الجيش السوداني يطوق «أبو كرشولا»

الفارون من القتال يعيشون أوضاعا مأساوية

TT

تواصل قوات «الجبهة الثورية» سيطرتها على بلدة «أبو كرشولا» قرب الحدود بين ولايتي جنوب وشمال كردفان السودانيتين، لليوم الثامن على التوالي، فيما فر أكثر من (22) ألفا من سكان البلدة عقب هجوم قوات الجبهة الثورية على البلدة شمالا إلى مدينة «الرهد» هربا من القتال الدائر هناك، وسط اتهامات بممارسة انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان.

وتقول مصادر بالولاية إن القوات الحكومية على مشارف المنطقة مستهدفة «تحريرها» من قبضة التمرد، وإنها طوقت مداخل ومخارج المدينة، وفي ذات الوقت تزداد الأوضاع الإنسانية للنازحين والفارين من القتال قسوة، وتتزايد أعدادهم باطراد، فيما تنفي الجبهة الثورية ممارسة أي تصفيات أو انتهاكات ضد السكان المحليين.

وقال شاهد عيان وهو ينتحب: «والدتي المسنة تلتحف التراب منذ سبعة أيام بلا مأوى، أو غطاء، أو طعام، في أحد معسكرات النازحين من منطقة أبو كرشولا بمدينة الرهد».

وأضاف: «النازحون يعانون من أوضاع إنسانية سيئة، ويقيم ما بين 3 إلى 5 آلاف في مدارس المدينة، يعانون الجوع والعري وانعدام المأوى، ويستخدمون الثياب النسائية لتظلهم شمس الصيف اللاهبة، وبلا مرافق صحية كافية».

وفر أكثر (22) ألفا من سكان بلدة «أبو كرشولا» على الحدود بين ولايتي جنوب وشمال كردفان السودانية، إلى مدينة الرهد ومدن وقرى أخرى قريبة، وإلى «فرقان» ومساكن الرحل في المنطقة، عقب هجوم قوات «الجبهة الثورية» على البلدة والاستيلاء عليها السبت الماضي.

وأوضح الشاهد سيد سليمان إسماعيل، وهو من النازحين إلى الرهد، أن أعداد النازحين في تزايد مستمر، وأن النزلات الرئوية والمعوية، انتشرت بينهم لا سيما بين الأطفال.

وناشد الشاهد المنظمات الدولية ومنظمات المجتمع المدني لإغاثة سكان البلدة الذين فروا تحت القصف وأصوات الرصاص، وتركوا كل شيء خلفهم، وأن بعضهم خرج من دون أحذية، وبالملابس التي كان يرتديها أثناء نومه.

وقال إن أهل البلدة كانوا يتوقعون هجوم «الجبهة الثورية»، لأن البلدة اعتادت على الهجمات الخاطفة، بيد أنهم فوجئوا بهجوم كبير يتضمن آليات عسكرية كثيرة وبقصف مدفعي مكثف استهدف معسكر الجيش، ومعسكر شرطة الاحتياطي المركزي، وتشتهر باسم «أبو طيرة»، وهي قوات محدودة العدد، ما أدى لفرار المواطنين وهم في حالة فزع كبير.

وقال موظف مدني - طلب إبقاء اسمه سريا - وهو من أبناء بلدة أبو كرشولا، إن سكان البلدة البالغ عددهم (45377) نسمة، فر منهم إلى مناطق «الرهد، علوبة» بولاية شمال كردفان أكثر من (22) ألفا، فيما تفرق الباقون في القرى خارج البلدة.

وأضاف أن قوات الجبهة الثورية قتلت (48) شخصا من القيادات العسكرية والمدنية والأهلية، وأنهم كانوا يستهدفون بشكل أساسي رجال الجيش والشرطة وقوات الدفاع الشعبي وقادة حزب المؤتمر الوطني، فضلا عن قيادات سياسية، وقال: «كانوا يحملون قوائم بالمستهدفين»، وإن مدنيين لقوا حتفهم أثناء الفرار، خاصة الأطفال.

