إسرائيل تخفض مستوى الاستفزاز لسوريا بغرض نزع التصعيد

تغلق أجواءها الشمالية تحسبا من رد سوري.. وسقوط قذيفة سورية في الجولان المحتل

TT

رغم القناعة، التي تعززت في اليومين الأخيرين، بأن القصف الإسرائيلي لسوريا لن يحظى برد، وتصريحات قائد اللواء الشمالي في الجيش الإسرائيلي بأنه «لا توجد أجواء حربية في المنطقة»، تسود أجواء توتر شديد بين المواطنين، جراء الحركة النشطة للقوات العسكرية. وقال أحد المواطنين الإسرائيليين: «الأجواء ملبدة بالتوتر الشديد».

وكانت قيادة الجيش الإسرائيلي في الشمال قد أعلنت عن حالة تأهب قصوى. وأغلقت مطار حيفا وسائر المطارات الصغيرة أمام الطيران المدني، حتى يوم الخميس المقبل، تحسبا لقصف صاروخي من لبنان أو سوريا. وتدفق المواطنون على محطات توزيع الكمامات الواقية من الغازات السامة والأسلحة الكيماوية. وأقدمت البلديات على إعداد الملاجئ لأي طارئ، الأمر الذي استدعى قائد اللواء الشمالي في الجيش، الجنرال يائير جولان، إلى تهدئة المواطنين بالقول: «إلى جانب استعداداتنا لأي تدهور، علينا أن نعيش حياة طبيعية. فلا توجد في الشمال أجواء حربية». ولكي يثبت ذلك بالفعل، شارك بنفسه في سباق عدو في الشمال، ضم آلاف الرياضيين. وقالت مصادر إعلامية إنه يفكر في إلغاء قرار إغلاق المجال الجوي في الشمال وإعادة فتحه في أقرب وقت.

وانضم إلى هذا الجهد لطمأنة المواطنين رئيس «الشاباك» (جهاز المخابرات العامة) الأسبق، آفي ديختر، الذي قال في حديث لإذاعة الجيش، إنه لا يرى أن إسرائيل على أبواب حرب جديدة، مطالبا كلا من الحكومة والجيش أن يكونا على أهبة الاستعداد لأخطر السيناريوهات بأفضل صورة ممكنة. وأضاف أن قرار القصف الإسرائيلي على سوريا جيد في ظل وجود جو من عدم اليقين عن كيفية الرد السوري أو حتى حزب الله اللبناني وأن هذه الخطوات منطقية. وأوضح ديختر أن على إسرائيل أن لا تتعاطى بهستيريا مع الوضع القائم، لكنه أشاد بجهود الجيش في «عملياته الجذرية لمنع بروز عصابات إرهاب فوضوية في سوريا ولبنان شبيهة بالعصابات القائمة في سيناء المصرية أو قطاع غزة». وأعرب ديختر عن تقديره أن «بشار الأسد وحزب الله على ما يبدو لن يسارعا إلى الرد على الهجوم الذي نُسب إلى إسرائيل لأنهما يُدركان جيدا، أن تنفيذ هجوم ضد إسرائيل حتى خارج حدودها هو أمر لن يمر مرور الكرام».

وفي حديث مع الإذاعة الإسرائيلية الرسمية «ريشيت بيت»، رحب رئيس لجنة الخارجية والأمن التابعة للكنيست سابقا، عضو الكنيست تساحي هنغبي بتدمير ما وصفه بأنه «أسلحة متطورة لحزب الله». وقال هنغبي، المعروف بقربه من رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، إن «سياسة إسرائيل تقوم على ثلاثة أسس، أولها منع وصول أسلحة متطورة إلى حزب الله، وثانيها تجنب زيادة التوتر مع سوريا، وثالثها الاستعداد لإمكانية ألا تفسر دمشق الرسائل الإسرائيلية بشكل صحيح». وأضاف في حديثه مع الإذاعة أن إسرائيل لن تتعايش مع نقل أسلحة متطورة إلى حزب الله.

ورغم التطمينات للمواطنين، أبدت السلطات الإسرائيلية تحسبا من رد سوري أو من حزب الله، قائلة إن «هناك ضغوطا شديدة تمارس على الأسد وحزب الله، أن لا يتعاملا بهدوء مع القصف الإسرائيلي الذي يعتبرونه مهينا»، وفقا لمصدر إسرائيلي رفيع تحدث إلى صحيفة «معاريف»، أمس. وأصدرت السلطات الإسرائيلية تعليمات لسفاراتها وقنصلياتها والمراكز اليهودية الكبيرة في أنحاء العالم كافة برفع حالة التأهب، وذلك تحسبا مما سمته «عمليات إرهاب انتقامية محتملة» ينفذها حزب الله ردا على قصف الطائرات الإسرائيلية لسوريا.

