ملامح قائمة المرشحين لرئاسة إيران تتسع والمحافظون يتحفظون على ترشح رفسنجاني وخاتمي

خامنئي يرى أن الانتخابات «بيت القصيد للملحمة السياسية».. ويلفت لدور التلاميذ في التأثير علىأسرهم

الأستاذة الجامعية ثريا ملك زادة تتحدث إلى الإعلاميين بعد تقديم أوراقها للترشح في انتخابات الرئاسة الايرانية أمس (إ.ب.أ)
TT

شهد اليوم الثاني لتسجيل مرشحي انتخابات الرئاسة الإيرانية هدوءا أكثر من سابقه، إذ لم يتقدم أي من الأسماء الكبيرة حتى الآن بأوراق ترشحه بعد. وسجل حتى يوم أمس عدد من السياسيين أسماءهم في قائمة المرشحين بمن فيهم المساعد السابق للرئيس الإيراني عضو مجمع تشخيص مصلحة النظام صادق واعظ زادة، ووزير الصحة الإيراني الأسبق كامران باقري لنكراني، ورئيس مركز الدراسات الاستراتيجية في مجمع تشخيص مصلحة النظام حسن روحاني، إلى جانب مصطفى كوابيان المنتمي إلى تيار الإصلاح.

وقد سبق أن أعلن العديد من المحافظين عزمهم التقدم للانتخابات، ومن بينهم وزير الخارجية السابق علي أكبر ولايتي المستشار الحالي للمرشد الأعلى علي خامنئي في الشؤون الدولية، ورئيس بلدية طهران محمد باقر قاليباف، ورئيس مجلس الشورى السابق غلام علي حداد عادل، وقد شكل الثلاثة ائتلافا من أجل التقدم للترشح. أما في صفوف الإصلاحيين والمعتدلين فهناك أيضا نائب الرئيس السابق محمد رضا عارف.

ويعتقد أن المرشحين الأبرز الذين يسعون للفوز بالمنصب تخلفوا عن الحضور إلى حد الآن. وتخضع كل حركات وتصريحات هاشمي رفسنجاني، الرئيس الإيراني الأسبق، لتحليل دقيق بحثا عن مؤشرات حول نواياه دخول السباق الرئاسي. وكان رفسنجاني قد لمح في اجتماع عقده مؤخرا مع مجموعة من طلبة الجامعة، عقب شهور من التصريحات المبهمة والمتناقضة، إلى أنه قد يخوض السباق. ونقل موقع الانتخاب الإخباري قوله أمس «إذا تيقنت أن ترشيحي سيساعد إيران والإيرانيين فسوف أتقدم بأوراقي، لكنه إن كان سيبث الفرقة ويسبب الشقاق فحينئذ سأتراجع».

وتأتي احتمالية تقدم رفسنجاني أو محمد خاتمي بأوراق تشرحهما للانتخابات القادمة بمثابة سيناريو كابوسي للمحافظين المتشددين الموالين لآية الله خامنئي، حيث شنت صحيفة «كيهان» اليومية المتشددة والتي تصدر تحت إشراف خامنئي هجوما شرسا على كل من خاتمي ورفسنجاني متهمة إياهما بـ«اللعب في أرض معادية للثورة». ووصف حسين شريعتمداري، ممثل المرشد الأعلى، في «كيهان»، خاتمي بـ«الخائن والجاسوس للاستخبارات الأجنبية»، محذرا من أن مجلس صيانة الدستور سيرفضه إذا قرر الترشح.

ويبدي المتشددون خشية كبير إزاء شعبية هاشمي رفسنجاني وخاتمي بين الإيرانيين، ويعتزمون التصدي لهم بكل الوسائل. لكن شريعتمداري توقع أن يحصل رفسنجاني على موافقة المرشد الأعلى إذا ما اختار دخول السابق، لكنه حذره، ناصحا إياه بعدم الترشح لأنه سيخسر الانتخابات وهو ما يعني أفول نجمه في عالم السياسة. كما ينظر إليه باعتباره شخصية تتمتع بالخبرة والحصافة، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد من أسوأ أزمات اقتصادية وسياسية بعد ثماني سنوات من حكم تحالف خامنئي - نجاد.

ولا يملك أي من مرشحي التيار المتشدد الإيراني هذه المقومات، والأسوأ من ذلك أنهم يفتقرون إلى القبول الشعبي. وقال رضا علي جاني، المحلل السياسي الإيراني المقيم في باريس، لـ«االشرق الأوسط»، إن «الأصوليين لا يمكنهم عقد اتفاق لأنهم يتألفون من مجموعات متنوعة لها مصالح مختلفة بل ومتعارضة». وأضاف «الوحدة التي تمتعت بها الجبهة الأصولية قبيل انتخاب نجاد عام 2005 كانت نتيجة الحاجة إلى ردع وقمع هاشمي رفسنجاني بدافع تعزيز مكانة خامنئي».

في الوقت ذاته، قال مرتضى آغا طهراني، وهو رجل دين مقرب من كل من أحمدي نجاد وخامنئي والأمين العام لجبهة المقاومة الثورية الإسلامية المتشددة بزعامة مصباح يزدي «إذا لم تكن هناك أي قيادة فقهية (ولاية الفقيه) في إيران، فسوف يمزق السياسيون بعضهم بعضا»، وفقا لما أكدته صحيفة «اعتماد» الإيرانية أمس. وأضاف «لا يزال بعض السياسيين يدعمون (رفسنجاني)، إلا أن دعمه الضمني للثورة الخضراء خلال عام 2009 يثبت أن موقفه السياسي الحقيقي لا يتوافق مع رؤية المرشد الأعلى».