وحسب المصدر فإن أعدادا أخرى من القتلى والجرحى غير المعروفين من الرحل وفي القرى النائية لا تتضمنهم قائمة الـ48، وأوضح أن بلدة «أبو كرشولا» تكاد تخلو من السكان.

وأضاف أن عمليات القتل التي نفذتها الجبهة الثورية في بلدته تضمنت عمليات انتقامية ذات طابع عرقي، وأن بعض جنود الجبهة الثورية انتهزوا الفرصة لتصفية خلافات وثارات قبلية، ترتبت على نزاعات قبلية سابقة في المنطقة بين مجموعات القبائل العربية والنوبية.

وحمل الشاهد الحكومة المركزية مسؤولية ما سماه «التراخي» في الحفاظ على أمن المواطنين، وقال إن تراخي المسؤولين سهل دخول قوات الجبهة الثورية للبلدة، وإن قوات الجبهة الثورية هي الأخرى تخلت تماما عن برنامجها الذي تزعم أنه يهدف لإسقاط نظام الحكم في الخرطوم وتخليص المواطنين منه، واتجهت لممارسة القتل العشوائي، وانتهز بعض جنودها الفرصة لتصفية «ثارات قديمة».

وظلت البلدة «أبو كرشولا» - زهاء 500 كيلومتر جنوب غربي الخرطوم - منذ السبت الماضي، تحت سيطرة قوات «الجبهة الثورية»، التي سيطرت عليها قبل دخولها مدينة «أم روابة» وخروجها منها، وقال المتحدث باسم الحركة الشعبية - الشمال، أرنو نقولتي لودو، في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط» إن قواته حررت المدينة من سيطرة حزب المؤتمر الوطني، وإنها ستكون فاتحة عملية تحرير الخرطوم.

بيد أن «أرنو» دعا لتكوين «لجنة تقصي حقائق دولية» لتحدد من ارتكب جرائم التصفية العرقية في البلدة، ومناطق الولاية الأخرى وتحديد من هو «المجرم الحقيقي»، واصفا اتهامات الحكومة السودانية لحركته بممارسة انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، بأنها محاولات يائسة لتبرير هزيمته، ولتشتيت الأنظار بعيدا عن ما تفعله ضد المدنيين في ولاية جنوب كردفان وولايات البلاد الأخرى.

من جهتها، قالت مصادر رسمية بولاية جنوب كردفان، إن القوات الحكومية أصبحت على مشارف بلدة «أبو كرشولا» لاستردادها من يد قوات «الجبهة الثورية».

ونسبت «الشروق نت» شبه الحكومية إلى الجيش الحكومي قوله إنه فرض طوقا أمنيا وأحكم قبضته على مداخل المدينة ومخارجها، وأنه «سيحرر» البلدة من قبضة المتمردين في غضون ساعات، وأن زحفه لن يتوقف بتحرير أبو كرشولا، بل سيتواصل حتى تحرير منطقة «كاودا» معقل الجبهة الثورية بولاية جنوب كردفان.

ونسبت صحيفة «الرأي العام» السودانية الصادرة أمس، إلى وزير الدفاع عبد الرحيم محمد حسين قوله: «القوات المسلحة تقاتل في جنوب كردفان والنيل الأزرق مضطرة، لأنها لم تجد رغبة من المتمردين بالمنطقتين في السلام».

وذكر رئيس وفد السودان المفاوض مع قطاع الشمال إبراهيم غندور، حكومته تتعامل مع من أطلق عليهم «المارقين والخارجين» بمنهج الحسم وفي ذات الوقت تعمل على إكمال السلام بالتفاوض، وأنها ملتزمة بمواقفها الثابتة من قضية تحقيق السلام في «جنوب كردفان والنيل الأزرق».