بهاء الدين طليبة: بوتفليقة لن يتمسك بالحكم إذا منعته حالته الصحية

زعيم «جبهة» دعوة الرئيس للترشح لولاية رابعة: الرئيس مريض وليس من الأخلاق الخوض في ذلك

بهاء الدين طليبة
TT

قال بهاء الدين طليبة، رجل الأعمال وبرلماني حزب الأغلبية في الجزائر (جبهة التحرير الوطني)، إن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة «لن يتمسك بالسلطة لو تأكد أن حالته الصحية لا تسمح». وقال متزعم فريق من السياسيين والأحزاب الداعين إلى ترشح الرئيس لولاية رابعة، إن «مرحلة الخطر زالت عن بوتفليقة» الذي يعالج في فرنسا بعد إصابته بنوبة في الدماغ.

وذكر طليبة في مقابلة مع «الشرق الأوسط» أن المطالبين بمنع الرئيس من تمديد حكمه «يؤدون أدوارا انتخابية مستغلين في ذلك هبوب رياح التغيير بجوارنا»، مشيرا إلى أن بوتفليقة «ليس بن علي ولا مبارك ولا القذافي ولا صالح». واليكم نص الحوار:

* ما أخبار الرئيس عبد العزيز بعد نحو أسبوعين من وجوده في فرنسا للعلاج؟

- تؤكد مصادر مقربة من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أنه يتماثل للشفاء، وقد غادر المستشفى إلى إقامة رسمية بضواحي باريس، وحالته الصحية بشكل عام لا تدعو إلى القلق. صحيح أن الوعكة الأخيرة كانت حرجة جدا، مما تطلب نقله على جناح السرعة إلى الخارج وبعد موافقة الفريق الطبي المعالج للرئيس، ولكن مرحلة الخطر زالت شيئا فشيئا، سواء على مستوى الأنسجة الدماغية (الرئيس أصيب بنوبة دماغية) أو على مستوى بقية الأجهزة الأخرى التي تعمل. وبعد مرور نحو أسبوعين من العلاج ثبت أن الرئيس بوتفليقة يحتاج إلى مزيد من الراحة بعد حالات الإجهاد الطويلة التي عرفها خلال ممارسته الحكم. وما يلفت الانتباه هذه المرة في مرض الرئيس هو أنه كان حريصا على إبلاغ الشعب الجزائري بتطورات حالته ونشر تفاصيلها منذ اليوم الأول، كما حرص الرئيس على مخاطبة الشعب سواء بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة واعتماد يوم 22 أكتوبر (تشرين الثاني) من كل سنة يوما وطنيا للصحافة الجزائرية، أو من خلال الرسالة المعبرة لأنصار الكرة (بمناسبة نهائي كأس الجزائر لكرة القدم) والطبقة الشغيلة بمناسبة اليوم العالمي للعمال.

* يجري حاليا الحديث عن احتمال تطبيق المادة 88 من الدستور التي تتناول عجز الرئيس بدنيا. ما رأيك؟

- أنا مقتنع بأن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لا يرى حرجا في تطبيق واحترام كل مواد الدستور، بما فيها المادة 88. ولو كان الأمر يتطلب الاحتكام إليها لا أرى ما يمنع، شرط أن تكون في مصلحة الأمة والوطن، أما أن يتم توظيفها فقط لأغراض سياسية أو انتخابية بحتة فذاك في اعتقادي لا ينسجم مع سمو الأخلاق السياسية لدى غالبية الجزائريين. رئيس الجمهورية هذه الأيام موجود خارج البلاد للعلاج، وعليه فإنه ليس من الأخلاق أن يتم التركيز على حالات العجز في هرم السلطة أو الحديث عن بدائل أخرى. وأصحاب هذا الموقف يظهرون تنكرا واضحا لما قدمه هذا المجاهد من خدمات للوطن، منذ التحاقه بثورة التحرير الوطني (1954 - 1962) إلى حين تلبية نداء الوطن مرة أخرى بترشحه لمنصب الرئيس (عام 1999). كما أني مقتنع تمام الاقتناع بأن الرئيس بوتفليقة لن يصر على مواصلة مهامه الحالية لو تأكد أن حالته الصحية لا تسمح، فهو إلى اليوم لم يطب لنفسه التمديد في الحكم.

* دعوت الرئيس إلى الترشح لولاية رابعة على صفحات إشهارية بالصحف. ألا تعتقد أن حالته الصحية تمنعه من الاستمرار في الحكم؟

- يمثل بوتفليقة لدى أغلبية الجزائريين منهجا جديدا ومتطورا للحكم الراشد، المبني على التدرج والمشاورة الواسعة والتكافؤ الاجتماعي واحترام دولة القانون. وما يخشاه الجزائريون أن يأتي رئيس آخر فيلغي في طرفة عين كل إنجازات الرئيس التي أخرجت الجزائر من ضيق الرؤية إلى فضاء الممارسة الديمقراطية، ويعيدنا إلى سنوات الجمر والدمار. ولهذا فتعلق الجزائريين برئيسهم، مثلما عبروا عن ذلك في أكثر من مناسبة، هو نوع من الاعتراف بما قدمه الرجل من عمل مفيد على الرغم من حساسية الوضع وخصوصية المرحلة التي يعرفها الجميع. وعندما كنت من السباقين لدعوته الترشح من جديد، فذاك كان نابعا من إيماني بأن قدر الجزائريين لا يزال مرتبطا بالمنهج الجديد الذي اتبعه الرئيس بوتفليقة في قيادة البلاد. والعهد بين الشعب ورئيسه لم ينتهِ بعد.

* قامت جبهة تقودها شخصيات سياسية ضد ترشح بوتفليقة لولاية رابعة. البعض يقول إنها تعرف اتساعا وتعكس موقف نافذين في المؤسسة العسكرية.

- لا أعلق على آراء سياسية يحاول أصحابها تقمص أدوار انتخابية مستغلين في ذلك هبوب رياح التغيير بجوارنا (يقصد تغيير النظام في تونس)، ولكني أقول إن دعوات عدم التمديد للرئيس هي في حد ذاتها من إنجازات بوتفليقة الذي تعهد بتكريس الديمقراطية، واحترام الرأي المخالف والتمكين لأصحابه من التعبير عنه بحرية حتى لو كان ذلك جارحا له. وأقول في هذا المجال أنه من السهل إجراء حديث صحافي في صالون فاخر، ولكن الخروج إلى الميدان وجس نبض الشارع خلال الحملات الانتخابية شيء صعب. وعند الانتخاب سيعرف كل واحد منا ومنهم مستوى حجمه الطبيعي عند الشعب الجزائري.

* الرئيس وعد بتعديل الدستور منذ أكثر من عامين، ونصب الشهر الماضي لجنة من الخبراء لصياغته. ما توقعاتك بمضمون هذا التعديل؟

- أعتقد أن تعديل الدستور مسألة لا تتعلق بإرادة شخصية من الرئيس بقدر ما هي استجابة لطلب ملحّ في المجتمع. فصاحب فكرة التعديل الدستوري يسعى إلى إضفاء مزيد من الشفافية على المشاركة في الحكم وتكريس مبدأ التداول على المسؤولية. وإني على يقين أن تعديل الدستور سيصب لا محالة في صالح دعاة إشاعة الديمقراطية والحكم الراشد، وتوسيع المشاركة الشعبية في المجالس المنتخبة، وتمكين البرلمانيين من صلاحيات أوسع لأداء دورهم في الرقابة على أعمال الحكومة.

* ألا تعتقد أن دعوتك الرئيس الترشح من جديد تسير ضد مسار الأحداث، ففي الوقت الذي تعرف فيه المنطقة تغيير الأنظمة، يدعى رئيس الجزائر إلى الاستمرار في الحكم؟

- أملك كل الشجاعة للقول إن الرئيس بوتفليقة ليس زين العابدين بن علي وليس حسني مبارك ولا معمر القذافي أو علي عبد الله صالح.. هو أحد مجاهدي الرعيل الأول من صناع ثورة التحرير وأحد دبلوماسيي الجزائر المحنكين ووزرائها الناجحين. ناداه الوطن للمصالحة وإطفاء نار الفتنة فلبى النداء. وقال في أكثر من مناسبة إنه على استعداد لمغادرة الرئاسة إن طلب الشعب منه ذلك. لقد أحبه الشعب الجزائري لأنه عاش في فترة حكمه الرخاء والخير والمصالحة الوطنية، فهو من حرر الإعلام من القيود ونادى باحترام الرأي الآخر، وكرس مبدأ المشاركة الشعبية، وفتح آلاف الورش الاقتصادية والإنتاجية، وهو من عزز شعور الجزائريين بالانتماء إلى وطن كبير اسمه الجزائر. وبالتالي لا غرابة إن دعاه الجزائريون إلى الاستمرار في الحكم لمواصلة تنفيذ ما تبقى من إصلاحات جوهرية وعميقة، عوض أن يعود بنا رئيس آخر إلى نقطة البداية.

* يقال إن بوتفليقة يحيط نفسه برجال أعمال متورطين في الفساد، وهؤلاء من يدعمونه لولاية رابعة، وإنه لا يملك تجذرا شعبيا. إلى أي مدى ذلك صحيح؟

- لا أعتقد أن الحديث عن الفساد بهذا التركيز الكبير في بلادنا يجعلنا نصدق بأن الجزائر غارقة في الرشوة. أنا أعرف أن الذين يتحدثون بهذا اللغو لو عرضت صحيفة سوابقهم القضائية على الجزائريين لفاحت منها رائحة الفساد، ولهذا من الأحسن لهؤلاء التزام الصمت، وترك الأجهزة القضائية تعمل عملها بعيدا عن ممارسة التهريج الذي لا يفيد أحدا.

* أنت برلماني وقيادي في حزب الغالبية جبهة التحرير، من هو الأقدر على قيادة الحزب بعد سحب الثقة من أمينه العام السابق عبد العزيز بلخادم؟

- جبهة التحرير الوطني التي أنجبت عبد الحميد مهري وعلي كافي وعبد العزيز بوتفليقة وعبد الرزاق بوحارة، وغيرهم كثير من المجاهدين والشهداء، هي جبهة ولادة بامتياز، ولهذا عندما تنحى بوعلام بن حمودة (الأمين العام الأسبق) جاء من يخلفه، وإذا أصر بلخادم على عدم العودة مرة أخرى فإن كثيرين من رجالات الجبهة قادرون على خلافته، وأعتقد أن أكبر المرشحين حاليا لتولي هذا المنصب في حالة امتناع بلخادم عن الترشح هو الرئيس الأسبق للبرلمان عمار سعداني الذي يحظى إلى اليوم بتزكية أغلبية أعضاء اللجنة المركزية للحزب.