غارة إسرائيلية على شحنة أسلحة داخل سوريا.. ودمشق تلتزم الصمت

مصادر إسرائيلية: القصف استهدف أسلحة كانت ستغير «قواعد اللعبة»

TT

رغم التزام تل أبيب الرسمية الصمت تجاه الهجوم على مواقع داخل سوريا، فإن مصادر إسرائيلية أكدت أن طائرات سلاح الجو أغارت، فجر أول من أمس، على شحنة سلاح داخل الأراضي السورية، كانت في طريقها إلى حزب الله اللبناني، وأضافت المصادر أن «الشحنة لم تكن تحتوي على أسلحة كيمائية، وإنما نوعية سلاح من شأنه تغيير قواعد اللعبة».

وعلى الرغم من أن المصادر الإسرائيلية، لم تحدد الموقع المستهدف أو نوعية الأسلحة، فإن الناطق الرسمي باسم هيئة أركان الجيش السوري الحر قاسم سعد الدين، أكد في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» معه أن الغارة استهدفت «شحنة من صواريخ أرض - أرض، قادرة على حمل رؤوس كيماوية، في منطقة الزبداني، الواقعة في القسم السوري من سلسلة جبال لبنان الشرقية».

وتعبر غارة فجر الجمعة، إن صحت، الثانية من نوعها هذا العام في الأراضي السورية؛ إذ سبق للطيران الحربي الإسرائيلي أن أغار في 30 يناير (كانون الثاني) الماضي على مركز البحوث والدراسات العلمية بجمرايا في ريف دمشق، مستهدفا شحنة صواريخ «إس إيه 17»، كانت في طريقها إلى حزب الله، بحسب ما قاله الإسرائيليون حينئذ.

وتسعى إسرائيل إلى المحافظة على «قواعد اللعبة» على وضعها الراهن، وذلك بمنع وصول الصواريخ متوسطة وبعيدة المدى، التي يتملكها نظام الرئيس بشار الأسد، لحليفه في لبنان، حزب الله.

وقد أشار محللون إلى أن القيادة العسكرية في إسرائيل أخذت الضوء الأخضر من نظيرتها السياسية للقيام بهذه الهجمة، وذلك خلال اجتماع الـ«كابينيت» الإسرائيلي، المجلس الأمني المصغر، الذي عُقد الخميس الماضي برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وتسرب أن الاجتماع ناقش مسألة سرية.

وفي سياق متصل، أشار عاموس جلعاد رئيس الهيئة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع إلى أن «سوريا لم تعد تشكل دولة بل كيان يتشرذم، ولكن في هذا الكيان توجد كميات كبيرة للغاية من الأسلحة الكيماوية والصواريخ والقذائف التي يطال مداها مساحة إسرائيل كلها».

وعندما سئل جلعاد عن الغارة على سوريا، اكتفى بالقول إن «المنطقة تعيش ظروف تحوّل تاريخي، وإسرائيل تبذل جهودا كبيرة في سبيل الحفاظ على الأمن والهدوء». ونصح جلعاد الصحافة بالتوجه إلى الجيش الإسرائيلي لتأكيد أو نفي الواقعة، مضيفا: «المصادر الرسمية هي الناطق بلسان الجيش فقط».

وكانت الولايات المتحدة هي أول من كشف أمر الغارة عندما أفادت شبكة «سي إن إن» الإخبارية في وقت متأخر، أول من أمس، نقلا عن مسؤولين أميركيين لم تكشف هويتيهما، بأن الولايات المتحدة تعتقد أن «إسرائيل شنت غارة جوية داخل الأراضي السورية»، وأضافت الشبكة أن وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه)، من خلال مراقبتها لأجواء المنطقة عن طريق الأقمار الصناعية، تعتقد أن طائرة عسكرية إسرائيلية حلقت فوق المجال الجوي اللبناني، ومن ثم قصفت أهدافا في الأراضي السورية.

ونقل عن عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ساوث كارولينا، السيناتور ليندسي غراهام، قوله إن إسرائيل قصفت سوريا. وجاءت تصريحات غراهام العضو في لجنة القوات المسلحة في الكونغرس، خلال العشاء السنوي لجمع الأموال لصالح الحزب الجمهوري في ولاية ساوث كارولينا.

