إسرائيل تطالب واشنطن بالتدخل لمنع بيع صواريخ «إس 300» الروسية لسوريا

بريطانيا تسعى من جديد لرفع حظر السلاح عن المعارضة

TT

في وقت تسعى فيه بريطانيا لجولة جديدة من مساعيها لرفع حظر الأسلحة الأوروبية عن مقاتلي المعارضة السورية، حذر مسؤولون إسرائيليون أمس الإدارة الأميركية من أن روسيا على وشك تسليم منظومة صواريخ «أرض - جو» لنظام الرئيس بشار الأسد، الأمر الذي سيعزز قدرة الأخير على «درء أي تدخل خارجي لوقف العنف المستمر منذ أكثر من عامين».

ووفقا لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، فإن المسؤولين الأميركيين أبدوا اهتماما بالمعلومات الواردة إليهم من تل أبيب حيال صفقة أبرمتها دمشق مع موسكو لشراء منظومة «إس 300» الدفاعية، ويعكفون الآن على تحليل معطياتها، رافضين في الوقت نفسه التعليق على الادعاءات الإسرائيلية بأن تسليم أولى دفعات المنظومة قد يتم في فترة لن تتجاوز الثلاثة أشهر.

وتعتبر بطاريات «إس 300»، التي نشرت لأول مرة في الاتحاد السوفياتي عام 1979، واحدا من أفضل أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات، إذ لا يحتاج نشرها أكثر من 5 دقائق، كما أن قذائفها مختومة، مما يعني أنها لا تحتاج إلى صيانة مطلقا. ويعود تاريخ صفة «إس 300» لثلاث سنوات سابقة، لكن الرئيس الأميركي حينئذ، جورج بوش، مارس ضغوطا على نظام موسكو لعدم تسليم هذه المنظومة لدمشق، الأمر الذي دفع الرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف إلى تعليق الصفقة متعذرا بالعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة في ذلك العام على إيران لتحديها مطالب دولية بكبح برنامجها النووي.

وفي أول رد فعل أميركي رسمي على الموضوع، حذر وزير الخارجية الأميركي، أمس، من قيام روسيا بشحن منظومة دفاع صاروخي متقدم لسوريا، مشيرا إلى أن ذلك سيؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة وعرقلة التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية. وقال كيري للصحافيين في روما بعد محادثاته مع نظيرته الإيطالية إيما بونينو: «لقد ذكرنا أن تلك الصواريخ تزعزع استقرار المنطقة وأوضحنا أنها مصدر قلق للولايات المتحدة».

وعلى الرغم من إقرار البيت الأبيض بعلمه بالتقارير حول الصواريخ الروسية المتجهة لسوريا، امتنع الناطق عن البيت الأبيض جاي كارني عن الإفصاح عن المزيد من التفاصيل حول القضية. وقال كارني للصحافيين أمس: «نحن على علم بالتقارير ولكن لا يوجد لدي المزيد من المعلومات لكم حولها، لقد طلبنا مرارا من روسيا أن توقف تزويد نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد بالأسلحة الروسية بما في ذلك أنظمة دفاع جوية تزعزع استقرار المنطقة. ولقد قلنا منذ زمن بأن بإمكان روسيا أن تلعب دورا بناء في سوريا». وردا على سؤال حول إمكانية تغيير موسكو موقفها الداعم للنظام السوري، قال كارني: «لقد كنا واضحين جدا في التعبير عن إحباطنا من دعم روسيا لنظام الأسد، وقد تواصلنا باستمرار مع روسيا حول هذه القضية».

وتضغط الولايات المتحدة والدول الغربية على حكومة الرئيس فلاديمير بوتين لإقناعه بعدم المضي قدما في صفقات بيع السلاح للنظام السوري. ومن المقرر أن يقوم رئيس الوزراء البريطاني ديفيد كاميرون بمحادثات مع الرئيس الروسي بوتين اليوم قبل مجيئه إلى واشنطن ولقائه الرئيس الأميركي باراك أوباما يوم الاثنين المقبل.

وتدعي إسرائيل اليوم أن نظام الأسد قد دفع ثمن 4 بطاريات من هذه المنظمة، بسعر يتجاوز مبلغ 900 مليون دولار أميركي، وتؤكد تل أبيب ادعاءها بتحويلات مالية من الحكومة السورية، تتضمن دفعة تمت هذه السنة عبر بنك التنمية الخارجية الروسي «في إي بي». وتشمل الصفقة المزعومة 6 قاذفات صواريخ، و144 صاروخا تشغيليا بمدى مجد يصل إلى 125 ميلا، أي ما يعادل 200 كيلومتر. ووفقا للمعلومات الإسرائيلية، فإنه سيتم تسليم الدفعة الأولى من هذه الصفقة خلال فترة لا تتجاوز 3 أشهر، على أن يتم تسليم الدفعة الأخيرة نهاية العام الحالي.

