الملك عبد الله بن عبد العزيز.. 8 أعوام من الإصلاح

بسياسة رصينة واقتصاد مطرد وتنمية محلية

خادم الحرمين الشريفين لدى استقباله مسؤولين وعسكريين بحضور ولي العهد الأمير سلمان بن عبد العزيز
TT

قبل ثمانية أعوام من اليوم، تحديدا يوم الثالث من أغسطس (آب) 2005، قال خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز من داخل قصر الحكم في الرياض إن شاغله سيكون إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة. وذلك بمناسبة مبايعته ملكا للمملكة العربية السعودية خلفا للراحل الملك فهد بن عبد العزيز - رحمه الله.

ومضى الملك عبد الله وهو سادس ملك سعودي يقود البلاد في مسيرة حافظ خلالها على المكتسبات التي حصدها سلفه من الملوك، وباتت هوية الدولة تتمثل في السير وفق نهج إصلاحي مطرد، مرتكزة على سياسة خارجية رصينة، تعتمد تذويب الخلافات، ومصالحة الفرقاء، والوقوف إلى جانب الشعوب العربية، وتعزيز علاقاتها مع الحلفاء والأصدقاء من الدول العالمية، إضافة إلى تعزيز التسامح بدعم وإنشاء مراكز الحوار بين أتباع الأديان، في حين دعم داخليا مكافحة الفساد ودشن لها هيئة مستقلة مرتبطة بالملك مباشرة، ووجه بميزانيات ضخمة لملفات التعليم، والإسكان، والصحة، والنقل، والصناديق الاجتماعية، إلى جانب تحسين الاقتصاد، وتنمية المشاركة السياسية المحلية المتمثلة بمجالس بلدية منتخبة، وإشراك المرأة في الانتخابات، فضلا عن مشاركتها في مجلس الشورى (التشريعي).

اليوم، يستيقظ السعوديون على وقع ذكرى بيعة مليكهم، ويشرعون وإياه في دخول السنة التاسعة منذ توليه سدة الحكم، ويشاركونه مسيرة لتوصل الحفاظ على المكتسبات، والإبقاء على التوازن والتقدم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.

ولا ينسى السعوديون فقدان أول ولي للعهد في فترة حكم الملك عبد الله الأمير سلطان بن عبد العزيز، ومن ثم الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد الذي رحل العام الماضي، اللذان مثل رحيلهما منعطفا في السياسة السعودية الداخلية، وكانت الأعين تترقب ما ستؤول إليه الأمور، إذ كانت أول مرة تفقد البلاد فيها وليا للعهد، ولمرتين متتاليتين.

كسبت البلاد التحدي بصورة سلسة، وجاءت تسمية الأمير سلمان بن عبد العزيز وليا للعهد حاسمة، على غرار تسمية الأمير نايف بن عبد العزيز - رحمه الله - وأخذت تقول السياسة بصوت مرتفع إن دولة المؤسسات لا يخضها الحدث مهما كبر، ورغم الحزن الجم الذي طال البلاد فإن الدولة أثبتت صلابة مفاصل الحكم داخلها، لتعود وتواصل أعمالها اليومية وتدشن المشاريع وتعلن ميزانيات ضخمة وترسي مقولة المليك وقت توليه الحكم التي ترجمتها أفعاله.

ونال خطاب الملك عبد الله الشهير في 2011 اهتمام العالم نظرا لخطوة جريئة اتخذها، وقتما أعلن مشاركة المرأة في انتخابات المجالس البلدية ومجلس الشورى، وصدر قراره في فبراير (شباط) الماضي بتسمية 30 عضوا من النساء في الدورة السادسة الحديثة لمجلس الشورى السعودي، مترجما لصدق الإصرار على المضي قدما صوب الإصلاح.

ولم يقتصر العام الثامن لخادم الحرمين الشريفين على الإصلاح الداخلي وحسب، بل إن مبادرة حوار الأديان التي تبناها نظير إيمانه بضرورة تعزيز القيم الصالحة والمشتركة بين الأديان كانت على موعد مع تدشين لمركز الملك عبد الله للحوار بين أتباع الأديان في العاصمة النمساوية فيينا أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، ليحول المبادرة التي انطلقت في مكة المكرمة وسافرت إلى مدريد ونيويورك ثم جنيف وفيينا، من مجرد أفكار تنظيرية، إلى بدء حقيقي للبرامج وخطوات تعزيز لكافة الأفكار الداعية للسلام والتعايش ونبذ العنف والتطرف في كل أرجاء المعمورة.