وكانت الأراضي اللبنانية شهدت نشاطا مكثفا للطائرات الإسرائيلية في اليومين الماضيين، مما أثار موجة من الاستنكار على الصعيد الرسمي؛ إذ اعتبر وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عدنان منصور، أن الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة للأجواء اللبنانية «تأتي في سياق الاعتداءات المتواصلة التي تقوم بها على سيادة لبنان».

وقال إن «هذه الانتهاكات لن تغير شيئا من طبيعتها العدوانية التي اعتادتها إسرائيل منذ قيامها وحتى اليوم ضد لبنان».

وأفاد الجيش اللبناني في بيان، أول من أمس، بأن «الطيران الحربي الإسرائيلي خرق الأجواء اللبنانية على 3 دفعات، مساء الخميس - الجمعة، بدءا من الساعة 19:10 بتوقيت بيروت، وأن آخر طائرتين غادرتا مجاله الجوي الساعة 3:15 فجر الجمعة».

ويتزامن توقيت الضربة الإسرائيلية المزعومة مع دراسة الإدارة الأميركية لخيارات الرد على استخدام الأسلحة الكيماوية من جانب نظام الأسد، الذي وصفه الرئيس الأميركي باراك أوباما في وقت سابق بأنه «خط أحمر». وفي هذا الصدد، جدد رئيس الهيئة السياسية والأمنية في وزارة الدفاع، في ندوة سياسية بمنطقة بئر السبع، جنوب البلاد، دعوته للولايات المتحدة بعدم التدخل في سوريا، معللا ذلك بأن «إيران هي التهديد الجدي بالنسبة لإسرائيل».

وعلى الرغم من أن الصحف الإسرائيلية لا تصدر يوم السبت عادة، فإن محللين عسكريين إسرائيليين لم يفوتوا فرصة التحدث عن الضربة، ملمحين إلى أن إسرائيل هي التي تقف وراءها، حتى لو لم تتبنّ ذلك بشكل رسمي. وقال روني دانيال المراسل العسكري في القناة الثانية الإسرائيلية إن بلاده «تعمل داخل سوريا من دون شك، استخباراتيا وأمنيا وعسكريا»، وأضاف: «إنها تجمع معلومات عن الأسلحة التي تنقل لحزب الله والأسلحة الكيماوية وقدرة الأسد على الصمود أكثر.. إسرائيل تتابع وتقوم بمهام للحد من أي خطر».

وبينما رفضت ناطقة باسم الجيش الإسرائيلي أمس، تأكيد أو نفي صحة التقارير حول ضرب أهداف داخل سوريا، قائلة: «نحن لا نعلق على مثل هذه التقارير»، قال سعد الدين لـ«الشرق الأوسط» إن الغارة وقعت على بعد كيلومترات قليلة من الحدود اللبنانية - السورية لجهة البقاع، في موقع قريب من الغارة الإسرائيلية الأولى قبل 3 أشهر. وأشار سعد الدين إلى أن الأسلحة الكيماوية «بدأت تخرج من مواقع تخزينها في سوريا، بعد ارتفاع منسوب القلق الدولي من استخدامها، والتحذيرات الغربية، كما بدأت تظهر منصات إطلاقها»، لافتا إلى أن الشحنة السورية التي أعلنت مصادر إسرائيلية ضربها أول من أمس «تتضمن، بحسب المعلومات المتوفرة، صواريخ أرض - أرض، قادرة على حمل رؤوس كيماوية»، وتعد المنطقة الممتدة من جمرايا إلى سرغايا، والمعروفة بالسفح الشرقي لسلسلة جبال لبنان الشرقية، الممر التقليدي لسلاح حزب الله الذي يتدفق من دمشق. وتشير تقارير استخباراتية إلى أن السلاح يصل إلى الداخل اللبناني في منطقة قرب مطار رياق العسكري، حيث يحظى حزب الله بتأييد أهالي معظم القرى المحيطة بالمنطقة، وهي قرى قضاء بعلبك.

ووفقا لمحللين عسكريين، تمتلك إسرائيل قدرة جوية ونارية تخول لها، من الناحية النظرية، تصوير مواقع، أو حتى ضربها، من مسافة 50 كيلومترا. يشار إلى وكالة الأنباء السورية (سانا) تجاهلت الخبر بشكل كامل، حتى مساء أمس، واكتفت تغطيتها على مشاركة الأسد في إزاحة الستار عن نصب تذكاري لشهداء الجامعات السورية في جامعة دمشق.