باريس تعزز التدابير الأمنية «الاحترازية».. ووزير دفاعها يدعو لعدم تضخيم تهديدات «القاعدة»

مصادر أمنية فرنسية: ليست هناك إجراءات أمنية ناجعة 100%

TT

تشكل الخطة الأمنية المسماة «VIGIPIRATE» العمود الفقري للتدابير التي تعتمدها فرنسا لدرء أي أعمال إرهابية يمكن أن تحصل على أراضيها. وكلما ازدادت التهديدات الإرهابية لجأت باريس إلى التشدد في تطبيق الخطة المذكورة التي تتضمن عدة مستويات، أعطي لكل مستوى منها لون خاص. وأعلى المستويات هو «الأحمر الفاقع» الذي يتوافق مع تهديدات محددة وشيكة الوقوع.

واليوم، وعلى الرغم من مضمون شريط الفيديو الصادر عن رئيس مجلس الأعيان لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أبو عبيدة يوسف العنابي الذي يدعو فيه إلى مهاجمة المصالح الفرنسية أينما كانت في العالم، فإن باريس لم ترفع بعد التأهب الأمني إلى «الأحمر الفاقع»، علما بأن رئيس الجمهورية فرنسوا هولاند أكد أول من أمس أن بلاده «تتعامل بجدية» مع تهديدات «القاعدة».

وقالت مصادر أمنية تحدثت إليها «الشرق الأوسط» إن التدابير الإضافية المتخذة داخل فرنسا وخارجها يمكن وصفها بـ«الاستباقية» مع الاعتراف سلفا بأن كل الإجراءات التي يمكن تصورها «لا تستطيع أن توفر الأمن بنسبة مائة في المائة» بالنظر لتنوع الأهداف وتكاثرها داخل فرنسا وخارجها. وعمدت فرنسا في الداخل إلى تشديد الحراسة على الأماكن والمواقع الحساسة كالمطارات والمرافئ ومحطات القطارات وخطوط المترو والأماكن السياحية الأكثر ارتيادا والوزارات والإدارات العامة وأماكن العبادة والمصانع الحساسة وكل ما يمكن أن يكون هدفا للإرهاب.

وتأتي هذه التدابير استمرارا وتحديثا لما قامت به القوى الأمنية بعد 15 أبريل (نيسان) الماضي مع وقوع العملية الإرهابية في مدينة بوسطن. وفي الخارج، عمدت باريس إلى تشديد الحراسة حول سفاراتها وقنصلياتها ومصالحها المنتشرة عبر العالم وفي المناطق الحساسة، وخصوصا بعد استهداف السفارة الفرنسية في طرابلس صبيحة 23 أبريل الماضي.

ومنذ بدء العملية العسكرية الفرنسية في مالي في 13 يناير (كانون الثاني) الماضي، عمدت باريس إلى رفع حالة التأهب الأمني. وتحتجز القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أربعة مواطنين فرنسيين خطفوا في 16 سبتمبر (أيلول) عام 2010 شمال النيجر، وتحديدا قريبا من مدينة أرليت، حيث تستغل شركة «أريفا» الفرنسية الناشطة في القطاع النووي مناجم اليورانيوم في المنطقة. وحتى الآن، لم تنجح الجهود الفرنسية في تحرير المواطنين الأربعة. وجاءت تهديدات «القاعدة» الأخيرة لتزيد قلق عائلات الرهائن.

غير أن وزير الدفاع جان إيفل لودريان سعى أمس للتخفيف من قلق مواطنيه من خلال دعوته إلى عدم تضخيم التهديدات الصادرة عن القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي. وقال الوزير الفرنسي في حديث تلفزيوني صباح أمس، إنه «ينبغي التحلي باليقظة، لكن يجب ألا نبالغ مع ذلك بهذا الإعلان الذي يأتي في حين تكبد تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي انتكاسات خطيرة في مالي».

وتابع لودريان: «إن المطلوب بالتالي هو الاحتراز (...) وهذا ما يقوم به (وزير الداخلية) مانويل فالس عبر فرض تعزيز الإجراءات الاحترازية في فرنسا، وهذا ما نقوم به في سفاراتنا». وأوضح لودريان أن وزير الخارجية لوران فابيوس «أعطى تعليمات محددة جدا لضمان أمن سفاراتنا، ورأينا أن ذلك ضروري بعد ما حصل في ليبيا»، حيث كانت سفارة فرنسا هدفا لاعتداء في 23 أبريل.

