لجنة التحقيق الدولية تتهم المعارضة باستخدام «السارين».. و«الحر» ينفي

نقيب منشق عن «إدارة الحرب الكيماوية»: الاتهامات غير منطقية ولا نملك الذخيرة ولا الإمكانيات اللازمة لاستخدامها

صورة بثتها وكالة الأنباء السورية الرسمية لمبنى قالت إن الغارات الإسرائيلية على مواقع في محيط دمشق دمرته فجر يوم الأحد الماضي (رويترز)
TT

بعد اتهام النظام السوري باستخدام الأسلحة الكيماوية ضد المعارضة، وجهت لجنة التحقيق الدولية في انتهاكات حقوق الإنسان في سوريا، أصابع الاتهام أمس إلى المعارضة. وأعلنت عضو اللجنة كارلا ديل بونتي أن مقاتلي المعارضة السورية استخدموا غاز الأعصاب القاتل «السارين»، استنادا إلى شهادات الضحايا.

وفي حين نفى الجيش الحر الأمر مؤكدا عدم امتلاكه هذا النوع من الأسلحة التي ينحصر وجودها في أيدي النظام السوري، بدأت السلطات التركية، أمس في إجراء تحقيق حول استخدام أسلحة كيماوية في سوريا، من خلال إجراء فحوصات للاجئين على أراضيها. وأفاد مصدر صحي لوكالة الصحافة الفرنسية بأنه «وبعد المعلومات التي أشارت إلى احتمال استخدام المعارضة أو النظام للأسلحة الكيماوية، فقد أخذت عينات من جرحى أصيبوا في سوريا ونقلوا إلى تركيا»، ونقلت إلى مختبر في أنقرة بانتظار صدور نتائجها.

ووصف الجيش السوري الحر معلومات ديل بونتي بغير المنطقية، وقال النقيب عبد السلام عبد الرزاق، المنشق عن مرتبات «إدارة الحرب الكيماوية» في الجيش العربي السوري لـ«الشرق الأوسط»: «من لديه معرفة بالأسلحة الكيماوية وكيفية استعمالها يدرك تماما عدم صحة هذه الاتهامات غير المنطقية»، مضيفا أن «الجيش الحر لا يملك الذخيرة الكيماوية وهو إن امتلكها لا يملك الإمكانيات اللازمة لاستخدامها، إذ أنّها توضع في رؤوس الصواريخ وقنابل الطائرات أو من خلال الهاون والمدفعية». وأكد استخدام النظام للأسلحة الكيماوية ولا سيما «السارين» وما يعرف باسم «الخردل» في حلب وحمص ودمشق، مشيرا إلى أنّ هناك حالات في مستشفيات لبنان من الأطفال مصابين بالحروق نتيجة «الخردل».

وعن هذا النوع من السلاح، يقول عيد الرزاق «إن غاز السارين لا لون له ولا رائحة، وهو من المواد السامّة التي تشّل الأعصاب وتؤدي للوفاة خلال ثوان معدودة، ويمكن استخدامه في أي وقت وأي طقس»، أما آثاره فهي سريعة «التطاير» وتختفي خلال نصف ساعة. ويلفت إلى أنّ الجيش الحر الذي يملك عدد من ضباطه معلومات استخباراتية يحتاج إلى دعم عسكري من جهات غربية كي يتمكّن من استهداف مراكز ومستودعات هذه الأسلحة أو السيطرة عليها.

وأكدت القيادة المشتركة للجيش الحر في بيان عدم امتلاك المعارضة لمثل هذه الأسلحة المحرمة دوليا مطالبة المجتمع الدولي باتخاذ قرارات شجاعة لحماية المدنيين في سوريا ومنع النظام من اللجوء مجددا لاستخدام الكيماوي والأسلحة الثقيلة. وحمّلت بونتي المسؤولية «تجاه ما سيفعله النظام من مجازر مريعة عقب هذه التصريحات المخيفة واللامسؤولة لأنها أعفته من المسؤولية دون أي تحقيقات ودون أي مراعاة للأصول والقواعد المتعارف عليها».

وكانت ديل بونتي قد قالت في مقابلة أجرتها معها الإذاعة السويسرية الإيطالية الليلة قبل الماضية إنه «بحسب الشهادات التي جمعناها، فإن المقاتلين استخدموا أسلحة كيماوية مستعينين بغاز السارين». وأضافت: «لا يوجد بعد دليل مؤكد، ولكن توجد شكوك قوية، وشكوك ملموسة بأنه تم استخدام غاز السارين، والمساعدة التي تلقاها الضحايا تظهر ذلك». وأوضحت أن «تحريات لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة التي ستطرح ملاحظاتها في الجلسات المقبلة لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في يونيو (حزيران) المقبل، لم تنته بعد، وما زال علينا تعميق تحقيقاتنا والتدقيق فيها وتأكيدها من خلال شهادات إضافية.. لكن ما خلصنا إليه حتى الساعة هو أن معارضي النظام هم من يستخدمون غاز السارين».

