باريس تتعامل «بجدية» مع تهديدات «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» باستهداف المصالح الفرنسية

الأعمال الإرهابية على رأس التهديدات المحدقة بفرنسا

TT

قبل أيام، صدر عن وزارة الدفاع الفرنسية «الكتاب الأبيض» الذي يحدد للسنوات القادمة السياسة الدفاعية لفرنسا بناء على التهديدات المتوقعة والمصالح الاستراتيجية الأساسية والسيناريوهات التي يمكن توقعها. وفي باب التهديدات يفرد الكتاب مقاطع للتهديد الإرهابي، جاء في أهمها ما يلي: «إن التهديد الإرهابي ما زال رئيسا وليس في الأفق مؤشرات تدل على أنه سيتراجع في المديين القصير والمتوسط. ولذا فإن الكتاب الأبيض يأخذ بعين الاعتبار أن تتعرض الأراضي الفرنسية لهجوم إرهابي واسع النطاق».

بناء عليه، يجعل «الكتاب الأبيض» من حماية الأراضي الفرنسية والمواطنين والمصالح الفرنسية من الأعمال الإرهابية أولى الأولويات الجيوستراتيجية الموكولة للقوات الفرنسية بمختلف مكوناتها الدفاعية والأمنية.

وبحسب مصادر فرنسية دفاعية رفيعة المستوى، فإن باريس «تعي جيدا نوعية المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها في مجال التهديدات الإرهابية وهي تتخذ الاحتياطات اللازمة لتداركها في الداخل والخارج».

وأمس، جاءت التهديدات الصادرة عن رئيس مجلس الأعيان في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أبو عبيدة يوسف العنابي في شريط فيديو مسجل في 25 أبريل (نيسان) الماضي وبث أمس، وتوعده بالتعرض للمصالح الفرنسية عبر العالم لتؤكد المخاوف المتضمنة في «الكتاب الأبيض». ودعا العنابي «المسلمين في كل أنحاء العالم» إلى «التعبئة والجهاد» وإلى «مهاجمة المصالح الفرنسية في كل مكان لأنها أصبحت منذ اليوم الأول للعدوان (على مالي) أهدافا مشروعة». وندد العنابي بـ«الحرب الصليبية التي تقودها فرنسا ضد المسلمين» واحتلالها لـ«أرض الإسلام» في مالي. وكانت فرنسا قد أطلقت عملية عسكرية بداية العام الحالي لمنع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ومنظمة أنصار الدين والحركة الوطنية لتحرير أزواد من السيطرة على مدن أساسية في مالي تقع في وسط البلاد والنزول منها باتجاه العاصمة باماكو.

وبعد مرحلة أولى نجحت فيها القوات الخاصة الفرنسية بدعم سلاح الطيران في صد الهجوم واستعادة المدن الواقعة على نهر النيجر أو قيبا من مجراه، استمرت في عملياتها العسكرية بمشاركة فرق من الجيش المالي بحيث استعادت مدن الشمال مثل غاو وتومبوكتو وكيدال. وتقتصر الحرب الحالي على ملاحقة فلول «القاعدة» و«أنصار الدين» شمال شرقي مالي، قريبا من الحدود الجزائرية.

وأمس تناول رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند، بمناسبة مؤتمر صحافي مشترك في قصر الإليزيه مع الرئيس البولندي برونيسلاف كوموروفسكي تهديدات «القاعدة» لبلاده. وقال هولاند: «إننا نأخذ على محمل الجد موضوع التهديدات الإرهابية الذي ذكرت به منظمة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي التي، رغم أننا أنزلنا بها خسائر كبيرة في مالي بمناسبة العملية العسكرية فإنها تمتلك شبكات خارج الأراضي المالية». ولذلك فإن فرنسا تعتبر أنه «يتعين الاستمرار في العملية العسكرية ما دامت استدعت الحاجة حتى وإن تم ذلك على خلفية تراجع حضورنا (العسكري) هناك وكذلك الاستمرار في التنبه لما يجري حول مالي من أجل الاستمرار في الحرب على الإرهاب». ونبه هولاند إلى أهمية «حماية المنشآت» الفرنسية لتحاشي سقوط ضحايا فرنسيين بسبب أعمال إرهابية قد تكون «القاعدة» وراءها. وأشار هولاند إلى العمل الإرهابي الذي تعرضت له السفارة الفرنسية في طرابلس (ليبيا) صبيحة يوم 23 أبريل الماضي، حيث انفجرت بملاصقتها سيارة مفخخة أوقعت جريحين من رجال الأمن المولجين حماية السفارة. وخلاصة هولاند أن التهديدات الإرهابية «لم تختفِ»، ولذلك يتعين مواجهتها بالتعاون مع مجمل الإرهابيين.

وأشار هولاند إلى الاجتماع المقرر عقده في بروكسيل يوم الخامس عشر من الشهر الحالي حول الوضع في مالي وإلى اجتماع للمجلس الأوروبي (القادة الأوروبيين) سيلتئم نهاية العام ويخصص للمسائل الدفاعية بما فيها التهديدات الإرهابية.

وتعتبر باريس أن العملية العسكرية في مالي أنزلت ضربة قاسمة بالمنظمات الإرهابية وتحديدا «القاعدة»، غير أنها تعترف، في الوقت عينه، أن العشرات إن لم يكن المئات قد نجحوا في الخروج من مالي إلى بلدان الجوار ومن بينها ليبيا. ونهاية الأسبوع الماضي نبه وزير خارجة النيجر إلى أن الجنوب الليبي قد أصبح موئلا للحركات الإرهابية بسبب خروجه عن سلطة الدولة الليبية ولانفلات الحدود وغياب الرقابة، ما «يشكل تهديدا لأمن واستقرار دول المنطقة كلها».

ومنذ بدء العملية العسكرية الفرنسية في ليبيا، شددت باريس التدابير الاحترازية لمنع وقوع عمليات الإرهابية داخل أو خارج حدودها.