عقوبات الفلسطينيين في المحاكم أضعاف يهود بنفس التهمة

دراسة تبين أن «جهاز العدالة» الإسرائيلي يميز ضد الفلسطينيين بشكل فاحش

TT

أظهرت دراسة جديدة لمركز «عدالة» لحقوق الإنسان الفلسطيني في إسرائيل تمييزا عنصريا في الأحكام الصادرة عن المحاكم الإسرائيلية على الفلسطينيين، مقارنة بالأحكام الصادرة بحق يهود ارتكبوا المخالفات الأمنية نفسها.

وأجرت المحامية فاطمة العجو، من «عدالة»، هذه الدراسة لفحص مدى التمييز ضد المشبوهين والمعتقلين والسجناء السياسيين الفلسطينيين المتهمين بارتكاب جرائم ضد اليهود لمجرد كونهم يهودا، مقارنة مع المشبوهين والمعتقلين والسجناء اليهود الذين ارتكبوا جرائم ضد العرب لمجرد كونهم عربا. وهذا ما توصلت إليه:

أولا: إسرائيل لا تعترف بالسجناء الفلسطينيين كأسرى حرب، رغم القواعد السائدة في القانون الدولي، وذلك خلافا لتعليمات معاهدة لاهاي الرابعة لعام 1907، ولاتفاقية جنيف (الثالثة) بخصوص معاملة أسرى الحرب منذ عام 1949، والبروتوكول الأول الإضافي لاتفاقيات جنيف من عام 1977. ويقدم السجناء الفلسطينيون للمحاكمة كمجرمين جنائيين ومخربين. ولا تميز إسرائيل بين من هاجم جنودا وأهدافا عسكرية وبين من هاجم مدنيين وأهدافا مدنية. وإذا كان الحال كذلك بالنسبة لسكان المناطق المحتلة عام 1967 فماذا سيكون الحال بالنسبة للمواطنين العرب في إسرائيل؟.. ففي الوقت الذي يعاني فيه المواطنون العرب في حياتهم اليومية من تمييز ضدهم بشكل منهجي ومؤسس في كل مناحي الحياة، فإن مواطنة السجناء السياسيين منهم تستخدم كذريعة للتشديد نحوهم. ويتعامل الجهازان القضائي والسياسي معهم بصرامة بالغة وتُفرض عليهم عقوبات شديدة جدا ويُحرمون من التسهيلات التي يحظى بها سجناء يهود كثيرون.

ثانيا: سجناء فلسطينيون كثيرون أدينوا وفُرضت عليهم أحكام بالسجن المؤبد. والقانون الأساسي يمنح رئيس الدولة صلاحية العفو عن المجرمين وتخفيف عقوبتهم. وحتى عهد قريب لم يحظ السجناء العرب في إسرائيل والمحكوم عليهم بالسجن المؤبد بتحديد فترة حكمهم أو بالإفراج المبكر عنهم. وفي أغسطس (آب) الماضي حدد رئيس الدولة، شيمعون بيريس، فترة عقوبة سبعة منهم محكوم عليهم بالسجن المؤبد قبل اتفاقات أوسلو وهم في السجن منذ 25 سنة على الأقل. وحين حدد بيريس عقوبتهم بناء على توصية وزير القضاء، اختار العقوبة الأطول.

ثالثا: على مدار السنين حظي السجناء اليهود بمظاهر العطف من مؤسسة الرئاسة ولجان الإفراج المختلفة التي منحت العفو للسجناء وحددت عقوباتهم، فاقتصرت على عقوبات سهلة نسبيا وأوصت بالإفراج المبكر عنهم بعد قضاء سنوات قليلة من فترات السجن التي فُرضت عليهم. وفي ما يلي قائمة تقدم الأمثلة على ذلك:

* أعضاء التنظيم الإرهابي السري اليهودي، الذين اعتقلوا عام 1984 وأدينوا بقتل ثلاثة طلاب في جامعة الخليل وجرح آخرين بإطلاق النيران داخل الجامعة، وتفجير سيارات رؤساء بلديات في الضفة الغربية والتسبب في إصابات بالغة لثلاثة منهم، والتخطيط لتفجير خمس حافلات مع مسافريهم العرب، والتخطيط لتفجير المسجد الأقصى في القدس.. من بين 29 متهما من أعضاء التنظيم الإرهابي أدين 15 فقط، ثلاثة منهم حُكم عليهم بالسجن المؤبد والبقية فرضت عليهم عقوبات بالسجن لمدة سبع سنوات أو أقل. وخلال سنوات قليلة أطلق سراح غالبيتهم وبقي في الأساس المحكومون بالسجن المؤبد. وفي نهاية الأمر حدد رئيس الدولة في ثلاث مرات فترة محكومية هؤلاء السجناء المؤبدين وخصم ثلثها وأفرج عن السجناء الثلاثة الذين بقوا في أواخر عام 1990 بعد أن قضوا في السجن أقل من سبع سنوات.

* أربعة صبية أعضاء تنظيم «كهانا حي» ألقوا في عام 1992 قنبلة يدوية في سوق اللحامين في الحي الإسلامي في البلدة القديمة في القدس، فقتلوا عربيا مسنا وجرحوا سبعة، حُكم عليهم بالسجن لمدد تتراوح ما بين 5 سنوات و15 سنة. ومنح رئيس الدولة في حينه العفو لاثنين منهم، ومن أدين بالعملية الأساسية حُكم عليه بالسجن لمدة 15 سنة وخُففت هذه المدة إلى 10 سنوات.

* في عام 1984 قتل ديفيد بن شيمول شخصا وجرح عشرة آخرين على الأقل، حين أطلق صاروخ لاو على باص مليء بالمسافرين العرب. وحكم عليه بالسجن المؤبد، وبعد فترة حددت فترة الحكم وخففت إلى 17 عاما، وبعد خصم ثلث المدة أفرج عنه عام 1995 بعد قضاء 11 عاما في السجن.

* في عام 1990 قتل عامي بوبر سبعة عمال فلسطينيين من قطاع غزة وجرح 11 آخرين حين كانوا ينتظرون للذهاب إلى العمل عند مفترق عيون قارة في مدينة ريشون لتسيون. وقد أدانته المحكمة بالقتل وحكمت عليه بالسجن 7 مؤبدات متراكمة و20 سنة. وفي عام 1999 حدّد رئيس الدولة مدة حكمه وخفضها إلى 40 سنة.

* يورام شكولنيك قتل في عام 1993 فلسطينيا كان معتقلا ويداه مقيدتان وراء ظهره، حيث أطلق النيران وأصاب المعتقل في ظهره حين كان مضطجعا على الأرض وخائر القوى. وحكم على شكولنيك بالسجن المؤبد. وخفض رئيس الدولة مدة الحكم عليه مرتين: في المرة الأولى إلى 15 عاما وفي المرة الثانية إلى 13 عاما. وبعد خصم ثلث المدة أفرج عنه بعد أن قضى 8 سنوات فقط في السجن.

المقارنة بين السجناء الفلسطينيين والسجناء اليهود المحكوم عليهم بالسجن المؤبد تُظهر العقوبات الصارمة المفروضة على الفلسطينيين، وتُظهر الرفض المثابر لتخفيف العقوبات المفروضة عليهم والظلم الكبير اللاحق بهم خاصة بالمقارنة مع العقوبات المخففة التي يقضيها السجناء اليهود.

* سامي يونس، من سكان قرية عارة في المثلث، محكوم بالسجن المؤبد لعضويته في خلية اختطفت جنديا وقتلته عام 1981. حددت فترة عقوبته لمدة 40 سنة سجنا، وفي نهاية الأمر أفرج عنه في صفقة شاليط. وكان كريم يونس وماهر يونس شريكين في الخلية نفسها مع سامي يونس. وفي شهر أغسطس (آب) 2012 حددت فترة عقوبتهما لمدة 40 سنة. وأمضى السجينان حتى الآن أكثر من 30 عاما في السجن!

* وليد نمر دقة من سكان باقة الغربية، اتهم بالتورط في قتل جندي عام 1984 وحُكم عليه بالسجن المؤبد. وخلال السنوات الـ28 التي أمضاها في السجن ظل دقة متمسكا بروايته بأنه سمع عن خطف الجندي في غرف التحقيق التابعة لـ«الشاباك»، وهو ينفي أي تورط في الاختطاف والقتل. وفي أغسطس الماضي، وبعد مضي 27 سنة على سجنه، حُدّدت فترة عقوبته لمدة 37 سنة.

* رشدي حمدان أبو مخ، من سكان باقة الغربية، مريض بمرض السكري المزمن، ومحكوم عليه بالسجن المؤبد لأنه كان عضوا في خلية اختطفت وقتلت جنديا عام 1984. وقد شارك في الاختطاف لكنه لم يشارك في القتل. وفي أغسطس الماضي حُدّدت مدة عقوبته لفترة 35 سنة.

* إبراهيم نايف أبو مخ وإبراهيم عبد الرازق بيادسة، من سكان باقة الغربية، محكومان بالسجن المؤبد لأنهما كانا عضوين في خلية خطفت وقتلت جنديا عام 1984. وهما موجودان في السجن منذ نحو 30 عاما. وفي أغسطس الماضي (2012) حددت فترة الحكم الأول لمدة 40 سنة والثاني لمدة 45 سنة.

* في عام 1987 حُكم على مخلص أحمد برغال ومحمد منصور زيادة بالسجن المؤبد، الأول بسبب إلقائه قنبلة يدوية على حافلة للجنود، والثاني بسبب مساعدته ومشاركته في إلقاء القنبلة - التي لم تنفجر، ولم يصب أحد جراء ذلك. في عام 2003 جرى تحديد فترة عقوبة برغال بمدة 40 عاما وبعد مضي 25 سنة في السجن أفرج عن السجينين برغال وزيادة ضمن إطار صفقة شاليط.

* محمود ومحمد جبارين، من سكان أم الفحم، اعتُقلا عام 1988 وحُكم عليهما بالسجن المؤبد بعد إدانتهما بقتل فلسطيني اشتبه في تعاونه مع إسرائيل. وحُددت فترة محكوميتهما لمدة 30 سنة. محمود لا يزال يقضي فترة حكمه في السجن، بينما أفرج عن محمد ضمن إطار صفقة شاليط.

* سمير سرساري وعلي عمرية من سكان قرية إبطن (حيفا)، اعتُقلا عام 1988 وحكم عليهما بالسجن المؤبد بعد إدانتهما بالاشتراك في إلقاء قنبلة، في مدينة حيفا، أدت إلى إصابات. وفي عام 1999 حددت فترة حكم عمرية لمدة 40 سنة وأفرج عنه ضمن إطار صفقة شاليط، في حين حددت فترة حكم سرساري لمدة 45 سنة. وفي أغسطس 2012 حدّدت فترة حكمه مرة أخرى لمدة 30 سنة. سرساري قضى في السجن حتى الآن 25 سنة.

رابعا: يقبع في السجون على الأقل عشرة سجناء سياسيين فلسطينيين مواطنين في إسرائيل لم تحدد فترة حكمهم، رغم أن معظمهم أمضوا سنوات كثيرة في الأسر. وهكذا فإن السجناء الذين لم يَقتلوا أو يَجرحوا أحدا حُكم عليهم بالسجن المؤبد (بعد أن حوكموا في محكمة عسكرية استنادا إلى أنظمة الطوارئ رغم كونهم مواطنين في الدولة). السجناء اليهود جميعا الذين حوكموا في أعقاب عمليات قتل الفلسطينيين على خلفية قومية جرى تحديد فترة عقوبتهم وحظوا بتخفيفات كبيرة في العقوبات.

خامسا: على مدى سنوات طالب السجناء الفلسطينيون بأن تتساوى ظروفهم مع ظروف السجناء اليهود وبشكل خاص في ما يتعلق بموضوع تحديد مدة العقوبات والإفراج المبكر عنهم، لكن السلطات رفضت ذلك بصورة ثابتة واستمرت في التمييز ضدهم. أحد التفسيرات التي تقدم لتبرير التسهيلات للسجناء اليهود هو ضرورة الإفراج عن سجناء يهود كثقل مواز للإفراج عن سجناء فلسطينيين ضمن إطار الاتفاقات السياسية. بالطبع هذا التعليل لا يستطيع أن يبرر التمييز ضد السجناء الفلسطينيين المواطنين في إسرائيل.

سادسا: السجناء الفلسطينيون «يحظون» خلال عشرات السنين التي يقضونها في السجن بزيارات عائلية مختصرة ومقيدة، وهم محرومون من الإجازات حتى في الحالات الإنسانية البارزة (الأمراض الخطيرة، جنازات الأقارب وبالتأكيد الأعراس أيضا)، وهم محرومون أيضا من الاتصال الهاتفي مع عائلاتهم ولا يحق لهم الاختلاء بزوجاتهم. هذه الحقوق تعطى لعموم السجناء اليهود ويُحرم منها جميع السجناء الفلسطينيين بصورة مطلقة. وعلى سبيل المثال فإن عامي بوبر الذي كما ذكرنا قتل 7 فلسطينيين وجرح 11، حصل حتى الآن على أكثر من 160 إجازة وخلال فترة سجنه تزوج وأسس عائلة.

سابعا: الإفراج المبكر لأسباب طبية.. قانون الإفراج المشروط ينص على أن لجنة الإفراجات لها الصلاحية بأن توصي بالإفراج المشروط عن سجين أيامه معدودة أو بحاجة إلى التنفس الاصطناعي أو سجين في غيبوبة أو موجود في حالة عدم معرفة واطلاع على الزمان والمكان بشكل دائم بسبب وضع جسماني أو تدهور إدراكي. وينص القانون أيضا على أن اللجنة مخولة بالإفراج المشروط عن السجين من سجنه إفراجا مؤقتا لمدة نصف سنة ويمكن تمديد هذه المدة، لتلقي العلاج الطبي في حالة كون السجين مصابا بالسرطان أو محتاجا لزرع عضو حيوي في جسمه. وفي هذا السياق أيضا يجري التمييز ضد السجناء الفلسطينيين مقارنة مع السجناء اليهود. خلال عشرات السنين لاقى سجناء فلسطينيون كثيرون حتفهم في السجون بسبب الأمراض والمشاكل الصحية. واليوم أيضا يقبع في السجون الإسرائيلية سجناء كثيرون يعانون مشاكل صحية خطيرة، وبالنسبة لقسم منهم يمكن تفعيل الصلاحية المنصوص عليها في القانون وإصدار التعليمات بالإفراج المشروط عنهم، ولو بشكل مؤقت. وإذا ما أفرج مبكرا عنهم فإن هذا الإفراج يكون مشروطا. ويتضمن أمر تخفيف العقوبة شروطا شديدة القسوة، وإذا ما خرق السجين المحرر هذه الشروط فمن المتوقع أن يُعاد إلى السجن لقضاء بقية فترة محكوميته التي كانت سارية عشية الإفراج المبكر عنه.