البرلمان التونسي يسائل حكومة العريض حول «أحداث الشعانبي»

وزير الدولة للشؤون الأوروبية السابق: تونس انتقلت من مجال عبور للإرهاب لتصبح مجالا لتفريخه

رئيس الوزراء التونسي علي العريض (يمين) وإلى جانبه مستشاره نور الدين البحيري ووزير الدفاع والداخلية في صورة جماعية مع بقية الوزراء إثر اجتماع وزاري عقد بمقر البرلمان أمس (أ.ف.ب)
TT

وصف رئيس الحكومة التونسي علي العريض الوضع الأمني الحالي في تونس بأنه عرف تحسنا ملحوظا، وقال إن التونسيين أصبحوا يميلون إلى خطاب سياسي معتدل. وأتي خطاب العريض استجابة لطلب مكتب المجلس التأسيسي (البرلمان) جلسة مساءلة للحكومة حول الوضع الأمني في تونس وذلك وفقا للفصل 117 من القانون المنظم للسلط العمومية (الدستور الصغير).

وقدم علي العريض خطابا مطمئنا حول الوضع الأمني في البلاد على نقيض لما تعرفه منطقة القصرين (وسط غربي تونس) من ملاحقات يومية لعناصر تنظيمات جهادية تتحصن بأكثر من 260 مغارة وكهفا. وقال العريض إن ظاهرة الإرهاب متشعبة ولا يمكن نسبتها لأي طرف سياسي. وكشف عن عدد كبير من الإيقافات لم يحدد أرقامها في صفوف تلك الشبكات، وقال إن ذلك يتم في ظل احترام الاتفاقيات والمعاهدات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

وقال في جلسة عامة للبرلمان إن «العناصر الإرهابية المتحصنة في جبل الشعانبي هي العناصر التي نجحت في الإفلات من قوات الأمن أثناء مداهمتها عددا من الأحياء والمدن التونسية خلال الفترة الماضية، لتهرب إلى الجبال وتتحصن بها من أيدي الأمن والجيش الوطنيين»، وأضاف: «أمكن اليوم وبعد أن استرجعت الدولة هيبتها ملاحقة جيوب الشبكات الإرهابية وتفكيك العلاقات بينها والتعرف على بنيتها التنظيمية، مما أفضى إلى إيقاف بعض عناصرها التي منها من هو بحالة إيقاف ومن هو بحالة سرح شرطي».

واعتبر أن مجموعتي المقاتلين الإسلاميين الموالين لتنظيم القاعدة الذين يطاردهم الجيش في غرب البلاد عند الحدود مع الجزائر، ستسقط قريبا. وأكد أيضا أنه «تم تفكيك شبكات اختصت في الاتجار بالسلاح وحجز الأسلحة والذخيرة»، وأضاف: «لا توجد الآن أي شبكة في البلاد تتاجر بالسلاح على حد علمنا».

ووافق العريض خلال الجلسة على تشكيل لجنة مشتركة بين الحكومة والبرلمان والوحدات الأمنية اقترحتها المعارضة وتهتم بالوضع الأمني، وقال إن جلساتها ستكون مغلقة حتى لا تتفشى معلومات أمنية سرية وتصل إلى المجموعات الإرهابية، على حد قوله.

واعتبر العريض الذي حضر جلسة المساءلة وكان معه وزراء الداخلية والدفاع والعدل، في خطابه الموجه إلى الداخل والخارج في الوقت ذاته، أن العناصر الإرهابية استفادت من مناخ الحرية الذي عرفته تونس بعد الإطاحة بالنظام السابق تماما كما استفادت من الانفلاتات الأمنية المتكررة بالدولة وتراجع سلطتها على الأفراد والمؤسسات. وقال إن «خوض المعركة ضد الإرهاب يقوم في أحد جوانبه على الإمساك بزمام الأمور بالمساجد بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية»، وأوضح أنه «تم استرجاع عدد كبير من المساجد، ولم يبق سوى عدد قليل منها منفلتا وخارج سيطرة وتنظيم وزارة الإشراف».

وتوجه اتهامات إلى التيار السلفي بالوقوف وراء انتشار الأفكار المتشددة التي تصل إلى حد الدعوة إلى حمل السلاح.

ولا تمس ظاهرة الإرهاب بلدا لوحده؛ بل غالبا ما تجد لها امتدادا في بقية البلدان، من ذلك أن مصدرا أمنيا جزائريا قد ذكر أمس أن وزارتي الدفاع والداخلية في الجزائر أصدرتا تعليمات صارمة لسبعة ولاة (محافظين) على مستوى الولايات الشرقية المحاذية لكل من تونس وليبيا، بتشديد الإجراءات الأمنية لمراقبة الحدود، تحسبا من تسلل «إرهابيين» إلى الجزائر، أو الخروج منها إليهم، وهو ما نبهت له أطراف أمنية تونسية بعد تضييق الخناق على المجموعات المتحصنة في جبال الشعانبي.

