ليبيا تقر «العزل السياسي» لمسؤولي النظام السابق وتستثني قيادات بينهم رئيس البرلمان

مصادر في الحكومة: القانون لا ينطبق على زيدان والمقريف.. ولا قوات أجنبية في الجنوب

TT

أقرت ليبيا أمس رسميا قانون «العزل السياسي» الذي يمنع أي شخص شغل منصبا كبيرا أثناء حكم العقيد الراحل معمر القذافي، الذي امتد 42 عاما، من العمل في الإدارة الجديدة، وهو تحرك يمكن أن يجبر رئيس الوزراء الدكتور علي زيدان، على الاستقالة، لكونه عمل دبلوماسيا لبلاده في الهند قبل انشقاقه وانضمامه إلى المعارضة في ثمانينات القرن الماضي، كما أن رئيس المؤتمر الوطني، محمد المقريف، ونائبه ونحو 40 آخرين من الأعضاء في البرلمان قد يشملهم قانون العزل، إلا إذا انطبقت عليهم استثناءات القانون في شكله النهائي.

واعتذر المقريف عن عدم رئاسة جلسة أمس لحساسية موضوع القانون. ولم يعرف بعد بشكل قاطع إن كان موقع زيدان كدبلوماسي سابق سيشمله قانون العزل أم أن القانون سيقتصر تطبيقه فقط على المناصب العليا في النظام السابق. وقال مصدر مقرب من رئيس الوزراء إن القانون الجديد «لن ينطبق على الدكتور زيدان لأن الموقع الذي كان يشغله في الماضي لم يكن موقعا قياديا في الدولة»، مشيرا إلى أن نص القانون الجديد يتضمن استثناء يمنح المقريف الحق في الاستمرار كرئيس للبرلمان، وأن «هذا الاستثناء يخص كل من أسهم في إنجاح الثورة ضد القذافي». وأضاف المصدر، عبر الهاتف من طرابلس، أن عددا من الوزراء قد يتم إقصاؤهم من بينهم وزيرا الداخلية والخارجية.. «وربما وزارات أخرى ومديرو مديريات».

من جانبه، قال توفيق البريك، وهو متحدث باسم تحالف القوى الوطنية الليبرالي، إن القانون ظالم ومتطرف، لكنهم، في التحالف، في حاجة إلى وضع مصلحة الوطن أولا لحل الأزمة التي تشهدها البلاد خاصة بعد أن تأخر إقرار مشروع القانون لعدة أشهر، ونتجت عنه عمليات مسلحة ضد عدد من الوزارات والمؤتمر الوطني العام (البرلمان المؤقت).

وشارك في الجلسة 164 عضوا من عدد الأعضاء البالغ 200. ووافق 157 على مشروع القانون الذي ينص على الإقصاء من العمل السياسي لمدة خمس سنوات لكل الأشخاص الذين تولوا مناصب مسؤولية منذ الأول من سبتمبر (أيلول) عام 1969، وهو بداية تاريخ حكم القذافي، حتى سقوط نظامه في أكتوبر (تشرين الأول) 2011 بعد نزاع دام نحو ثمانية أشهر.

ومنذ بداية يوم أمس بدأ المطالبون بقانون العزل السياسي بالاحتشاد والتجمع حول وأمام البرلمان مطالبين بسرعة إصدار القانون وتطهير مؤسسات الدولة من أعوان النظام الليبي السابق. وحمل بعض المحتجين نعوشا رمزية وصورا لشهداء ليبيا من ضحايا النظام الليبي السابق، ولافتات تطالب بإقرار القانون.

وقال دبلوماسيون في طرابلس إن الاقتراع لن يكون له معنى لأنه يتم قسرا في حين أن مجموعة تدافع عن حقوق الإنسان طالبت المؤتمر الوطني برفض أحدث مسودة للقانون. وأوضحت سارة لي ويتسون، مديرة «هيومن رايتس ووتش» في المنطقة، أن قانون العزل مبهم جدا، وربما يمنع أي أحد كان يعمل مع السلطات خلال حكم القذافي، وأضافت قائلة في بيان: «لا ينبغي للمؤتمر الوطني العام أن يسمح لنفسه بالانحراف نحو وضع قوانين بالغة السوء لمجرد أن جماعات مسلحة تطالب بها»، قائلة إن فرص السلم والرخاء في ليبيا ستتضرر بشدة ولأفق بعيد الأمد في حال وافق المؤتمر على الانصياع للمسلحين.

