الدفعة الأولى من قوات «العمال الكردستاني» تحركت نحو الأراضي العراقية

قيادي في حزب بارزاني يدعو إلى إطلاق سراح أوجلان لضمان نجاح عملية السلام

صورة خاصة بـ «الشرق الأوسط» في إقليم كردستان العراق لمعسكر مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل
TT

أعلن مصدر مقرب من حزب العمال الكردستاني أن «قيادة جبل قنديل أطلقت المرحلة الأولى من انسحاب مقاتلي الحزب من داخل الأراضي التركية؛ التزاما منها بالشق الثاني من مبادرة السلام التي أطلقها زعيمه المعتقل لدى السلطات التركية عبد الله أوجلان من داخل سجنه»، مؤكدا أن «العملية بدأت فجر أمس، وتستمر بعدة مراحل، وقد تستغرق 3 - 4 أشهر؛ لأن مقاتلي الحزب ينتشرون بمساحات شاسعة داخل العمق التركي، وبالتالي سيحتاجون إلى بعض الوقت لإكمال انسحابهم النهائي من داخل الأراضي التركية».

وقال محمد أمين بينجويني، الشخصية السياسية الكردية التي رافقت وفد حزب السلام والديمقراطية في زياراته المكوكية إلى جبل قنديل لإيصال رسالة أوجلان إلى قيادة الحزب هناك، في تصريح خص به «الشرق الأوسط»: «إن المقاتلين الذين بدأوا فجر أمس انسحابهم في المرحلة الأولى سيتوجهون إلى منطقة جبل قنديل المعروف لدى الحزب بـ(منطقة حماية ميديا) التي تنحصر في سلسلة جبال قنديل من الحدود التركية - العراقية المشتركة امتدادا إلى الحدود الإيرانية، وهذه المنطقة معروفة بالمثلث الحدودي». وأكد بينجويني الذي شارك أيضا في اجتماعات الوفد مع قيادة إقليم كردستان أن «جميع المقاتلين الذين سينسحبون في هذه المرحلة والمراحل اللاحقة سيستقرون في تلك المناطق بجبل قنديل».

وبسؤاله عما إذا كانت هناك أي اتفاقية بين قيادة «الكردستاني» وحكومة إقليم كردستان لاستيعاب هؤلاء المقاتلين الذين تقدر أعدادهم بحدود خمسة آلاف مقاتل، قال بينجويني «نعم هناك تفاهم حول هذا الموضوع، تلتزم بموجبه حكومة الإقليم بإبداء جميع التسهيلات الممكنة لاستقرار هؤلاء المقاتلين في تلك المناطق، وفي المراحل المقبلة ومع تطور عملية السلام سيكون لهذه الحكومة وقيادة كردستان عموما دور في دعم العملية وإنجاحها».

وفي اتصال مع القيادي ديار قامشلو الناطق باسم المكتب الإعلامي لقيادة القوات الشعبية (الجناح العسكري لحزب العمال الكردستاني)، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن عملية الانسحاب بدأت بناء على أوامر من قيادة الحزب، وهذه عملية تستغرق فترة طويلة، لأن المقاتلين لن يستقلوا السيارات أو الطائرات بل سيعودون إلى مراكزهم بجبل قنديل سيرا على الأقدام، وأن مناطق انتشار هؤلاء المقاتلين هي مناطق شاسعة تمتد من بوتان وماردين حتى البحر الأسود، ولذلك في ما يتعلق بالمقاتلين الموجودين في داخل العمق التركي بالمناطق البعيدة فإن انسحابهم يستغرق أسابيع وشهورا، أما بالنسبة لمقاتلينا المنتشرين بمنطقة بوتان القريبة من الحدود العراقية التركية، فإنه سيستغرق على الأقل أسبوعين أو أقل من ذلك». وأشار قامشلو إلى أن «عملية الانسحاب برمتها مرتبطة بموقف تركيا وتحديدا الجيش التركي، لأننا سبق أن نبهنا إلى أن استهداف قواتنا المنسحبة أو قصفهم بالطائرات أو تعرضهم إلى إطلاق نار من شأنه أن يفشل العملية برمتها، لذلك هناك حذر بالغ من مقاتلينا من نوايا الطرف الآخر، والعملية تجري بطريقة هادئة وبوجبات صغيرة متتالية حتى لا تتأثر انسيابيتها كما هو مخطط لها».

وحول عدد المقاتلين المنسحبين كوجبة أولى، قال عضو قيادة القوات الشعبية «لا نعرف بعد العدد المهيأ للعودة، لأننا أصدرنا قرار الانسحاب وعممناه على جميع مقاتلينا بالداخل، وفوضناهم بتحديد كيفية وحصر الأعداد المنسحبة وفق وجبات ستحددها قيادات تلك المجموعات، المهم أن قرار الانسحاب صدر، وأن العملية بدأت يوم أمس وستستمر حتى تحقيق الهدف».