وأشارت أيضا إلى أنّ التحقيقات الجارية قد تكشف كذلك إن كانت حكومة الأسد استخدمت هذا النوع من الأسلحة الكيماوية أم لا.

وتأتي تصريحات ديل بونتي بعد أيام من إعلان وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، أن المخابرات الأميركية تعتقد أن الحكومة السورية استخدمت غاز السارين على نطاق محدود ضد مقاتلي المعارضة. في حين كانت وزارة الخارجية البريطانية قد أعلنت منذ أسبوعين أن لديها معلومات مؤكدة من مصادر متعددة تظهر استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، ومنها غاز السارين.

ونشرت جريدة «الغارديان»، البريطانية حينها تقريرا تناولت فيه شهادات تثير الشكوك حول استخدام أسلحة كيماوية في سوريا، مشيرة إلى أنّه رغم أن المسؤولين الفرنسيين والأميركيين رفضوا توضيح الموقع الذي جاءت منه العينات الإيجابية، إلا أن تسريبات أشارت إلى أنها كانت من حمص وحلب، وهو ما يشير إلى أن الأسد استخدم غاز السارين في عدة مواقف على نطاق ضيق. وكشفت الجريدة عن خطاب وجهته الحكومة البريطانية إلى الأمم المتحدة، تطالبها فيه بالتحقيق الفوري في استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا، مضيفة أن «الخطاب أشار إلى أن لندن حصلت على عينات محدودة لكنها تؤكد استخدام السلاح الكيماوي من قبل نظام الأسد في حلب ودمشق يومي 19 و23 مارس (آذار) الماضي، علاوة على هجوم آخر في أحد أحياء حمص في ديسمبر (كانون الأول) الماضي».

واكتشف غاز «السارين» في ألمانيا عشية الحرب العالمية الثانية واستخدم في مترو طوكيو عام 1995. ويتسبب عند استنشاقه أو تغلغله إلى الجسم من خلال الجلد إلى شل الجهاز العصبي ما يؤدي إلى الموت. ومن الأعراض التي يتسبب بها، الغثيان والصداع الشديد وتشوش الرؤية وسيلان اللعاب وتشنج العضلات وبعد ذلك الوفاة، بحسب المراكز الأميركية حول مكافحة الأمراض والوقاية منها.

أما الجرعات الكبيرة منه فتتسبب في شل الأعصاب المحيطة بالرئتين وتمنع الجسم من وقف الإفرازات بحيث يختنق الضحايا أو تغرق الرئتين باللعاب والمخاط.

من جهة أخرى، وعلى الصعيد الميداني والمعارك الدائرة في مناطق سوريا عدّة، أفاد ناشطون بغارات لسلاح جو النظام استهدفت مناطق سكنية في مدينة الطبقة بريف الرقة. وقالت لجان التنسيق هناك إنّ الجثث لا تزال تحت الأنقاض ويصعب انتشالها، في حين لا تزال المنطقة الجنوبية في سوريا تشهد تقدما للجيش الحر، الذي أسقط طائرة هليكوبتر في ريف دير الزور (شرق) وقتل ثمانية عسكريين كانوا على متنها.

ولم يستثن الطيران الحربي العاصمة دمشق، مستهدفا بغاراته أحياء القابون وجوبر وبرزة، بلدة ببيلا بريف دمشق مما خلف دمارا وخرابا في المنازل السكنية، بحسب ما ذكرت الهيئة العامة للثورة السورية، والوضع نفسه لم يختلف في بلدات معضمية الشام وداريا ودروشا وحرستا وعدة مناطق بالغوطة الشرقية، وتعرض مخيم اليرموك في دمشق لقصف عنيف أيضا.

أما في المنطقة الجنوبية، فقد أكد ناشطون أنّها تشهد تقدما للجيش الحر الذي تمكّن مقاتلوه من صد هجوم للقوات النظامية على بلدة خربة غزالة في محافظة درعا، بعد تعزيز دفاعاتهم.

وفي مدينة دير الزور، قال ناشطون إن عناصر الجيش الحر استهدفوا قوات الأمن والشبيحة داخل مطار دير الزور العسكري. وأفادت شبكة شام أن هذه العملية جاءت بعد اشتباكات عنيفة بين الطرفين سيطر خلالها الجيش الحر على حاجز المسمكة العسكري القريب من المطار، ليكون مرتكزا لمسلحيه في قصف المطار. وأضاف ناشطون أن الجيش الحر استخدم قذائف محلية الصنع في قصفه المطار، وحقق إصابات مباشرة.

من جهتها، شهدت مدينة حمص اشتباكات عنيفة بين كتائب المعارضة المسلحة وعناصر الأمن والشبيحة. وقال ناشطون إن الاشتباكات تركزت في حيي الخالدية ووادي السايح بعد محاولة قوات النظام اقتحامهما والسيطرة عليهما، مع استمرار القصف الذي أوقع عددا من القتلى والجرحى وأدى إلى تدمير مدرسة وجامع وعدد من المباني السكنية.