وتتسم الحكومة والقوات المسلحة الرسمية في ليبيا بالضعف الشديد إلى درجة أن أجزاء من البلاد ما زالت خارج نطاق سيطرة الحكومة المركزية. ولم يغادر المسلحون الذين قاموا بدور محوري في الانتفاضة التي أطاحت بالقذافي العاصمة وهم يظهرون أكثر حتى من أفراد القوات المسلحة. وانعقد البرلمان المؤقت أمس للاقتراع على قانون العزل السياسي تحت ضغط مارسته جماعات مسلحة سيطرت على وزارتي العدل والخارجية وتقول إنها لن تغادرهما إلا عند تمرير القانون.

وظلت أكثر من عشر سيارات عليها أسلحة مضادة للطائرات وأسلحة آلية متوقفة أمام وزارة العدل، كما أن وزارة الخارجية ظلت محاصرة بالطريقة نفسها خلال الأسبوع الماضي. وقال أحد الرجال المتمركزين أمام وزارة العدل لوكالات الأنباء إنهم لن يتركوا المكان إلى أن يتم إجبار رئيس الوزراء على الاستقالة. وقال عدد من المسلحين بعد ساعة من إقرار قانون العزل إنهم سيعلقون حصارهم للوزارتين.

ويعتبر البرلمان المؤقت أعلى هيئة سياسية في البلاد وتضم 200 عضو، بينما تعد كتلة تحالف القوى الوطنية واحدة من بين ثلاث قوى رئيسة في البرلمان، هي كتلة الإسلاميين وكتلة المستقلين. ويدعم كتلة التحالف محمود جبريل الذي يقول المراقبون إن قانون العزل السياسي يستهدفه هو شخصيا بسبب صعود نجمه السياسي في الفترة الأخيرة، مما يمكن أن يؤهله لشغل مواقع مهمة في الدولة.

وكان جبريل رئيسا للمكتب التنفيذي (الحكومة) الذي شكلته الثورة الليبية مع بداية الانتفاضة ضد القذافي، بعد أن كان عمل لفترة كرئيس للمجلس الاقتصادي والاجتماعي في عهد النظام السابق.

وقال المصدر المقرب من رئيس الوزراء الدكتور علي زيدان إن الرجل يعمل بشكل طبيعي في موقعه بعد إقرار القانون أمس وإنه يستعد للاحتفال بتغيير اسم حزبه السياسي الذي أسسه مع سقوط النظام السابق، من حزب «الوطن» إلى حزب «التنمية والرفاه»، مشيرا إلى أن حفل تغيير اسم الحزب الذي سيقام اليوم (الاثنين) في إحدى ضواحي العاصمة الليبية سيشارك فيه عدد من الشخصيات الليبية. وأوضح أن تغيير اسم الحزب ليس له دلالات سياسية، وإنما يتعلق الأمر بالاسم القديم (الوطن) الذي نرى أنه كان يعطي انطباعا بأن الحزب يحتكر التحدث باسم الوطن من خلال اسمه.

من جهة أخرى، نفت عضوة البرلمان المؤقت هناء العرفي ما ذكرته وسائل إعلام محلية عن وجود توجه نحو إقالة البرلمان لرئيس أركان الجيش الليبي اللواء يوسف المنقوش من منصبه. وقالت العرفي إن المؤتمر الوطني العام لم يتخذ بعد أي قرار بإقالة المنقوش، وإن ما جاء في بعض وسائل الإعلام بهذا الشأن ليس دقيقا.

على صعيد متصل، نفى رئيس المجلس العسكري بمدينة مرزق الليبية، بركة وردكو المهدي، صحة اتهامات وزير خارجية النيجر محمد بازوم لليبيا بأنها من أكبر قواعد الإرهاب، مؤكدا على أن هذه التصريحات لا أساس لها من الصحة. ونقلت وكالة الأنباء الليبية (وال) الليلة قبل الماضية عن المهدي قوله إن الجنوب الليبي «محمي من قبل الثوار الأشاوس.. ولا توجد أي قوات أو عناصر مسلحة غير ليبية بالجنوب الليبي».

وكان وزير خارجية النيجر قال خلال زيارة قام بها إلى العاصمة الفرنسية أخيرا إن بلاده لديها معلومات بأن الإسلاميين الذين طردوا من شمال مالي على أيدي قوات تقودها فرنسا يقيمون قواعد لهم في جنوب ليبيا الذي يفتقر لسلطة القانون.