ونشر محمد خاتمي أول من أمس (الثلاثاء) بيانا له على موقعه الإلكتروني معربا عن سروره لمعرفته أن رفسنجاني سيرشح نفسه للانتخابات الرئاسية. وتساءل خاتمي قائلا «لماذا يعارض المرشد الأعلى مسألة ترشح هاشمي وهو الذي أثنى عليه بوصفه أفضل رفيق له؟».

ويحتل كل من خاتمي ورفسنجاني الصدارة في استطلاعات الرأي غير الرسمية التي قامت بها بعض المنظمات داخل إيران وتم تسريبها إلى وسائل الإعلام من دون أي يتم نفيها في وقت لاحق. وقال حجة الإسلام أصغربور، المتحدث باسم مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي تولى رئاسته رفسنجاني بالأمس، إن «هاشمي قد يتقدم بأوراقه في اللحظة الأخيرة».

وقد كان الموعد النهائي للتسجيل مع فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية الإيرانية هو يوم السبت 11 مايو (أيار) الحالي. وقال صادق زبكلام، وهو محاضر في جامعة طهران ومعلق سياسي بارز خلال مقابلة أجريت معه من قبل وكالة أنباء «العمال» الإيرانية، أمس، إن «دخول (رفسنجاني) سباق الانتخابات سيعمل على توحيد جميع الإصلاحيين خلفه، بما في ذلك خاتمي نفسه. وإذا حدث ذلك، فهذا يعني أن الفصائل المحافظة بأكملها ستستعد لسحق رفسنجاني».

إن الغموض الذي يكتنف مسألة ترشيح رفسنجاني ليس القضية الوحيدة المثيرة للجدل في الانتخابات المقبلة. فلم يتم الكشف عن مصير اسفنديار رحيم مشائي، المقرب من محمود أحمدي نجاد ومسألة ترشحه أيضا. ولذلك يشعر خامنئي ومؤيدوه بالقلق من خصومهما المحتملين، هاشمي رفسنجاني ومحمود أحمدي نجاد، وهما منافسان يضيقان الخناق على المرشد الأعلى، في برجه العاجي، رويدا رويدا من اتجاهات مختلفة.

وكان رفسنجاني قد تعهد في نهاية فترة رئاسته عام 1997 بحماية نزاهة العملية الانتخابية في الجمعة الأخيرة التي صلاها قبل الانتخابات الرئاسية ذلك العام.

وكان معروفا أن المرشد الأعلى يميل بشدة لاختيار ناطق نوري، رئيس البرلمان آنذاك، وعندما تم الإعلان عن انتصار خاتمي الكاسح في الانتخابات، تأكد حينها صدق رفسنجاني في وعده.

وعلى الرغم من مرور 16 عاما لا يزال رفسنجاني يقف في مفترق طرق مع صديقه ومنافسه القديم، المرشد الأعلى، الذي يملك سلطة صياغة السياسة الإيرانية، ويضم معسكره محمد خاتمي وحسن روحاني وأغلبية الوزراء وأعضاء مجلس النواب وقادة سابقون في الحرس الثوري الذي خدموا إبان الحرب العراقية الإيرانية حتى عام 2005، عندما تولى محمود أحمدي نجاد السلطة.

ويعد رفسنجاني رمزا للمحافظين المعتدلين في إيران وحليفا للإصلاحيين المعتدلين أيضا. على الجانب الآخر يقود آية الله خامنئي فصيلا سياسيا جديدا يدعى الأصوليين، والمؤلف من محافظين متشددين وأصوليين.

وقد تسبب النزاع الذي وقع بين أحمدي نجاد وفريقه من ناحية والأصوليين من ناحية أخرى في معضلة صعب لخامنئي، الذي يجد نفسه مضطر للقتال على جبهتين، الأولى التي ينبغي عليه فيها أن مواجهة الأزمات الاقتصادية الخانقة التي تواجهها إيران، والثانية ضرورة التغلب على عدد كبير من الأزمات الدولية والإقليمية التي سقطت فيها إيران.

في غضون ذلك أكد المرشد الأعلى لإيران علي خامنئي أنه يرى أن الانتخابات تمثل «بيت القصيد للملحمة السياسية». وأفادت وكالة «مهر» للأنباء بأن خامنئي قال لدى استقباله آلاف المعلمين ومنتسبي وزارة التربية والتعليم، إن «مواصلة الوتيرة المتنامية للتقدم بالبلاد في مختلف جوانبها، بحاجة إلى قفزة نوعية وخلق ملحمة سياسية وملحمة اقتصادية، وأن التربية والتعليم بالتأكيد تؤدي في هذا الميدان دورا مصيريا». وجاءت تصريحات خامنئي في إطار اللقاء الذي جرى بمناسبة أسبوع تكريم مقام المعلم. كما أكد قائد الثورة الإسلامية أن تحقق الملحمة السياسية والاقتصادية بالبلاد بحاجة إلى حماس ونشاط وأداء دور فاعل من قبل جميع أفراد الشعب بمن فيهم المعلمون والتلاميذ، ولفت إلى أن التلاميذ ورغم انهم لم يصلوا إلى السن القانونية التي تؤهلهم للمشاركة في الاقتراع، إلا أنهم يمكنهم أن يؤدوا دورا مؤثرا في أسرهم، كما أن المعلمين يمكنهم أداء دور بارز في الانتخابات التي تعتبر بيت القصيد للملحمة السياسية وكذلك في الملحمة الاقتصادية على المدى البعيد.