر النقاش أو نشر مذكراته أو انضمامه لمجالس إدارات الشركات. يجد بايدن إمكانية توفير دعم مالي لأسرته أمرا مغريا على وجه الخصوص، بحسب مقربين منه. ويقول مستشارو بايدن إنه في وقت ما خلال العامين المقبلين سيجلس مع زوجته جيل وأبنائه الثلاثة وبقية أفراد الأسرة لتقرير ما إذا كان سيدشن حملة وطنية أخرى. (رفض بايدن عبر أحد مساعديه إجراء مقابلة لأجل هذا المقال). ويقول بو، الابن الأكبر لبايدن، الذي يشغل منصب المدعي العام لديلوار: «لا أعتقد أنه يخفى على أحد أنه سيفكر في هذا الموضوع. أود منه أن يفكر فيه بجدية. أعتقد أنه سيكون رئيسا عظيما».

ويرى نائب الرئيس أن التوقعات لانتخابات عام 2016 تجعله مناسبا وتساعد في منح إدارة أوباما نفوذا سياسيا في الفترة الرئاسية الثانية، حسبما ذكر مقربون منه. وفي حال إعلان بايدن عدم خوضه سباق الانتخابات، حسبما يشاع، فربما يعجل هذا بحالة العجز المحتومة للإدارة الأميركية.

ويتمثل سؤال يتردد في المشاورات فيما إذا كان بايدن سيفوز أم لا. خاض الرجل الانتخابات الرئاسية مرتين وخسر خسارة مؤسفة. في عام 1988، انسحب قبل الانتخابات الأولية بعد فضيحة السرقة الأدبية، وفي عام 2008، انسحب عشية المؤتمرات الجماهيرية في ولاية أيوا بعد حصوله على نسبة 1 في المائة فقط من الأصوات.

وكشف استطلاع رأي نشرته جامعة كوينبياك أن 65 في المائة من الديمقراطيين والمرشحين المستقلين المنحازين للحزب الديمقراطي يدعمون كلينتون، بينما تدعم نسبة 13 في المائة فقط بايدن. وحل أندرو كومو حاكم ولاية نيويورك في المرتبة الثالثة، بنسبة 4 في المائة.

وإذا لم تخض كلينتون السباق الرئاسي، فإن نسبة 45 في المائة من الناخبين ستدعم بايدن، فيما ستدعم نسبة 15 في المائة كومو، وستدعم نسبة أقل من عشرة في المائة مرشحين محتملين آخرين. وثمة تساؤل آخر مطروح، يتمثل فيما إذا كان بايدن - الشخص الثرثار المنتمي لسياسات الناخبين التقليديين - سيحظى بقبول ائتلاف ديمقراطي متغير. وعلى مر العقود، وطد بايدن علاقات قوية بالبيض من الطبقة العاملة، الذين شكلوا من قبل قلب القاعدة الديمقراطية. لكن في حملتي عامي 2008 و2012، أعاد أوباما تشكيل الائتلاف ليضم عددا أكبر من الناخبين الشباب وذوي الأصول اللاتينية والأفريقية والمثليين.

وفي فترة الخمس سنوات الأولى التي عمل فيها بايدن نائبا للرئيس، شكل هوية قناعات جوهرية تروق للقاعدة الديمقراطية حول السيطرة على السلاح وزواج المثليين وحقوق المرأة. ولم يخجل من التعبير عن رأيه صراحة؛ إذ أزعج في العام الماضي مستشاري أوباما بتأييده تشريع زواج المثليين قبل أوباما. وبشكل خاص، غالبا ما ينتقد مستشارو أوباما بايدن بوصفه سياسيا مرتجلا يسعى إلى الأضواء وعرضة لارتكاب حماقات. ولكن ما ينظرون إليه باعتباره عدم انضباط وكياسة، ربما يثني عليه الناخبون بوصفه سلامة نية وصراحة. ويقول شروم: «إنه سريع البديهة وتلقائي. أعتقد أن هذا يجعله شخصا غير مزيف بالنسبة للناخبين».

* ساهم سكوت كليمنت وكارين تومولتي في إعداد هذا التقرير

* خدمة «واشنطن بوست» خاص بـ«الشرق الأوسط»