إصابة جنديين تونسيين بانفجار لغم رابع في جبال الشعانبي

مصدر عسكري: قوات الأمن والجيش عازمة على ملاحقة المسلحين «مهما كانت الخسائر»

أحد الجنديين التونسيين المصابين لدى وصوله إلى مستشفى في منطقة القصرين أمس (أ.ف.ب)
TT

أدى انفجار لغم رابع صباح أمس في طريق قوات الحرس والجيش التونسيين إلى إصابة جنديين بجراح بليغة في جبال الشعانبي، التي شكلت للأسبوع الثاني على التوالي ساحة مواجهة مع تنظيمات جهادية. وتتحصن تلك المجموعات المتشددة على طول جبال وغابات وسط البلاد وغربها (القصرين والكاف على وجه الخصوص) منذ ديسمبر (كانون الأول) 2012.

وحدث الانفجار على مسافة عشرة كيلومترات من المنطقة التي عرفت الأسبوع الماضي انفجار ثلاثة ألغام. وترجح مصادر عسكرية أن تكون رقعة الألغام المزروعة واسعة، وهو ما يتطلب المزيد من الوقت والجهد للتخلص منها في مرحلة أولى، ثم الوصول إلى المجموعة المسلحة في مرحلة ثانية.

ونفى العميد مختار بن نصر، المتحدث باسم وزارة الدفاع التونسية، ما تردد من أنباء عن وفاة أحد الجنديين، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن مروحية تابعة لقوات الجيش نقلت المصابين إلى المستشفى الجهوي بالقصرين القريب من منطقة العمليات (نحو 17 كلم عن جبل الشعانبي)، مشيرا إلى احتمال نقلهما إلى المستشفى العسكري بالعاصمة التونسية إذا ما تطلبت حالتهما الصحية عناية طبية أكبر.

وقال العميد بن نصر إن عمليات التمشيط متواصلة في جبال الشعانبي التي تمتد على مساحة 100 كلم مربع (من بينها 70 كلم من المساحات الغابوية)، وأكد أن تمشيط المنطقة لا يمكن تنفيذه إلا سيرا على الأقدام نظرا لصعوبة ووعورة تضاريس المنطقة.

وأعلن العميد بن نصر عزم قوات الأمن والجيش التونسيين على ملاحقة المجموعات المسلحة «مهما كانت الخسائر»، على حد تعبيره. وأضاف أن تلك الخسائر لا يمكن أن تثني الفرق المختصة عن مواصلة عمليات تضييق الخناق على «الإرهابيين» والكشف عن معاقلهم ودحرهم، والتخلص من تهديدهم المباشر للأمن والاستقرار في تونس.

وأشار العقيد بن نصر، من ناحية أخرى، إلى أن قوات الأمن والجيش تعتبر نفسها خلال هذه الفترة في «حالة حرب ضد المجموعات المتحصنة في جبال الشعانبي والغابات المجاورة»، وقال إن القوات المتخصصة التي بدأت عملية المواجهة المباشرة منذ بداية الأسبوع الماضي «لا يمكنها الآن التراجع عن استكمال مهمتها». وتقدر مصادر أمنية عدد أفراد المجموعة المسلحة التي تواجهها قوات الأمن والجيش بعشرين فردا، في حين تقدرها مصادر أخرى بـ50 فردا، وهي منقسمة إلى مجموعات صغيرة لا تزيد أعدادها على عشرة أفراد، وهم متحصنون في مجموعة من المغارات والكهوف، البالغ عددها الإجمالي نحو 260 كهفا ومغارة.

ولم يعلن بعد اعتقال أي عنصر من عناصر تلك المجموعة، التي صرحت مصادر أمنية بأنها على معرفة بهوية أفرادها.

وفي هذا الشأن، قال الفاضل السايحي، وهو إطار نقابي من قوات الأمن الداخلي في مدينة القصرين، لـ«الشرق الأوسط»، إن الألغام المزروعة يدوية الصنع، وتستعمل جدارا واقيا للإرهابيين في مواجهة قوات الأمن والجيش. وأشار إلى استعداد قوات الأمن للمواجهات المسلحة مع المجموعات الخارجة عن القانون. وقال إن نسق المواجهات أصبح تصاعديا منذ أن غيرت تلك التنظيمات الجهادية طريقة تعاملها مع قوات الأمن والجيش بزرع الألغام في طريقها. وذكر أن قوات الحرس الوطني انسحبت من الصفوف الأمامية وتركت المهمة لعناصر «الكوماندو» المنتمي إلى الجيش التونسي. وأشار إلى استعمال المروحيات للرشاشات ومدافع الهاون في تفجير الألغام عن بعد.

وعن الصعوبات التي لاقتها قوات الأمن والجيش في الكشف عن الألغام وانفجار البعض منها أمامهم، مما الحق أضرارا جسيمة ببعض عناصرها (بتر سيقان، وإصابات على مستوى البصر)، قال السايحي إن الألغام الأرضية التي انفجرت خلال الفترة الماضية مصنعة من مادة «الأمونيتر»، التي تستعمل عادة كأسمدة فلاحية.

وتم العثور على وثائق في أحد المخابئ تفسر كيفية صنع تلك الألغام التقليدية. وقالت مصادر عسكرية إن تلك الألغام موجهة عن بعد. وحول وجود تعليمات بعدم إطلاق النار على المتهمين والرجوع إلى القيادة العسكرية، قال السايحي إن الأمر «مجانب للصواب»، وأوضح لـ«الشرق الأوسط» أن مدى الأسلحة المتوافرة لدى قوات الأمن والجيش يبلغ نحو 300 متر، على أقصى تقدير، ولا توجد أي تعليمات بعدم استهداف من يحمل السلاح في وجه التونسيين ويهدد آمنهم واستقرارهم.

وبشأن تضييق الخناق على المجموعة المسلحة، قال السايحي إن قوات الأمن أقامت نقاط تفتيش على مستوى مداخل مدينة القصرين ومنافذها، وتم تجهيز الدوريات الأمنية في تلك النقاط بأسلحة متطورة وأجهزة لكشف المعادن.

وتلاحق قوات الأمن التونسية الشبكات المتهمة بتزويد الإرهابيين بالمؤونة، وربما الأسلحة في فترات سابقة. وأشار السايحي إلى أهمية المسيرة التضامنية التي نظمها سكان مدينة القصرين يوم الأحد الماضي للتعبير عن مساندتهم لقوات الأمن والجيش. وقال إن هذا الأمر سيجعل «التنظيمات الجهادية» تسلم أسلحتها وتغادر تحصيناتها بصفة نهائية.

ومن جهتها، أعلنت السلطات العسكرية الجزائرية حالة التأهب في صفوف قواتها المرابطة على الحدود مع تونس استعدادا لمنع العناصر المتشددة من دخول أراضيها، وهو ما يزيد من فرص المواجهة مع تلك التنظيمات والحسم معها. كما ذكرت مصادر عسكرية تونسية أن ساعة الحسم مع تلك المجموعات قد اقتربت، على حد تعبيرها.