وإذا ما كان الحديث يدور حول السياسة الخارجية للملك عبد الله، فيجدر القول إنه صاحب فكرة المبادرة العربية التي أطلقها عام 2002، وتدعو إلى انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي التي احتلتها في حرب 1967، وعودة جميع اللاجئين الفلسطينيين، والانسحاب من القدس الشرقية، مقابل السلام مع إسرائيل، للتسوية الشاملة العادلة للقضية الفلسطينية في ثمانية مبادئ، مستمرا على نهج والده الملك عبد العزيز في دعم القضية سياسيا وماديا ومعنويا، بالسعي الجاد والمتواصل لتحقيق تطلعات الشعب الفلسطيني، في العودة إلى أرضه وإقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وتبني قضية القدس ومناصرتها بكل الوسائل.

ولاقت مقترحات قبولا عربيا ودوليا، وتبنتها القمة العربية المعقودة في القاهرة آنذاك.

كما اقترح الملك عبد الله في المؤتمر العربي في القاهرة في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2000، إنشاء صندوق يحمل اسم انتفاضة القدس، برأسمال قدرة مليارا دولار ويخصص للإنفاق على أسر الشهداء الفلسطينيين، الذين سقطوا في الانتفاضة، وإنشاء صندوق آخر يحمل اسم صندوق الأقصى، يخصص له 800 مليون دولار لتمويل مشاريع تحافظ على الهوية العربية والإسلامية للقدس، والحيلولة دون طمسها، وأعلن عن إسهام المملكة العربية السعودية بربع المبلغ المخصص لهذين الصندوقين.

وتبنى خادم الحرمين الشريفين مبادرات لإصلاح الأوضاع في فلسطين ولبنان والعراق والصومال والسودان وتشاد.

وحرصت السياسة السعودية على دعم التضامن الإسلامي والعربي، وتعميق الروابط الأخوية القائمة بن الدول العربية في إطار الجامعة العربية ومؤتمرات القمة العربية، وتقوية روابط التضامن الإسلامي بين دول العالم الإسلامي وشعوبها في إطار المؤتمرات الإسلامية. ومن أجل هذا زار الملك عبد الله بن عبد العزيز البلاد العربية والإسلامية، وحضر مؤتمرات، ومثّل بلاده في مؤتمرات القمم العربية والخليجية، مرسخا وزن بلاده الثقيل في المجتمع الدولي.

وعلى المستوى العربي نجح الملك عبد الله في إعادة اللحمة إلى العلاقات العربية عندما شدد أمام القادة العرب في مؤتمر القمة الذي عقد بالكويت في 19 يناير (كانون الثاني) من عام 2009 وأعلن فيه عن تبرع بلاده بمليار دولار لإعادة إعمار غزة على ضرورة تجاوز مرحلة الخلاف وفتح باب الأخوة العربية والوحدة لكل العرب دون استثناء أو تحفظ ومواجهة المستقبل ونبذ الخلافات مؤسسا بذلك مرحلة جديدة في مسيرة العمل العربي المشترك تقوم على قيم الوضوح والمصارحة والحرص على العمل الجماعي في مواجهة تحديات الحاضر والمستقبل.

وسجلت الأعوام الثمانية الماضية التي تولى فيها الملك عبد الله مقاليد السلطة ببلاده امتيازات وحضورا على المستوى المحلي والإقليمي والدولي، مما جعله بارزا في الدعوة إلى السلام والحوار والتضامن وتنقية الأجواء، ومنحه ذلك جوائز متعددة من المنظمات العالمية والإقليمية والمحلية، ولعل أهمها اختياره ضمن أكثر الشخصيات المؤثرة في العالم في أرقى الإصدارات والتصنيفات العالمية.

ونجح الملك عبد الله في تحقيق إصلاحات شاملة على كافة المستويات حيث واصل حمل لواء الإصلاح وسعى إلى تكريسه كمنهج في مسيرة التنمية الشاملة في بلاده وفي مسيرة العمل العربي المشترك إضافة إلى تبنيه سياسة التسامح وضرورة التعايش مع الآخر.

فعلى المستوى المحلي أكد الملك عبد الله أن بلاده ماضية في تحقيق الإصلاح والسعي لتكريسه كمنهج في مسيرة التنمية.

ونجح الملك عبد الله في الخروج بعلاقات بلاده والأمة العربية مع الدول الكبرى من الاختبارات الصعبة التي وضعتها أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، كما نجح في القضاء على الفئة الضالة داخل بلاده، وأطلق في عاصمته مبادرة عالمية لمكافحة الإرهاب، كما لاحق فلول تنظيم القاعدة داخل الجزيرة العربية بهدف القضاء على هذا التنظيم مع دول العالم الأخرى التي اكتوت هي الأخرى بناره.