وقالت المصادر الأمنية لـ«الشرق الأوسط» إن باريس «اعتادت» على تهديدات «القاعدة» والمنظمات المرتبطة بها أو المتعاونة معها، ولكن «حتى الآن، بقيت الأراضي الفرنسية بعيدة عن أي عمل إرهابي». وبحسب وزير الدفاع «يجب أن يؤخذ أي تهديد من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على محمل الجد». غير أنه نبه، في الوقت عينه، من الوقوع في فخ «القاعدة» التي تستخدم هذه التهديدات والضجة الإعلامية التي ترافقها من أجل «إثارة القلق» لدى الرأي العام الفرنسي وتخويفه.

ولم ينس الوزير الفرنسي الإشارة إلى القوات الفرنسية المنتشرة في الكثير من الأماكن، وخصوصا في أفريقيا التي يرتبط الكثير من بلدانها باتفاقيات عسكرية أو دفاعية مع فرنسا. وأكد لودريان أن وزارة الدفاع تؤمن من جهتها «حالة تيقظ دقيقة جدا في كل الأماكن» التي توجد فيها القوات الفرنسية.

وكان رئيس «مجلس الأعيان» في تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي أبو عبيدة يوسف العنابي دعا، في شريط مسجل «المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها» إلى «التعرض للمصالح الفرنسية في كل مكان، لأنه منذ اليوم الأول الذي بدأ فيه هذا العدوان، أصبحت تلك المصالح مشروعة لكم». ودعا أبو عبيدة في الشريط المذكور إلى التصدي والتعبئة الشاملة لمواجهة «الحملة الصليبية الجديدة» التي تقوم بها فرنسا التي «تحتل أرضا من أراضي المسلمين». وفي حين تستمر القوات الفرنسية بمساعدة ما توفر من الجيش المالي وقوات تشادية في ملاحقة ومداهمة مراكز «القاعدة» و«أنصار الدين» في المنطقة الواقعة شمال شرقي مالي وقريبا من الحدود الجزائرية، حث أبو عبيدة في شريطه المسجل بتاريخ الخامس والعشرين من الشهر الماضي «المسلمين» على إفشال خطة باريس التي «تريد أن تكون حملتها الصليبية خاطفة وقصيرة ومحدودة في الزمان والمكان»، لتجنب «الوقوع في مستنقع مثل الذي وقعت فيه أميركا في كل من العراق وأفغانستان».

ومنذ البداية، بدت باريس متيقظة لهذه المخاطر. من هنا ألحت على أن يتحمل شركاؤها الأوروبيون والأمم المتحدة والأفارقة نصيبهم من المسؤولية في مالي. وتريد باريس أن تنقل مسؤولية الأمن للقوة الدولية التي صدر قرار من مجلس الأمن الدولي الشهر الماضي بتشكيلها وهي ستزيد على 12 ألف رجل.

لكن باريس التي تصر على انتخابات رئاسية وعامة قبل نهاية يوليو (تموز) المقبل، ستحتفظ هناك بنحو ألف رجل لمساندة القوة الدولية لدى الحاجة وللاستمرار بمحاربة «القاعدة» التي تعتبر وفق كلمات وزير الدفاع نفسه، أنزلت بها «خسائر جسيمة» منذ بدء العملية العسكرية قبل خمسة أشهر.

في غضون ذلك، قالت وزارة الدفاع الجزائرية، أمس، إن الجيش الجزائري قتل سبعة متشددين إسلاميين في معقل لهم في شرق الجزائر العاصمة في الوقت الذي تصعد فيه القوات الحكومية عملياتها ضد من يشتبه في انتمائهم لتنظيم القاعدة.

وكان هذا الهجوم هو الأكبر الذي تشنه القوات الحكومية ضد متشددين منذ الهجوم الدامي الذي شنته على منشأة للغاز في الصحراء في يناير (كانون الثاني) والذي أسفر عن مقتل 37 أجنبيا.

وقالت الوزارة في بيان نقلته وكالة الأنباء الجزائرية، إن أربعة متشددين قتلوا في كمين في ولاية تيزي وزو وإن ثلاثة آخرين قتلوا في عملية منفصلة في ولاية بومرداس المجاورة مساء الاثنين الماضي.

ويعتقد أن الولايتين الجبليتين هما مكان تمركز زعيم تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي عبد الملك دروكدال، لكن لم يكن هناك ما يشير إلى أنه قد قبض عليه في الاشتباكات.

وقال البيان إن القوات استولت على ستة أسلحة رشاشة ومعها كمية كبيرة من الذخيرة.

وتبعد ولاية تيزي وزو مسافة 100 كيلومتر من العاصمة الجزائر. وقالت وزارة الدفاع الجزائرية في بيانها: «جدد الجيش الوطني الشعبي من خلال هاتين العمليتين عزمه وتجنيد وحداته الدائم عبر كامل التراب الوطني لمواصلة محاربة الإرهاب بكل حزم وإحباط كل محاولة للمس بسلامة التراب الوطني وأمن المواطنين».