بشأن هذا الخطاب، قال سمير الطيب المتحدث باسم المسار الديمقراطي الاجتماعي المعارض لـ«الشرق الأوسط» إن كلمة علي العريض وإن كانت مطمئنة للسياسيين ولعموم التونسيين، فإنها غير مطمئنة لقوات الأمن والجيش التي ترابط في الجبال وتلاحق الإرهابيين. وقال إنه كان ينتظر أن يعلن رئيس الحكومة عن إعادة انتشار للجيش لتأمين الحدود. واعتبر أن العريض لم يقل كل المعلومات التي يعرفها حول الوضع الأمني الحالي حتى لا يستفيد منها الإرهابيون، على حد قوله. وأشار إلى أن المعارضة طالبت بجلسة مغلقة بين الحكومة وأعضاء المجلس التأسيسي (البرلمان) حتى يطلع نواب الشعب على كل الحقائق. وقال إنه سيطالب بإحكام التنسيق مع الطرف الجزائري في مجالات الإرهاب لما للجزائر من تجربة في هذا الباب.

وكان العريض قد عدد المراحل التي نفذتها تونس في ملاحقة تلك الشبكات الإرهابية داخل الجهات ونقل المعركة إلى المساجد بعد سيطرة أطراف متشددة على منابرها ومواجهة شبكات تسفير التونسيين للجهاد في الخارج، وانتقل بعد ذلك إلى تفكيك شبكات السلاح وما صاحبها، على حد تعبيره، من إيقافات كبرى، وقال إن الحكومة تمكنت في وقت وجيز من تحييد شبكات السلاح وقطعت الطريق أمام عمليات المتاجرة والتخزين للأسلحة.

من جانبه، أعلن لطفي بن جدو وزير الداخلية، عن القبض على عنصرين من الشبكة الإرهابية المتحصنة بجبال الشعانبي، وقال إن العنصر الأول قد قبض عليه يوم الثلاثاء، فيما ألقي القبض على العنصر الثاني أمس الأربعاء، وقال إنهما من العناصر التي تمد التنظيمات الإرهابية بالمؤونة.

من جانبه، قال توهامي العبدولي وزير الدولة للشؤون الأوروبية السابق لـ«الشرق الأوسط» إنه يعتبر الإرهاب في تونس خطرا حقيقيا، وأضاف أن «تونس انتقلت من مجال عبور للإرهاب لتصبح مجال تفريخ. لا فرق الآن بين تونس والصومال وأفغانستان».

لكنه عبر عن ثقته في أن الدولة ستتمكن من تجاوز الأزمة بمؤازرة المجتمع المدني والمعارضة، موضحا: «لأنه خطر يداهم كل التونسيين، مع العلم بأن هناك بعض الأفراد من حركة النهضة مع التوجه السلفي».

وأوضح العبدولي في اتصال هاتفي مع «الشرق الأوسط» أمس أنه «لأول مرة أعتقد أن السلفية الجهادية هي بشكل ما توحد التونسيين إسلاميين وعلمانيين، ويبدو أنهم لا يقرأون التاريخ جيدا، فقد حاولت بعض الحركات الراديكالية من قبلهم، لكن لم تجد في تونس أرضية خصبة لعملها».

كما اعتبر العبدولي أن موقف راشد الغنوشي وتصريحاته السابقة التي جاء فيها أنه يدعو «للجهاد في التنمية والديمقراطية» إيجابية، وقال: «أعتقد أن موقف راشد الغنوشي إيجابي، وأنه يثوب إلى رشده، فبعد أن كان يعتبرهم (أبنائي)، اكتشف الآن أنهم خطر حتى على حركة النهضة، وأن النار تحرق الجميع».

وحول تأثر العلاقات التونسية - الفرنسية بالأحداث الأخيرة في جبال الشعانبي، قال العبدولي إن العلاقات بدأت بالتوتر منذ نهاية الثورة. وأضاف أن «العلاقات التونسية - الفرنسية كانت متأثرة منذ سنتين بهذه المشكلات وستنتهي حالما يتم القضاء على السلفيين ويتوازن الحكم عندما تصبح النهضة شريكا حقيقيا غير متغول في الحكومة».

وحول تأثر الاقتصاد التونسي والاستثمار الأجنبي في تونس بتنامي الإرهاب في تونس، قال الوزير السابق: «هناك من يريد أن يحول تونس إلى مستنقع، ورأس المال الأجنبي لا يمكن أن يعيش في مستنقعات، وحتى السياحة ستتأثر».