وجاءت هذه الإجراءات الإسرائيلية في ختام أعمال الجلسة الخاصة للمجلس الوزاري الأمني الإسرائيلي المصغر، التي استمرت ثلاث ساعات متواصلة أول من أمس، خصصت لمناقشة تداعيات الهجمات الإسرائيلية على سوريا. ورغم السرية التي أحاطت بهذه الأبحاث، فإن مصادر سياسية وأمنية قالت: إن المجلس قرّر «خفض مستوى الاستفزاز لسوريا لكي لا تضطر إلى الرد القاسي ولكي تنزع فتيل الحرب». وكشفت هذه المصادر أن إسرائيل وجهت رسالة طمأنة إلى الرئيس السوري، عبر روسيا تقول فيها إنها– أي إسرائيل– لا تقصد إضعاف حكمه ونفوذه وإن معركتها موجهة إلى حزب الله والقيادة الإيرانية حتى لا يقدما على فعلة تؤدي إلى تدهور الأوضاع في المنطقة وإلى حرب شاملة.

وقرر المجلس الأمني مواصلة سياسة الصمت الرسمي إزاء تحمل مسؤولية الغارات، انطلاقا من أن الاعتراف يعني توجيه تحد مباشر للأسد وعدم الإعلان يمكن أن يتحول إلى مخرج له في حال قرر عدم الرد، وقرر أيضا استنفار قوات الجيش على الحدود والحفاظ على اليقظة تحسبا من أي مفاجآت ونشر بطاريات القبة الحديدية وإغلاق أجواء حيفا وإيلات حتى يوم الخميس القادم وعدم فتحها قبل إجراء تقييم مجدد للأوضاع ومواصلة الجهد الاستخباري والاستماع للتقارير التجسسية حول واقع الأحداث في سوريا والمزاج العام لدى القيادة.

وتبين أن رئيس الوزراء، نتنياهو، كان قد ناقش إمكانية تأجيل زيارته إلى الصين، إزاء هذه التطورات، ولكنه امتنع عن ذلك خوفا من أن يعتبر التأجيل إهانة للصين، علما بأن هذه الزيارة مقررة منذ سنتين. وأصر على السفر، بعد أن استمع إلى تقديرات قادة المخابرات بأن حزب الله وسوريا، وإلى حد كبير إيران، ليسوا معنيين بفتح جبهة أخرى مع إسرائيل.

ونقل أليكس فيشمان، المحرر العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، على لسان مصادر عليا في أجهزة الأمن الإسرائيلية أن أحد الدوافع الأساسية للقصف يكمن في الفوضى التي تعم سوريا «فقد أنشأت هذه الفوضى فرصة لا تتكرر للتخلص من ترسانة الأسلحة من دون أن يؤدي ذلك إلى حرب شاملة». وكتب أيضا أن «الجيش السوري لا يسيطر على هضبة الجولان، كما أن سلاح الطيران السوري عاجز». وبحسبه فإن «الثمن الذي قد تدفعه إسرائيل، بالنتيجة، جدير ويستحق المخاطرة»، مشيرا إلى أن «الثمن قد يكون حرب استنزاف صغيرة، أو إطلاق نيران مدفعية باتجاه الجولان وربما عملية إرهابية كبيرة، وربما بضعة صواريخ تسقط في مركز البلاد، ولكن في المقابل سيسود الهدوء لسنوات طويلة».

بيد أن الكاتب يضيف أن «استغلال الفرص هذا ينبع من فهم عسكري ضيق ينظر إلى الحياة من خلال الصاروخ التالي الذي سيدخل إلى لبنان». وأضاف أن هذا الفهم هو الذي خلق مصطلح «سلاح مخل بالتوازن»، مشيرا في هذا السياق إلى أن إسرائيل قوية من الناحية العسكرية، وبالتالي فأي صاروخ من غزة أو لبنان لن يكسر التوازن قبالة الجيش الإسرائيلي. وتابع أن صاروخ «فاتح 110» مماثل لصواريخ «إم 600» التي دخلت لبنان في السنوات الأخيرة من دون أي اعتراض. ويخلص إلى أنه في اللحظة التي وصلت فيه الصواريخ الأخيرة إلى سوريا، فقد نشأت فرصة عسكرية لضرب إيران وحلفائها.

من ناحية اخرى أعلنت متحدثة باسم الجيش الإسرائيلي أن قذيفة أطلقت من الأراضي السورية انفجرت أمس في الجزء الذي تحتله إسرائيل من هضبة الجولان. واكتفت المتحدثة بالقول إن القذيفة انفجرت في جنوب الجولان، ولم تقدم مزيدا من التفاصيل.

وقد أطلقت القذيفة فيما يسود توتر حاد بين البلدين على أثر غارات إسرائيلية في سوريا.

ومنذ بدء النزاع في سوريا قبل سنتين، توتر الوضع في الجولان، لكن الحوادث الأمنية في الجولان المحتل، مثل سقوط قذائف سورية في الجانب الإسرائيلي ورشقات تحذيرية إسرائيلية، بقيت حتى الآن محدودة نسبيا.

ويعزو المسؤولون الإسرائيليون حتى الآن إطلاق النار والقذائف السورية إلى «أخطاء» بسبب المسافة القريبة للمعارك بين الجيش والمقاتلين السوريين.