وكان بوتين قد حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عقب الغارة الإسرائيلية الأخيرة على دمشق في 4 مايو (أيار) الحالي، بأن موسكو لن تتسامح مع المزيد من الهجمات على سوريا.

لكن نتنياهو، الذي أكد لبوتين أن إسرائيل لم تغر على سوريا لتقويض سلطة الأسد، إنما لمنع وصول أسلحة متطورة لحزب الله اللبناني، يرى أن وصول «إس 300» إلى دمشق سيشكل خللا في «التوازن العسكري» القائم بين البلدين. ولمنع حدوث هذا الخلل، أجرى رئيس الحكومة الإسرائيلية اتصالا هاتفيا مع الرئيس الأميركي باراك أوباما، قالت مصادر سياسية في تل أبيب إن نتنياهو حذر الولايات المتحدة خلاله من خطورة وصول صواريخ روسية متطورة كهذه إلى دمشق، لأنها تؤدي إلى تقوية الدفاعات الجوية السورية في أي مواجهة مع الطائرات الغربية في حال اضطر الغرب إلى التدخل في سوريا، وتقوي من معنويات نظام الأسد في قمعه للمعارضة في بلاده.

وقد أعطى الكاتب في صحيفة «إسرائيل اليوم» جنيفر روبين، والذي يعتبر من المقربين لنتنياهو، تفسيرا في هذا التوجه فربط بين صفقة الأسلحة والقصف الإسرائيلي على دمشق، متسائلا «هل تريد الولايات المتحدة أن تصبح إسرائيل شرطي منطقة الشرق الأوسط؟». وذهب روبين لأبعد من ذلك ليقول إن «الموضوع هو أن سوريا هي في واقع الأمر تجربة أولية للمواجهة الأكبر بين إيران والغرب. وبالتأكيد ثمة إمكانية بأنه في هذه المواجهة أيضا ستضطر إسرائيل إلى العمل. وإذا كان هكذا هو الحال، فكيف يمكن لرئيس الوزراء الإسرائيلي أن يعتمد على الإدارة الأميركية؟ عندما لا يكون أوباما مستعدا للتدخل في ما يجري في سوريا، ثمة احتمال صغير جدا لأن يقف خلف تهديدات تجاه إيران».

من جانبه، قال روبرت هيوسن، محلل القدرات الجوية في مؤسسة الدفاع والاستخبارات الأمنية والتحليل «آي إتش إس جينز»، إنه في حالة حصول سوريا على نظام «إس 300» فربما يستغرق نشر النظام وتشغيله عدة أشهر، مؤكدا أن المنظومة لن تمثل تحديا كبيرا بالنسبة للقوات الجوية الإسرائيلية التي تعتمد على التكنولوجيا المتقدمة. وأضاف أنه «نظام قائم منذ فترة ومفهوم بشكل جيد ولهذا تتوافر معلومات كثيرة خاصة لدى أصدقاء إسرائيل بشأن كيفية التعامل معه».

إلى ذلك، بدأت بريطانيا مسعى جديدا لرفع حظر الأسلحة الأوروبي عن المقاتلين السوريين، قائلة إن ذلك سيدعم المعارضة المعتدلة ويضمن للاتحاد الأوروبي إمكانية التعامل بمرونة مع أي هجوم بالأسلحة الكيماوية. وفي وثيقة وزعت على الدول الـ27 المكونة للاتحاد، وضعت بريطانيا، أول من أمس، خيارين لتعديل العقوبات الحالية؛ ويقضي الخيار الأول وفقا للوثيقة التي جاءت في 4 صفحات بإعفاء الائتلاف تماما من حظر الأسلحة الأوروبي، بينما يقضي الخيار الثاني بإزالة مصطلح «غير الفتاكة» من نص العقوبات، وهو ما يمهد الطريق أمام إرسال أسلحة.

يشار إلى أن دولا كبرى داخل الاتحاد، منها النمسا والسويد وإسبانيا، لديها تحفظات قوية على رفع حظر الأسلحة، بينما تبدي دول أخرى كألمانيا مرونة في الوصول لـ«حلول وسط» لدعم المعارضة والضغط على نظام الأسد.