وأكد زعيم أكبر حزب مؤيد للأكراد في تركيا، لوكالة الصحافة الفرنسية، أمس، بدء انسحاب متمردي الحزب. وقال صلاح الدين دمرتاش الذي يشارك في رئاسة حزب السلام والديمقراطية «نعرف أن حركة (انكفاء) المتمردين بدأت». إلا أن دمرتاش لم يتمكن من تحديد متى بدأ الانسحاب، مكتفيا بالقول إن «المقاتلين يستفيدون من ظلام الليل على الأرجح لينكفئوا» إلى معسكرات كردستان العراق. وردا على أسئلة صحافيين، قال نائب رئيس الوزراء التركي بولنت ارينج إن السلطات «تتابع العملية». وأضاف أن «المهم بالنسبة لنا هو النتيجة، ولدينا انطباع بأننا قريبون من الهدف»، من دون أن يكشف تفاصيل سير العملية.

في غضون ذلك، رحب سكرتير الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه رئيس الإقليم مسعود بارزاني بهذه الخطوة، معتبرا أن من شأن نجاح عملية السلام الحالية في تركيا أن يدخل أطرافها إلى التاريخ، مشددا على ضرورة إكمال هذه الخطوات بإطلاق سراح زعيم الحزب المعتقل عبد الله أوجلان.

وقال فاضل ميراني، في تصريح لـ«الشرق الأوسط»، إن «عملية السلام الجارية حاليا بتركيا من شأنها أن تنهي صراعا داميا أودى طوال أربعين عاما بحياة عشرات الآلاف من مواطني تركيا، وما يجري اليوم هو تطور كبير، فرغم أن حزب العمال الكردستاني ناضل للمطالبة بحقوق شعبه القومية والوطنية، فإن الحكومات التركية المتعاقبة وعبر العقود الماضية كانت تنكر هذه الحقوق، ولم تستوعب حجم المخاطر الناجمة عن الحرب والدمار الذي حل بالمنطقة جراء هذا الصراع الدموي، إلى حين بادر حزب العدالة والتنمية ودولة رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان، ومعه الرئيس التركي عبد الله غل، بطرح مبادرة الانفتاح التي تمخضت عنها هذه العملية السلمية، التي لو كتب لها النجاح فإن أطرافها سيدخلون التاريخ التركي كأبطال سلام، ابتداء من السيدين أردوغان وغل، مرورا بقادة حزب العمال الكردستاني، وفي مقدمتهم صاحب المبادرة عبد الله أوجلان».

وأشار ميراني إلى أنه «رغم أن هذه العملية قطعت أشواطا مهمة لحد الآن، فإن العملية بمجملها ليست سهلة، خاصة أن هناك أطرافا تعادي هذه المبادرة، وللأمس القريب كانت كلمة (الكرد) ممنوعة داخل تركيا، ولكن نسمع اليوم رئيس الوزراء أردوغان يقول بجرأة وشجاعة إنه آن الأوان لكي تكون كلمتا (الكرد) و(كردستان) متداولتين في تركيا، وفي تصوري أن هذا تغيير كبير في سياسة الدولة، ومن الممكن في المستقبل القريب أن تكون هناك أحزاب مجازة رسميا في تركيا تحمل اسم (الكرد) أو (كردستان) كحزب العمال الكردستاني والحزب الديمقراطي الكردستاني التركي، ليدخلا في العملية السياسية بتركيا، وتتخلى الأحزاب الكردستانية عن السلاح».

وأكد سكرتير المكتب السياسي لحزب بارزاني أن «قيادة كردستان، وفي مقدمتها حزبا الديمقراطي والاتحاد الوطني وحكومة الإقليم، أبدت بمجملها استعدادها الكامل لدعم هذه العملية السلمية، وأن تتحمل مسؤولياتها بهذا الشأن، ولتسريع هذه العملية وضمان نجاحها بالشكل المطلوب أعتقد أن هناك حاجة ملحة ومؤكدة لإطلاق سراح السيد عبد الله أوجلان، لأن إطلاقه سيضمن وحدة حزب العمال الكردستاني، خاصة أن أعداء عملية السلام يبحثون عن كل منفذ أو جيب ضعيف لإحداث الشرخ أو الانشقاق داخل هذا الحزب، وهو الطرف الرئيس لعملية السلام في تركيا».

وتوجد في جبل قنديل التي زارتها «الشرق الأوسط» عدة معسكرات دائمة لإيواء مقاتلي الحزب الكردستاني، استخدمت في السنوات الماضية مركزا لتجمع تلك القوات في فصلي الخريف والشتاء، ومنها كانت جموع المقاتلين تنطلق ابتداء من فصل الربيع من كل عام إلى داخل الأراضي التركية، وتتوافر في تلك المعسكرات مراكز صحية وثقافية لخدمة المقاتلين، ويعتقد أن المقاتلين المنسحبين يستقرون هناك، وتقوم قيادة جبل قنديل بتأمين معيشتهم، وليس في وارد الحزب بعد نقل هؤلاء المقاتلين المنسحبين إلى مدن إقليم كردستان، حيث سبق أن أكدت قيادة قنديل أنها لن تتخلى عن سلاحها ومقاتليها إلا بعد تلبية مطالبها الأساسية في الدستور التركي، والتوصل إلى اتفاق نهائي للسلام بينها وبين الدولة التركية.