إسرائيل تغلق الأقصى.. وتفرج عن مفتي القدس بعد اعتقاله لساعات

جدل في تل أبيب حول السماح لليهود بالصلاة في الحرم القدسي

TT

اقتحم مستوطنون، أمس، مدينة القدس الشرقية، وذلك في الذكرى الـ46 لاحتلالها، وجابوا شوارعها يحملون الأعلام الإسرائيلية وعاثوا فيها فسادا، وغنوا، وحاولوا اقتحام الحرم القدسي لأداء صلوات فيه، فتفجرت مواجهات بينهم وبين الفلسطينيين داخل وخارج الأقصى، أدت إلى اعتقالات طالت حتى مفتي القدس والديار الفلسطينية الشيخ محمد حسين. واضطرت السلطات الإسرائيلية إلى الإفراج عن المفتي بعد ساعات من اعتقاله تحت ضغط المطالبات وردود الأفعال المدينة لهذا الإجراء.

وأغلقت القوات الإسرائيلية أبواب المسجد الأقصى تماما أمام المصلين، أمس وأول من أمس، بينما حاول يهود الصلاة فيه، سعيا لتغيير الأمر الواقع في المسجد ومشاركة المسلمين فيه على غرار ما حصل في الحرم الإبراهيمي في مدينة الخليل بعد المجزرة التي ارتكبها المستوطن باروخ غولدشتاين في 25 فبراير (شباط) 1994 وأسفرت عن مقتل ما لا يقل عن 29 فلسطينيا بينما كانوا يؤدون صلاة الفجر في رمضان.

وكانت الجماعات اليهودية المعروفة بـ«مجلس منظمات من أجل الهيكل» دعت إلى اقتحام جماعي للمسجد الأقصى عبر باب الأسباط – أحد أبواب الحرم القدسي - وذلك بالتزامن مع الذكرى الـ46 لاستكمال احتلال القدس.

وأدى المستوطنون، أكثر من مرة، شعائر وصلوات تلمودية وتوراتية في ساحات الأقصى، خصوصا عند منطقة السور الشرقي للمسجد (منطقة باب الرحمة)، كما صلت مجموعة منهم عند باب السلسلة صلاة معروفة بشعائر الانبطاح المقدس ترافقت مع نداءات عالية تهتف لـ«باب الهيكل» قبل أن يتصدى لهم حراس المسجد ويشتبكون معهم بالأيدي، ومن ثم تتدخل الشرطة.

وقالت «مؤسسة الأقصى للوقف والتراث» إن أجواء الغضب تسود الأقصى ومحيطه، الذي استباحه نحو 180 مستوطنا، متجهة نحو باب المغاربة، خلال الفترة الصباحية، وذلك على مجموعات يتراوح عدد كل منها بين 25 إلى 40 مستوطنا. وترجم التوتر إلى اشتباكات بالأيدي والحجارة في محيط الأقصى وعند حواجز الجيش في البلدة القديمة، وعلى أبواب المجلس والسلسلة والقطانين.

وبعد يومين من المواجهات، اعتقلت إسرائيل أمس لساعات مفتي القدس والديار الفلسطينية محمد حسين من منزله في حي السواحرة في القدس، ما خلف غضبا فلسطينيا رسميا وشعبيا كبيرا. وقال ميكي روزنفيلد المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية إن حسين اعتقل لاستجوابه بشأن صلته بـ«شغب عام» وقع يوم الثلاثاء الماضي عند المسجد الأقصى.

وأدان الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) اعتقال المفتي. أما رئيس حكومة تسيير الأعمال سلام فياض فقد اعتبر الخطوة «تماديا خطيرا في انتهاك إسرائيل للقانون الدولي، واعتداء صارخا، خصوصا في ضوء موقع سماحة المفتي وما ترمز إليه مكانته»، محذرا من المزيد من تدهور الأوضاع إذا لم يتدخل المجتمع الدولي ويتحمل مسؤولياته الكاملة في «لجم الغطرسة والانتهاكات الإسرائيلية ضد شعبنا وحقوقه ومقدساته ورموزه الدينية».

ووصف وزير الأوقاف والشؤون الدينية محمود الهباش الاعتقال بأنه عمل غير قانوني وغير أخلاقي، واعتبره «عملا مدانا، وجبانا، يقتضي وقفة حقيقية تنهي هذا العبث الذي أصبح سمة رئيسة للحكومة الإسرائيلية التي تعطي غطاء قانونيا للانتهاكات التي أصبحت تطال مقدساتنا ورموزنا الدينية، إضافة إلى أرضنا وشجرنا».

وعبرت الهيئة الإسلامية - المسيحية عن سخطها الشديد، واصفة الاعتقال بالعمل الجبان، والانتهاك الجسيم لكل الشرائع السماوية والمواثيق الدولية التي تكفل حرية العبادة والديانة.

واعتبر الأمين العام للتجمع الوطني المسيحي والأراضي المقدسة ديمتري دلياني الاعتقال انتهاكا صارخا «للحقوق الدينية للمسلمين، وتعديا وقحا على عالم من علماء الدين الإسلامي، وشخصية وطنية لها الاحترام والتقدير بين أبناء شعبنا الفلسطيني من مسلمين ومسيحيين».

وندد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أحمد قريع، بسياسة الاعتقالات العنصرية التي تتبعها سلطات الاحتلال. وقال المتحدث باسم حركة فتح أحمد عساف في بيان: «إن اعتقال سماحة المفتي هو اعتداء وجريمة بحق رجال الدين وما يمثلونه من مكانة رمزية رفيعة أجمع عليها العالم، وإن هذا الاعتقال ما هو إلا اعتداء على حرية العبادة وعلى الحق في ممارسة الطقوس الدينية»، معتبرا ما قامت به حكومة الاحتلال الإسرائيلي حماقة كبيرة سيكون لها تبعات خطيرة.

أما القيادي في حماس عزت الرشق فحمل الاحتلال المسؤولية الكاملة عن حياة المفتي وسلامته، مؤكدا أن هذا الاعتقال ما هو إلا «محاولة يائسة لن تفلح في كسر إرادة جماهير شعبنا وقواه الحية في الدفاع عن الأقصى والمقدسات».

ويتزامن التوتر مع احتفال اليهود بما يعرف إسرائيليا بـ«توحيد شطري أورشليم القدس» والمطالبة بالسماح لليهود بالصلاة في الأقصى. وانتشرت الشرطة الإسرائيلية في القدس بشكل كبير، وكثفت من وجودها في البلدة القديمة ومحيط المسجد الأقصى، بينما جاب مستوطنون ويهود متشددون شوارع المدينة في مسيرة أعلام تقليدية، ورقصوا وغنوا في حلقات دائرية وأدوا صلوات تلمودية.

وأثارت المطالبات المتكررة من يهود متطرفين بالصلاة في الأقصى جدلا واسعا في إسرائيل، فبينما قال مدير عام وزارة الشؤون الدينية، في الوزارة، الحنان غلات، خلال جلسة لجنة الداخلية البرلمانية أمس، إن وزارته ستقدم إلى الحكومة أنظمة جديدة تتعلق بأداء اليهود للصلاة في ساحة الحرم القدسي الشريف، لإقرارها. وأيدت هذا الموقف رئيسة لجنة الداخلية ميري ريغف، فقالت إنه يجب إفساح المجال أمام المسلمين واليهود على حد سواء لأداء الصلوات في الحرم القدسي.

لكن نائبة مدير قسم شؤون الأردن في وزارة الخارجية فريدا يوفال حذرت من أن أي تغيير في الوضع القائم في الحرم القدسي سيثير ردود فعل عالمية، مثلما حدث عقب زيارة رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون للمكان، وعقب افتتاح الأنفاق تحت حائط المبكى.

وقال قائد شرطة لواء القدس الميجر جنرال يوسي بارينتي إن أي تغيير يتطلب قرارا حكوميا أو حكما تصدره محكمة العدل العليا.

وتسمح الأنظمة الإسرائيلية لليهود بدخول الحرم القدسي دون أداء الصلاة فيه. ويسعى متطرفون لتغيير هذا الوضع.