وتميز الملك عبد الله بصراحته ورغبته في تعزيز العلاقات العربية - العربية، وإصلاح البيت العربي، كما عمل على محاربة الإرهاب، الذي كانت بلاده إحدى ضحاياه، وكان يدعو دائما إلى الوسطية في الدين والابتعاد عن جميع أنواع التطرف والغلو.

وحافظت السعودية على موازنة إبقاء الثوابت الراسخة في الوقت الذي راحت تنهض فيه حضاريا، ودوزنت تطورها التنموي والتمسك بقيمها الدينية والأخلاقية مع الانطلاق صوب المستقبل المشرق والزاهر لأبناء الوطن.

وحرص الملك عبد الله على تلمس احتياجات المواطنين ودراسة أحوالهم عن كثب، عبر زيارة المناطق بشكل دوري، وفي كل مرة يزور فيها إحدى المدن، يحرص على مشاركة المواطنين مناسباتهم الشعبية والرياضية، ويستمع إلى مطالبهم ويجيب على أسئلتهم واستفساراتهم.

اقتصاديا، غيرت مبادرات خادم الحرمين الشريفين خارطة الاقتصاد السعودي، وطورت من فلسفة التنمية التجارية والاستثمارية، ودخلت المدن الاقتصادية صندوق الأفكار الجذابة التي أخذت ترسي التنوع في الاستثمار الأجنبي من جهة، وخلق فرص وظيفية للشبان والفتيات المؤهلين للعمل من جهة أخرى، إلى جانب دعم المنشآت والأعمال الصغيرة والمتوسطة ودعم البرامج التمويلية والاجتماعية الرامية إلى إنعاش القطاعات المختلفة.

وتبنى خادم الحرمين الشريفين سياسات تحسين ظروف المواطنين والمقيمين من خلال زيادة الرواتب وزيادة مخصصات المستفيدين من الضمان الاجتماعي ومخصصات المتقاعدين إلى جانب خفض أسعار الوقود.

وحمل الملك عبد الله توجهات رائدة في ما يتعلق بالقضايا الداخلية، حيث أعلن قبل سنوات توجه بلاده الجاد لعلاج مشكلة الفقر، بعد زيارته المشهورة لعدد من الأحياء الفقيرة بالرياض، وتم على أثرها تبني سياسة لمحاربة الفقر في البلاد. كما سعى إلى إطلاق الحوار الوطني الذي جمع أطياف المجتمع السعودي السياسية والمذهبية في لقاءات متعددة المواقع والمواضيع، عبر مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني.

وأولى الملك عبد الله استتباب الأمن أهمية لم تختلف عن نظيرتها من الشؤون الداخلية، متضمنة الاحتكام إلى الشريعة الإسلامية التي يجب أن يقوم عليها البناء الأمني للمملكة العربية السعودية.

وفي إطار الأعمال الخيرية للمملكة العربية السعودية يحرص الملك عبد الله على أن تسبق السعودية بمد يد العون لنجدة الدول المتضررة جراء الكوارث الطبيعية التي تلم بها.

وفي إطار تصدي السعودية لظاهرة الإرهاب، ومواجهة خطاب التطرف بخطاب الاعتدال والتسامح، رعى الملك عبد الله بن عبد العزيز وقائع افتتاح المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب، وشهدت فترة توليه الحكم تجفيف منابع الإرهاب، مما دفع الفئة الضالة إلى الهروب واتخاذ معاقل أخرى لتنظيماتها بعدما استحال وجودهم وتنظيمهم داخل السعودية، وفيما حاولوا العبث في البلاد كانت لهم أجهزة الأمن بالمرصاد، ودأبت السلطات السعودية من جهة ثانية على إدخال التائبين من الفئة الضالة إلى برامج مناصحة، يلتقون فيها مشايخ وعلماء معتدلين ينخرطون معهم في حزمة دروس وأنشطة حتى يتم تأهيلهم وعودتهم إلى حياتهم الطبيعية، بل ومساعدتهم المادية والمعنوية لتخطي العقبات. كما شهدت السعودية محاكمات علنية غطتها وسائل الإعلام لكل المتهمين في قضايا الإرهاب، وحوكم عدد من المقبوض عليهم بناء على أدلة وقرائن واعترافات، كما أسقطت التهم عن آخرين لم تثبت ضدهم أي إدانة أو دليل.

وبعد مسيرة العطاء يدخل الملك عبد الله العام التاسع منذ مبايعته، محققا مقولته الشهيرة وقت توليه سدة الحكم من أن شاغله سيكون «إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة».