«كاوست» تصحح مفاهيم التعليم التقني وبرامج الأبحاث في العالم

مدينة صغيرة تتحول إلى ملاذ للمفكرين والعباقرة

الملك عبد الله خلال تدشينه في سبتمبر 2001 جامعة كاوست في ثول غرب السعودية («الشرق الأوسط»)
TT

نجحت جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية «كاوست» في تغيير مفاهيم التعليم في العلوم والتقنية على مستوى الدراسات العليا والأبحاث عالميا، متوافقة في ذلك مع رغبة خادم الحرمين حين قال: «إنني أرغب في إحياء ونشر فضيلة العلم العظيمة التي ميزت العالمين العربي والإسلامي في العصور الأولى، فقد رأيت أن أؤسس جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية على ساحل البحر الأحمر في المملكة العربية السعودية».

وقال خادم الحرمين الملك عبد الله بن عبد العزيز في حفل تدشين الجامعة في 2009: «قد كانت فكرة هذه الجامعة حلما راودني أكثر من 25 عاما، وكانت هاجسا ملحا عشت معه طويلا، وإني أحمد الله - جل جلاله - أن مكننا من تجسيدها واقعا نراه اليوم شامخا - بحول الله وقوته - على تراب أرضنا».

وفي رسالة وجهها لمنسوبي الجامعة قال خادم الحرمين الشريفين: «إنني أرغب أن تصبح هذه الجامعة الجديدة واحدة من مؤسسات العالم الكبرى للبحوث، وأن تعلم أجيال المستقبل من العلماء والمهندسين والتقنيين وتدربهم، وأن تعزز المشاركة والتعاون مع غيرها من جامعات البحوث الكبرى ومؤسسات القطاع الخاص على أساس الجدارة والتميز».

ومن هذه الرغبة لخادم الحرمين الشريفين، استمدت الجامعة قوتها، بعد أن شرعت في جلب الكوادر المحلية والأجنبية ضمن هيئة التدريس التي بلغت نحو 100 معيد، لتصبح بحلول عام 2020 إحدى أهم الركائز التعليمية على مستوى العالم، بتميزها في تنفيذ أحدث البحوث الأساسية والبحوث الموجهة نحو تحقيق أهداف محددة في مجال العلوم والتقنية تضاهي البحوث التي تجريها أفضل 10 جامعات للعلوم والتقنية في العالم، فضلا عن التركيز على الأنشطة البحثية والأكاديمية في المجالات التي يمكن أن تتميز فيها جامعة الملك عبد الله وفقا للمعايير العالمية.

هذا الاهتمام من القيادة في السعودية بالتعليم العالي لم يكن وليد اللحظة، فقد حظي أبناء المملكة بانتشار الجامعات في كل المدن السعودية بمواصفات ومقاييس دولية، تجاوز 20 جامعة حكومية، و6 جامعات أهلية و18 كلية أهلية، إضافة إلى برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، الذي خصص أكثر من 7 مليارات ريال للابتعاث للجامعات في 26 دولة، منها الولايات المتحدة الأميركية، وبريطانيا، وألمانيا، وإيطاليا، وإسبانيا، وهولندا، وكندا، فيما بلغ عدد المبتعثين نحو 150 ألف مبتعث من الجنسين.

وبالعودة إلى الجامعة الحلم التي غيرت خارطة التعليم، والمدينة التي احتوت أركانها «ثول» المدينة الصغيرة ومرسى عدد من الصيادين قبل عام 2009، لتكون مع هذا التاريخ التعريف الدقيق بموقع «كاوست» على خارطة الطريق للوصول لمركز انطلاق العلم وأبحاث التطوير، وملاذ للعباقرة والباحثين عن المعرفة والتنمية المستدامة، ليستقر بنحو 700 باحث عن الجديد على مدينة خرجت تحت الشمس بما تحمله من أصل وعلم.

وتمنح جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية درجات علمية في 11 مجالا دراسيا، في العلوم والهندسة البيولوجية والبيئية، والعلوم البيولوجية، وعلوم وهندسة البيئة، وعلوم البحار، وقسم العلوم والهندسة الحاسوبية والكهربائية والحسابية، وعلوم الرياضيات والحساب التطبيقية، وعلوم الحاسب الآلي، والعلوم والهندسة الفيزيائية، والهندسة الكيميائية والبيولوجية، وهندسة وعلوم الأرض، فيما يحصل الطلاب أو موظفو الجامعة أو أحد أعضاء هيئة تدريسها، على مسكن تتوافر فيه كل الخصائص والمميزات، ضمن عدة خيارات تشمل الفيللات والمنازل والشقق، المتاحة بسعر رمزي.

وقال الدكتور حمد السيف نائب وزير التعليم العالي لـ«الشرق الأوسط» إن الجامعات السعودية استفادت بشكل عام من الدعم اللامحدود من قبل خادم الحرمين الشريفين الذي استثمر في تحقيق إنجازات متميزة، ونجحت في الارتقاء الكمي والنوعي بالتعليم الجامعي من خلال رفع كفاءته الداخلية والخارجية، وزيادة الاهتمام بقضايا الجودة النوعية، كذلك تعزيز ربط البرامج التعليمية بمتطلبات التنمية، والتوسع في التخصصات العلمية التي تحتاجها مسيرة التنمية.

وأكد نائب وزير التعليم العالي أن عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله تميز بتحقيق الكثير من الإنجازات في كل القطاعات، من خلال افتتاح الكثير من المشاريع، ومن ضمنها ما تمثل في افتتاح المرحلة الأولى من مشاريع المدن الجامعية، إلا ثمرة بسيطة من هذه الثمرات التي وضعها بيده الكريمة وتابع مراحل إنجازها خطوة بخطوة.

وعن التعليم العالي، لفت السيف إلى صدور موافقة خادم الحرمين الشريفين على تمديد فترة برنامج الابتعاث الخارجي لمدة خمسة أعوام أخرى، وهو ما يسهم في توفير كفاءات وطنية تخرجت في أرقى الجامعات، وفي تخصصات تتوافق مع احتياجات سوق العمل ومتطلبات برامج التنمية، وتسهم في نهضة الوطن وتطوره.

وبحسب مختصين في قطاع التعليم، ستكون جامعة الملك عبد الله وفق اهتمامها وتركيزها على الأنشطة البحثية والأكاديمية في المجالات التي يمكن أن تتميز فيها جامعة الملك عبد الله وفقا للمعايير العالمية - مرجعا وخلال سنوات قليلة دون الانتظار لعام 2020، إضافة إلى مراكز بحثية متخصصة تعمل بكوادر ذات خبرة ومعرفة، ستسهم في لفت الأنظار عالميا ونقطة للاستفادة مما سينتج عن هذه المراكز.

وهنا قال الدكتور أحمد آل مفرح عضو اللجنة التعليمية في مجلس الشورى لـ«الشرق الأوسط»: «لقد أولى خادم الحرمين الشريفين التعليم جل اهتمامه مع التوسع في التعليم العالي الذي لم يسبق له مثيل، وإن ما حدث من نقلة نوعية في التعليم العالي قلما تجده حتى في الدول المتقدمة، وهذا التوسع الكمي كان علامة فارقة في هذا العصر، كما لم يكن التركيز فقط على الكم بقدر النوع الذي تمثل في إنشاء جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية».

واستوحت جامعة الملك عبد الله تصميمها ومضمونها من تراث السعودية وما تحتويه من ثقافة وعلم تم تقديمه من علوم وتقنية في مرحلة سابقة من مراحل المسلمين للغرب، حتى تحمل الجامعة كل الدراسات والبحوث إلى مشاريع وتطبيقات عملية تفيد الإنسانية، بحسب آل مفرح الذي أضاف: «إن الجامعة تأتي متوافقة مع توجه خادم الحرمين الشريفين، في تركيزه على المسائل الإنسانية، وهو ما تعمل عليه في السنوات المقبلة لتحسين حياة الإنسان في كل أرجاء العالم». وزاد: «إن هذه المعطيات رافقها اهتمام بالكوادر البشرية، والذي لا بد أن يخدم هذه الجامعة بشكل أو بآخر، ويتضح عبر وجود كوادر من كافة دول العالم، وجميعها تأتي في المقام الأول لرقي الإنسان في السعودية من خلال الأبحاث والتطوير التي تنتهجها الجامعة، ومن ثم التوجه إلى العالم بمضامين وأبحاث تقدم للبشرية، يأمل منها أنها تنقلها من واقع إلى آخر».

وتابع آل مفرح أن «فكرة الجامعة تقوم على النوعية في الاختيار، وذلك من خلال استقطابها من الداخل أو الخارج، وهو الاستثمار الحقيقي الذي تهتم به الجامعة وتقدم له الدعم بكل وسائله، كذلك الاستثمار في الشباب، إذ أنت لا تأتي إلى مخرج في النهاية ثم تستمر فيه، ويكون ذلك فيما تبنته الجامعة في الدراسات العليا، والذي يعد الاستثمار الحقيقي في الشباب والعقول على مختلف أعراقها وثقافاتها، وبالتالي تأتي أنت بالعالم إليك في موقع واحد مع أبنائك ممن لهم علاقة بالدراسات والأبحاث».